الأكاديمي الحبيب الناصري: الصحراء المغربية مكون سينماتوغرافي وثائقي فني

المخرج والناقد المغربي ومدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة يكشف في هذا الحوار أهمية الفيلم الوثائقي في ترسيخ الهوية الثقافية للمملكة.

الرباط - في إطار بلاغ فعاليات الدورة 15 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة بالمملكة المغربية، والذي تنظمه جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، من 18 إلى 21 ديسمبر/كانون الاول 2024، بدعم وتعاون مع المجمع الشريف للفوسفاط، والمركز السينمائي المغربي، وعمالة إقليم خريبكة، والجماعة الحضرية لخريبكة والمديرية الإقليمية لقطاع الثقافة، والمكتبة الوسائطية التابعة للمجمع الشريف للفوسفاط بخريبكة، كان لموقع "ميدل ايست اونلاين"، حوار مع مدير المهرجان الحبيب الناصري حول صورة الصحراء في السينما الوثائقية وفيما يلي نص الحوار:

ما الذي دفعكم لاختيار موضوع "صورة الصحراء في السينما الوثائقية" هذا العام؟ وهل ترون أن هذا الموضوع يعكس اهتمامات المهرجان أو توجهاته الثقافية؟

طبعا كل سنة نختار موضوعا لها صلة بطبيعة اهتمامات الفيلم الوثائقي بشكل خاص، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بالفيلم الوثائقي، إذ من الممكن لعين المخرج أن ترجعه تحفة فنية جذابة وفاعلة في المتلقي، فالصحراء في هذه الحالة تتحول إلى مكون سينماتوغرافي وثائقي ممارس أثره الفني/الجمالي على المتلقي، سواء تعلق الأمر بالصحراء المغربية أو الأسيوية أو الأميركية، وهي موضوع ندوتنا الفكرية لهذه السنة ولا ننسى أهمية وقيمة العديد من الأفلام الوثائقية المغربية التي انشغلت بالصحراء المغربية وقدمتها لنا من زاوية فنية وتاريخية وكشفت عن العديد من أبعادها الثقافية الشعبية والعالمة، وهو ما جعل بعضها يسافر ويحط الرحال في بعض المهرجانات السينمائية الدولية وليفوز ببعض  الجوائز المهمة، وطبعا هذه الندوة ستشارك فيها بعض الأسماء المهتمة بهذا الموضوع،  ولأول مرة ننظم ندوة بتعاون مع غرفة مهنية متخصصة في الموضوع ويتعلق الأمر بفيدرالية مهنيي السينما والسمعي البصري، وطبعا مقاربة هذا الفضاء سيحضر من خلال نماذج عديدة من داخل وخارج المغرب.

كيف ترى تأثير الصحراء كمكان على السينما الوثائقية؟ وهل يمكن أن تعتبرها مصدر إلهام للمخرجين للتركيزعلى قضايا إنسانية وثقافية؟

صحيح هي مكان له جاذبيته ويذكرنا ببعده الشعري والجمالي والثقافي والحضاري، فالصحراء ليس مجرد جغرافيا محدودة في الزمان والمكان، بل هي خطاب بصري وثقافي له إرثه الحضاري والذي من الممكن أن يساهم في تربيتنا بصريا على الذوق/الجمال، وبه نسترجع لحظات حلم ولحظات شاردة لاسيما في ظل عولمة مخيفة وحمالة للعديد من المآسي للبشرية، ففي الصحراء نمارس العديد من أشكال الحلم ومن خلال عين المخرج وعين المتلقي لعين المخرج.

من خلال خبرتك في المهرجانات السابقة، ما هي أبرز العراقيل التي يواجهها المخرجون في تصوير الصحراء في أفلامهم الوثائقية؟

طبعا الصحراء في علاقتها بالوثائقي تجعلنا نسائل طبيعة هذه التحديات، وطبيعة العين التي تقبض على صورة ما في الوثائقي لها صلة بالصحراء، فما هي طبيعة هذه العين؟ تكوينها البصري؟ حلمها وعلاقتها بالصحراء؟ هل هي مجرد مكان للعيش أم الأمر يتجاوز ذلك إلى ما هو نوستالجي وثقافي ومعماري بل إلى ما يمكن أن يصبح بمثابة ذاكرة من الصعب نسيانها والعيش خارجها جسديا أو ثقافيا؟ ثم لابد من ضرورة استحضار صورة الصحراء في العمل الوثائقي هل هي حاضرة في إطار سينمائي أم في إطار تلفزيوني؟ هل هي حاضرة في السينما بعين مخرج يتركها تتحدث عن نفسها دون حوار أم حاضرة في التلفزيون وموجهة للعامة وبالتالي لابد من كلام مصاحب لها لشرح ما تحمله في طياتها؟ فأسئلة عديدة من الممكن طرحها ونحن نكتب عن الصحراء ومن زوايا عديدة، لأن المتلقي أحيانا قد يدفع المخرج إلى اختيار رؤية معينة حول الصحراء.

ما الذي يميز السينما الوثائقية المغربية في تناولها لصورة الصحراء مقارنة بالسينما الوثائقية في باقي البلدان العربية أو الإفريقية؟

أعتقد أن خصوصية الصحراء المغربية محددة في إرثها المعماري والصوفي والشعري والثقافي والحضاري ككل، فهي أرض تنهض على روابط تاريخية وحضارية وروحية، كانت تجمع بين العديد من المكونات المكونة لهذه الأمة المغربية، بل أكثر من هذا فالصحراء وحينما تجد عين مخرج عاشق لهذا الفضاء ومدرك لروحها وأبعادها الثقافية الشعبية والعالمة سيتمكن من أسرنا كمتلقين وجعلنا نعيش داخل حلم له قيمته النفسية والروحية والجمالية ككل، فخصوصية المعمار والشعر الصحراوي بكل مكوناته الغزلية والصوفية، كل هذا من الممكن أن يعطي هوية أو يوضح جزءا من تمغربيت المتعددة والمتنوعة والشبيهة بفسيفساء له ألوان عديدة، لكن قيمة كل لون توجد في علاقته مع لون آخر.

كيف تساهم هذه الدورة من المهرجان في رفع الوعي الثقافي حول الصحراء، سواء من خلال الأفلام المعروضة أو الندوات الفكرية الموازية؟

تم اختيار فيلمين وثائقيين لهما صلة بالصحراء، بالإضافة إلى ندوة متخصصة في الموضوع نفسه، وكل هذا هو من أجل الانخراط في نشر ثقافة بصرية من الممكن أن تساهم في الرفع من منسوب التربية على المكان، كبعد نوستالجي وتاريخي وحضاري، ففي أفق جعلنا نعمق صلتنا بأمكنتنا المغربية والإنسانية ككل، سيما في زمن عولمة رقمية تجعل من شبابنا في كل العالم غير مدركين لقيمة المكان كبعد ثقافي وحضاري وجمالي مسكون بالعديد من الأرواح التي مرت منه.

في رأيك، كيف يمكن للسينما الوثائقية أن تسهم في الحفاظ على ثقافة الصحراء؟ وهل هناك أفلام قد تتناول جوانب مهمة مثل العادات والتقاليد التي قد تكون مهددة بالزوال؟

أهمية الوثائقي بجانب بعده القصصي والإنساني تتحدد أيضا في كونه يعلمنا كيف نتلذذ الصحراء ونبدع كمتلقين أيضا قصصنا على هامش قصصه هو، فهناك أفلام مغربية اشتغلت على الصحراء المغربية وتمكنت أن تصل إلى مستوى فني وبصري جميل ومنافس على جوائز دولية عديدة وبعض هذه الأفلام شاهدتها ليس فقط داخل بعض المهرجانات المغربية، بل أتيحت لي فرصة مشاهدتها خارج المغرب وهنا احسست بقيمتها وبمحليتها وبدبلوماسيتها الثقافية والفنية والتاريخية،

وإنني أعي جيدا قيمة المكان في السينما بشكل عام، وكيف من الممكن أن يساهم في تحقيق تلك المحلية الجميلة والممكن تسميتها بتمغرابيت الدالة والمولدة للعديد من الدلالات، وقد يأتي يوم ما تصبح فيه ذاكرتنا المكانية ليس فقط في المغرب، بل في كل العالم حاضرة فقط في ما تقدمه السينما بشكل عام والوثائقي بشكل خاص، من هنا ضرورة الاهتمام به وتعليمه وتدريسه وتقريبه خصوصا للشباب.

ما هي الأفلام الوثائقية التي ستعرض في هذه الدورة، وهل هناك أفلام خاصة تركز على حياة السكان المحليين في الصحراء؟

تم اختيار عينات مختلفة من الأفلام الوثائقية ومن جغرافيات وثائقية متعددة، تلامس قضايا متعددة ذات بعد اجتماعي وتاريخي وإنساني، فبكل تأكيد هناك فيلمان حاضران لهما صلة بالصحراء، ومن خلالهما سنرحل في جزء من هذه الذاكرة الصحراوية، ونحرص دوما في اختيارنا للأفلام الوثائقية على أساس أن تكون ذات بعد سينمائي، ونبتعد عن الروبوطاج والذي له طبعا قيمته في مجال التلفزيون، ولقد راكمنا تجربة متواضعة في كيفية جعل المتلقي يستمتع بحس سينمائي وثائقي جميل ومساهم في التربية على الصورة السينمائية الوثائقية.

أنت تتحدث عن "التراكمات الثقافية التي أبدعها الإنسان في الصحراء"، هل يمكننا أن نتوقع وجود أفلام وثائقية تحكي بعض القصص الإنسانية ؟ وكيف شكلت هذه التراكمات هوية الإنسان الصحراوي؟

بكل تأكيد، فداخل ما ينتج من أفلام صحراوية مغربية هناك العديد من القصص الإنسانية تروى ومن مواقع مختلفة وقصص قد تتعلق بما  هو أسري أو بما هو قصصي تاريخي مرتبط بطبيعة التحولات التاريخية التي عرفتها قضيتنا الوطنية، أو من خلال بعض القصص الاجتماعية الخاصة بشخوص معينين، أو من خلال قصص مبدعين منتمين للمنطقة وملمين بأسرارها وقصصها العديدة، ومن خلال هذه الأفلام من الممكن القول إننا بصدد تشكيل جزء من هوية الصحراء والمحدد في طبيعة ما يلتقطه بعض المخرجين من مكونات طبيعية وتاريخية وثقافية وحضارية تخص الصحراء كجزء من هوية بصرية مغربية متعددة الأمكنة والدلالات.

هل يمكن أن تعطينا فكرة عن أهمية التعاون بين المهرجان والمؤسسات الأخرى، مثل المركز السينمائي المغربي والجهات المحلية، في إنجاح هذا الحدث؟

من عام 2008 وحينما أسسنا جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي والعديد من المؤسسات العمومية تدعم هذا المهرجان الذي هو اليوم في ملكية المدينة بل هو اليوم جزء من أيقونتها البصرية المعرف بها، أستحضر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي هي الأب الأول لهذا المشروع وبالضبط عام 2009 في دورته الأولى ثم المجمع الشريف للفوسفاط كشريك أساسي والمركز السينما المغربي وعمالة إقليم خريبكة والجماعة الحضرية والعديد من المكونات الترابية  المسيرة للمدينة والإقليم والجهة والتي قدمت لنا العديد من الخدمات المادية واللوجيستيكية، وطبعا لولاها ما تمكنا من الوصول لرقم 15 دون نسيان العديد من وسائل الإعلام المحلية والجهوية والوطنية والدولية التي ترافق المهرجان من بداية نشر بلاغ المشاركة حتى نهاية الدورة، فلكل هؤلاء المحبين للغة الفنون بشكل عام وللغة السينما الوثائقية تقديرنا، خصوصا والمغرب مقبل على تنظيم كأس العالم، ما يفرض علينا أن ن جعل  من السينما الوثائقية، أداة ديبلوماسية للتعريف بمغرب متعدد محب للحياة والفنون ولبقية شعوب هذا العالم.