الأمازيغية.. الوهم والوثنية وتقسيم الشعوب

يجب أن نكون واضحين. الثقافة الأمازيغية هي موروث ثقافي تراثي وهذا شيء رائع والثقافة العربية هي ثقافة الحياة اليومية وهذا أمر واقع. إن فرض هوية امازيغية بعد قرون من الزمن والعودة إلى سالف العهد هدفه الظاهر توحيد الشعب الأمازيغي كما يقولون.

لكن السؤال المطروح هو ضد من يجب توحيد الشعب الأمازيغي؛ مادامت جميع أدبياتهم ومقالاتهم لا تشير إلى خصم أو عدو خارجي، فأكيد هذا التوحيد الموهوم سيكون ضد العرب؛ هذا ما تؤكده أدبيات حراس الهيكل، ففي قاموسهم \"النضالي\" لا تجد سوى تعبيرات تربط العرب بالاستعمار، كما تربط عدم قدرة الموروث الثقافي الأمازيغي على الصمود بما يقولون أنها سياسة التعريب، وفقدان الهوية القديمة يربطونه كذلك بما يزعمون أنه فرض الإسلام على الأمازيغ بالغصب.

لا يتوقف حماة الهوية عن تأكيد حلمهم في توحيد الأمازيغ في شمال أفريقيا وبلاد الكناري، ولأجل هذه الغاية تأسس ما يسمى \"الكونغرس الأمازيغي العالمي\". فهل فعلا يرغبون في توحيد الشعوب الأمازيغية في شمال إفريقيا؟

قبل الجواب على سؤال حول موضوع عظيم كتوحيد شعوب لا يربط بينها أساس أو مشترك حقيقي، علينا أن نتساءل عن سبب رفضهم توحيد الأمازيغية حتى الآن من خلال النموذجين المغربي والجزائري على الرغم من وجود خطوط تشاور وتماس وتنسيق عبر \"الكونغرس الأمازيغي\" وباقي الهيئات المستقرة في المهجر. وأقصد بالنموذجين، إنتاج لغة امازيغية معيارية خاصة بأمازيغ المغرب وأخرى خاصة بامازيغ الجزائر كل منهما لا تشبه الأخرى، سواء من حيث التعبير والمصطلحات أو من حيث الحرف، إذ فيما اعتمد المغرب حرف \"تيفناغ\" اعتمدت الجزائر الحرف اللاتيني. هذا لحدود الساعة، أما غدا إذا قررت تونس وليبيا ومصر وربما موريتانيا أيضا ترسيم الأمازيغية، فانه من المؤكد أن كل قطر من هذه الأقطار سينتج أمازيغية خاصة به من حيث القاموس والتعابير وحتى شكل الحرف، حينها سنجد أمامنا ست تعبيرات أمازيغية، بمعنى ست \"أمازيغيات\" لكل قطر أمازيغيته التي لا تُشبه أمازيغية القطر الآخر.

إن هذه القراءة المختزلة تؤكد أن هدفهم خلق شعبين في كل قطر في الشمال الأفريقي، وطبعا دون السماح بتوحد هذه الشعوب المختلقة في شعب واحد ممتد على شمال أفريقيا على غرار الشعب العربي الممتد على البلاد العربية، وللحيلولة دون توحد هذه الشعوب ضمن شعب أمازيغي واحد، سيتم صناعة تعبيرات (لغات) أمازيغية أخرى لكل شعب من الشعوب الأمازيغية في كل بلد في المنطقة على غرار النموذجين المغربي والجزائري، وذلك لجعلها شعوبا مقسمة لا توحدها لغة واحدة مشتركة حتى يضمنوا بقاءها تحت أيديهم وحتى لا تتمرد على التبعية فيما بعد.

فبدل أن يكون في الجزائر شعب جزائري سيكون شعبين أمازيغي وعربي، ونفس الشيء بالنسبة للمغرب وباقي أقطار الشمال الأفريقي؛ هذا لأن هذه الأقطار حكم عليها بالتبعية الأبدية لغويا وثقافيا وحتى سياسيا ولأجل تنفيذ تلك الغاية صنع الاستعمار الفرنسي \"قومية\" فرانكفونية (مفرنسة) داخل ما يعتبرها ملحقات أبدية له.

إن فكرة توحيد الأقليات الأمازيغية المنتشرة في منطقة شمال أفريقيا، هي فكرة خالية من الحس الإنساني لأنها انتهاك لخصوصيات كل قومية من القوميات الأمازيغية. فالأمازيغ لم يكونوا عبر التاريخ شعبا موحدا وإنما عاشوا ككيانات لكل كيان خصوصياته ولغته الشفهية وتقاليده بل حتى بنيته الجسمية الخاصة، وبمقارنة بسيطة في المغرب بين أمازيغ سوس مثلا بأمازيغ الريف سنلحظ ذلك الاختلاف الجلي بين القوميتين في البنية الجسمية والبشرة وحتى في طريقة الكلام والتعبير، حيث أن مصطلح أمازيغ ليس اسما أصليا لتلك الشعوب وإنما اسم أطلق عليهم مثلما أطلق الرومان اسم \"البربر\" للدلالة على الاختلاف معهم وليس للدلالة على أنهم شعب موحد. فالأكراد مثلا، ورغم توزع أراضي تواجدهم بين عدة بلدان عربية وغير عربية غير أن لهم لغة موحدة تميزهم عن باقي القوميات كالتركمان أو السريان مثلا، وهو ما لا يتوفر في القوميات الأمازيغية التي لا توحدها لغة أو ثقافة محددة.

وبالتالي فتوحيد هذه القوميات هو تذويب وصهر لثقافات قديمة بلهجاتها المتعددة وتقاليدها المتنوعة الغنية. كما أن هذا التوحيد المنتظر والقائم على أساس الهوية والعرق من شأنه خلق انقسام داخل هذه البلدان وبدلا من أن تستكمل شعوبها ما طمحت إليه منذ استقلالها، وهو بناء الدولة الوطنية القائمة على مبدأ المواطن والمواطنة، فإننا سنجد أنفسنا أمام معادلة طائفية عرقية خطيرة تتناقض مع مبدأ المواطنة، فمثلا بدل أن نتحدث عن شعب المغرب سنجد أمامنا شعب الأمازيغ وشعب العرب، ومن تم العودة إلى ما جاء في الظهير البربري الذي أراد به الانتداب الفرنسي خلق شعبين في بلد واحد، أحدهما يكون دينه الإسلام ولغته العربية والثاني المسيحية واللغة الفرنسية وهو المخطط الذي نسفه حينها الإجماع المغربي القائم على الأخوّة، بأمازيغه وعربه.

ترويج مزاعم الاضطهاد هدفه الاستجداء

المغرب مثلا كنموذج، وبما أننا نعيش فيه فإننا نعرف جيدا أن البلاد ورغم غياب برامج تنمية مناطقية جيدة وهو ما ينسحب على باقي البلدان النامية في العالم، غير أن ما يتم الترويج له من مزاعم حول سياسات اضطهاد ضد الأمازيغ هو محض افتراء وكذب، وقد شاهدت أحد العرقيين على قناة فرنسية يدعي زورا وبهتانا تعرض أمازيغ المغرب لاضطهاد ممنهج.

المعنى الحرفي للاضطهاد، هو اتباع الدولة سياسة ممنهجة تحظر من خلالها على قومية معينة جملة من الحقوق، كالانتساب إلى مجموعة من الوظائف الحساسة أو ولوج معاهد أو تخصصات بعينها أو الارتقاء إلى مناصب مسئولية حتى ولو كانت على المستوى المحلي أو كل ما يُمكّنها من الإسهام في صناعة القرارات أو الإثراء المالي، وهو الوضع الذي يستحيل وجوده في الغرب بدليل أن إخواننا من أهل سوس راكموا ثروات شأنهم في ذلك كباقي الأمازيغ وهم يشاركون في الانتخابات ويرتقون أعلى وأهم الوظائف حتى تلك الأشد حساسية فنجدهم في مؤسسة الجيش وفي الديوان الملكي وفي المؤسسات الأمنية بما فيها المخابرات كما أن رئيس الحكومة ووزير الزراعة هما أيضا من الأمازيغ.

بعد أن دحضنا مزاعم وافتراءات الاضطهاد التي يستجدي بها بعض فاشلي النضال ممن ينشطون في مجال الأمازيغية، نعرج باختصار على موضوع ما يسمى إعلاميا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أو ما تم الترويج له تحت مسمى \"القضية الأمازيغية\".

في هذا الشأن أقول لا وجود لشيء اسمه \"قضية أمازيغية\" ولا يمكن تسمية هذه المطالب الأيديولوجية بالقضية، وشخصيا أفضل تعبير \"المسألة الأمازيغية\" كونها موضوعا مطروحا للنقاش ولا ترتقي إلى مستوى قضية. إن عناصر القضية لا تتوفر بتاتا في مطالب هذه الحركة، حيث ورغم أنها تأسست منذ نحو نصف قرن غير أنها لم تستطع خلق امتداد شعبي لها ومطالبها العرقية لا تحظى بأي شعبية وتبقى ذات بعد أديولوجي ليس لها أي امتداد شعبي بدليل أن هذه المطالب لا تتجاوز العاصمة الرباط حيث دأبت هذه التنظيمات على تنظيم مسيرة سنوية يتم الإعداد لها طوال أشهر لتتوج ببضعة مئات لا تتجاوز الألفين شخص وهو العدد الذي قد يخرجه أصغر حزب أو جمعية حقوقية في المغرب.. إن هذه المطالب لا نرى لها أثرا في باقي المدن وتلك الأعلام التي ترفع لا يعرف بها عموم الأمازيغ كما أن أصوات هذا التيار الذي يحاول تسويق نفسه كممثل للأمازيغ ليس له أي صدى وسط الأمازيغ.

هذا التيار المحدود يستعمل تعبيرات غاية في الغرابة إن لم نقل الحماقة، فهم يصرون على استخدام عبارة أن المغرب ليس بلدا عربيا وكذلك باقي الأقطار المغاربية ومصر، في مقابل ذلك يدعون إلى فرض هوية امازيغية. ونتساءل ما هي هذه الهوية الأمازيغية التي يريدون فرضها على بلد عربي إسلامي بمكوناته التراثية الأمازيغية والحسانية... إن هذه الهوية التي مضى عليها أكثر من 1400 عام لم تعد هوية قائمة بمعناها الآني والمعاصر وهي في عصرنا هذا تمثل تراثا يعكس ماضي وتاريخ هذا البلد وبالتالي لا يمكن فرض هوية تراثية على واقع وحياة معاصرة. فبعد أن استفاق الهوياتيين أو العرقيين بعد قرون هاهم يطالبون باستعادة تلك الحياة التي كانت سائدة قبل دخول الحضارة العربية الإسلامية وفرضها على مجتمع بكامله، وما طبيعة وشكل هذه الهوية، فالحياة الأمازيغية التي كانت سائدة في ذلك العصر، كأي حضارة قديمة كانت قائمة على العقيدة والإيمان بالغيبيات، وقد ارتكزت هذه العقيدة على عبادات تتخذ من الأوثان آلهة، وهنا نطرح السؤال: هل حراس الهيكل الجدد الذين لا يخفون معارضتهم للإسلام والذين يروجون بأن الإسلام دين المستعمر العربي وبأنه مفروض على الأمازيغ، هل يحلمون بعودة المظاهر الوثنية والبدائية التي لفظها أصحابها بعد ما وجدوه من نور في الإسلام الذي دخل هذه البقعة بدخول العرب.

ففرض هوية تراثية على الحياة العامة في هذا العصر، أي عصر الآيفون وثورة التواصل والتكنولوجيا، من سابع المستحيلات، إذ انه لم يعد يخفى أنهم يردون إعادة فرض تلك المظاهر البدائية التي سادت خلال ذلك العصر البائد وهي الوثنية المتعارضة مع روح العصر ومنطقه.

إن عدد الأمازيغ في المغرب هو سبعة مليون من مجموع سكان البلاد البالغ 34 مليونا، وهذا نتيجة إحصاء جند له جيش من كوادر ومهندسي إحصاء وموظفين وهو الإحصاء المهني المعياري الوحيد الذي يمكن استعماله كمرجع سواء اعترف به حراس الهيكل أو رفضوا فذلك شأنهم، لذلك فان مسألة توحيد الشعب الأمازيغي لن يكون لها أي نفع سوى خلق انقسام بل انقسامات داخل هذه الأقطار وخلق حالة التعصب العرقي الأعمى.

لنتحدث بموضوعية بعيدا عن التأثير العاطفي، فأكاديميا تصنف الثقافة الأمازيغية، باعتبارها واحدة من ثقافات الشعوب القديمة، كثقافة تراثية تتشكل من قسمين، هما التراث المادي وهو كل ما يتعلق بالصناعة التقليدية ثم التراث غير المادي وهو كل ما هو تعبير شفهي (الفنون الشعبية كأحيدوس وأحوزار والزجل...) وبالتالي فان أنسب وسيلة للحفاظ على هذه الثقافة هي إنشاء مراكز ثقافية مختصة يشرف عليها مختصون في الثقافات القديمة على رأس كل جهة من جهات المملكة في المناطق الأمازيغية تحفظ جميع أشكال هذا التراث سواء ما هو مادي أو شفهي من خلال توفر هذه المراكز على متاحف للتراث الملموس وبرامج تثقيفية تسهر على إنتاج كتب وتنظيم محاضرات وعروض وتقدم شروحات حول اللهجات الأمازيغية وثقافاتها هذا أفضل بكثير من فرض تعبير (لغة) مفبركة تغلب عليها اللهجة السوسية لن تكون لها أي فائدة على الموروث الأمازيغي، فحتى لو تم تطبيقها في الإدارة أو في التعليم رغم استحالة ذلك عمليا، فماذا سيستفيد الأمازيغ في أرض الواقع من هذا التعبير اللغوي الدخيل والجديد على حياتهم.