الأسئلة وحفريات الصوت الاَخر

أطروحة دكتوراه حسين البرغوثي في الأدب المقارن، الفن العسكري للروح، وبنية العقل المبدع "الصَّوت الاَخر" يترجمها للعرببة عبدالرحيم الشيخ.
هكذا تكلم البرغوثي ما بعد حداثة وترجمة زرادشت، بمقلمة عبدالرحيم الشيخ
خريطة فهرس الصوت الاَخر تأتي بالإلهام

الأسئلة وحفريات اللوغوس 
مسلخ الأصَّوات، ومقبرة العقاب، تكاثر الخلايا الأولى، إنتزاع الجزء، إعادة استقراء: الجزئيات، في ملحمة الكل، حيث تدخل، اللغة، والفيزياء، والأدبيات، والأساطير، والإدراكات، والجسد، ورأس المال، السلعةً، في مفاعلات دماغ كاتبها، وإن كان الرجوع  إلى "حجر الورد - الفراغ الذي رأى التفاصيل - الضوء الأزرق".  تَّاريخ "ذاكرة النيون". يتباين معه الذاكرة وبمعرفة البرغوثي، السؤال المبتور من كتاباته، إلى كتابة مؤجلة، رحلتها الضوئية، كالنزول  أعلى ، والصعود أسفل، أي عكس المدار، في حفريات اللوغوس، وشذرات حسين البرغوثي؛ في أنظمة الكتابة، وصياغة التفاصيل، أي رؤيتها.
تهيئة الصوت 
في محاولات الكتابة يتعرف الذهن على ما يفتق وعيه، لماهية التحقق والتحقيق لرؤية ما وراء الأساليب الفنية للكتابة، بتشريح "الوضع البشري". كأمر نافذ مُطلق، واَخر أقرب إلى انشطار الذرة المعرفية لأسطورة "المولودَين خارج الزمن". وللزمن الاَخر صوت التنافذ، في مسار تحولات الفلسفة ومسافات الزمكان، فضاءات حسين البرغوثي، ذهنية شاردة، قُطفت مبتورة بفعل المرض، والدم الذي لم يمتلك الوقت، لأطروحة القلم السائل على محبرة متواردة، تنتهج  مسخ الأدوات؛ السؤال مَهزلة، الإجابة نزهة، التشريح إختراع التدوير، الغياب سجن خارج التاريخ، الكون شريط إخباري للخيال، الذهن على صفيح البرهنة، اللغة بلا حدود، الغواية ثقيلة "اللامعقول". والمؤلف على سبيل ما يُفهم من تعريفه؛ يقف موقف طه حسين مع أبي العلاء في سجنه، المُحارب يفتك النقد كفعل الرصافي على باب المعري  ومرايا طه.
في عصر الفزع؛ تواردت أنَوات الروح "للصوت الاَخر". من خاصرة لغة سمحت أن تٌقرأ بالعربية، بعد ثلاثة عقود لأطروحة الدكتوراه، إلى كتاب مفتوح "متاهة سرمدية صنعها الكاتب بنفسه". شغلت لعبة لمتاهات وحكمتها، ذهن مترجم، ومؤلف النص الموازي، في تعريب وتفكيك الكتابة التكعيبية المتحررة، بين الأنا المحولة: حسين البرغوثي، والذات الموازية، والمترجمة: عبدالرحيم الشيخ، يمكن للذهن أن يتمعن ويغرس ما يلذغ جسد  الكلام  وأثره، وإن كانت الكتابة ناطقة ، والكاتب بفعل تيارات الرغبة والتجربة، إن صح التعبير؛ يذهب للغات تعبيرية تنطق، بالحركة، والموسيقى، واعتصار موضوعات الطبيعة، لرفع جثمان الوقت المُجمد إلى جسم التفكيك، والمَفمَهةُ.
النَّصّ موازياً 
في سياق مقدمة الصوت الاَخر، يلمس الدكتور عبدالرحيم الشيخ، كتابة البرغوثي، اللاهثة، ويقول "لأنًها كتابة فلسطينية، واضحة البداية، مشَّتتة الرحلة، مبتورة النهاية، أظهرت فهماً عميقاً لطبيعة المأساة الفلسطينية، في صراعها مع أبشع تجليّات الرأسمالية والإمبريالية العالمية في هيئة الاستعمار الصهيوني، فالفلسطيني اللاهث في زمنه الدائري، يدوّن الأسئلة، وقد لا يري الإجابات إلا بعيون رفاقه الأوفر عمراً". لتتحق القاعدة الرمزية، الكتابة على قدر الوقت لا قدر الوارد. 
إتقان البرغوثي، للغة الفرنسية والإنجليزية والهنغارية، وعزفه على البيانو، وممارسة رياضة الكاراتيه، والأخيرة تستوقف القارىء، للمعلومة النادرة، وربما ترسم صورة تعبيرية، لكاتب يلقح جسمه بالنظر في استئلاف الاَخر، وتأمل ملامح الخصم، لحوار الجسد بالجسد المنفعل، للحظات يتعرق فيها الجِلْد، ويفسر المعنى في خُلد الجسمانية، بقراءة؛ مدن الأساطير، والشعر، والرسومات في أشكالها الجديدة.
استخدم الشيخ، لتحويل أطروحة حسين البرغوثي،  بعض المرجعية الرديفة، منها: "تراجيديات أسخولوس". وأفلاطون "المحاورات الكاملة". وأوفيد "مسخ الكائنات". ترجمة ثروت عكاشة. وجيمس "الغصن الذهبي – دراسة في السحر والدين". إن الكاتب الإبداعي؛ كونه مفهمة تستعصي، الفهم والوعي، لمدى دقة وصعوبة، استيراد وتوليد الأفكار، وإحياء التجارب واستنطاقها، يتجاور الصوت الاَخر، بالنص الكبير "الكيونة والزمان". ومع ذلك لا تتقارب معركة هايدغر، من نطاق مدار ظواهرية البرغوثي.

Poetry
تاريخ "ذاكرة النيون

سؤال الصُّور
تأتي خريطة فهرس الصوت الاَخر، بالفصل الأول "الإلهام". على مسار الأنا الواحدة  والاَلهة، وثنائية هوميرس والمحارب، ولوركا والدويندي، والنبتة المُهلوسة، ويكمل البرغوثي فصله؛ فيضع القارىء، والمترجم، في مسافات ما بين الماوراء، والأنا وضمائرها، لجوهرية غائبة عن العقل، يطرح النَّصّ القاسي؛ متعة ذهنية لتذهن السؤال، بضمير الصوت: الفاعل والمفعول، والتجسيدات الميتافيزيقية للتركيب الكوني، وما ينمو على صفيح الوجود، كالنظريات، والكتابة التاريخية، وجغرافيا الهواء، في هذة الجزئية، بوابة تحطيم شذرات تلقيدية مستحوذة، على المشاعر، والأحاسيس، وفهم المأساة، وما يحدق في فلك الباطن المحجوب بقوة متاهة الإنسان وتغيبه.
المشقة المتواصلة؛ يستمر البرغوثي في استئلافها عبر الفصل الثاني، من كتابه "الوثنيات الكونية" البحث المتوغل لسلخ اللغة والجندرية وتقطيرها، فيقول مثلا: "الأنا، الأنت، الهو، الهي، النَّحن، الهم، الهنَّ". عبر هذه المصفوفات اللغوية،  يدرج البرغوثي، كل انعكاس في جثمان اللغة، ليطوق مجموعة الأزمنة والأمكنة، في صور مراَوية، يتخيلها القارىء سحابة أو سرابا، ولكن يلمسها في كيمياء أبعد، حين يلتصق الخيال مع كل ذات تقيم داخل المرء، ليتكون مفهمة "الجسد أداة إدراك". وهكذا مدارات خبيئة تحتجب وثيقة الذات الواعية والتحول بالمعنى التجريبي للحواس.
التفكيك في دائرة حسين   
من فواعل الكتابة "التشتيتية". تذكير برائعة يصعب تكرارها "تاريخ الشكّ".  يتحدث جينيفر هيكت، من خلال، المترجم: عماد شيحة "أن نكتب شيئاً ونتركه وراءنا، ليس سوى حلم حين نصحو سنعرف، أن أحداّ لن يقرأه، أما هذه فتبدو مقفرة، لكن في البداية فقط العمر الشاسع، قدماً يتدحرج، إن أسلمت له نفسك، ستطفو فوقه، وهذا الشكّ حاذق في بحر الحياة والموت، قارب الغوص مرتاع، يكون ولا يكون، لكن ثُقب القعر، تختفي يكون ولا يكون". ينتهي النَّصّ . 
بالحث والمقاربة، يمارس الكاتب أشكال الاستنارة المبدعة، بالبحث في الماورائيات، يتناول الفصل الثالث "علاقة الذات والموضوع". بتعريف محددات العلاقة، بين الذاتية وانساق الصور الاجتماعية، والاقتصاد كأطار للتاريخ، ليذهب البرغوثي، بتعريف شارح، لمقولة فرويد "إن دافع المجتمع الإنساني في المحصلة النهائية هو دافع اقصادي". 
رحلة طويلة لمسافات عوالم غامضة وبعيدة، من المرئيات الفلسفية، وتفكيك المحاورات المستحيلة، يكون الانتباه، لصانع النّص، ومهندسه، الذي تجاوز مفهوم الكاتب، بالسياق الإجرائي، المترجم بالمعنى الأدبي. 
 وضع الدكتور عبدالرحيم الشيخ، مفردة الصوت الآخر فوق تاريخ الظهور الجديد والقراءة العبقرية لسيرة مسخ الكائنات، وإن كان الفهم يعيق النطق باللغة الجديدة ويحدثها، فنقول هكذا تكلم البرغوثي ما بعد حداثة وترجمة زرادشت، بمقلمة عبدالرحيم الشيخ، من منطلقات الإيمان بالصداقة والوفاء، بصديق غرامه الفكري والإنساني؛ حسين البرغوثي، والتجلي الحر في أدمغة عالم نحاول التقرب منه كلما ابتعد، وعلينا "ألاّ ننسى كل ذلك". كتدوين  أفلاطون،  المعنى السامي للوجود.