الأمم المتحدة وصياغة نظام لبنان

ثمة إشارات تتصل بإعادة صياغة عقد سياسي اجتماعي يلبي طموحات اللبنانيين.
لبنان اليوم بحاجة ماسة لحوار جدي وجديد لإعادة تركيب وترتيب النظام والسلطة
الأكثر الحاحا اليوم هو تحديد موقع لبنان ووظيفته ودوره في منطقة هي الأشد حساسية في العالم

تزامنت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الى لبنان، مع العديد من المؤشرات والوقائع التي تتقاطع مع وقائع ومعطيات إقليمية ودولية تعطي دفعا نوعيا لكيفية الاسهام في حل الازمة اللبنانية وطرق ووسائل التدخل بشكل فعال فيها.

وبشكل هام لا يخصص الأمين العام للأمم المتحدة زيارة خاصة لدولة او منطقة محددة بعيمها، الا اذ كانت طبيعة المهمة او الزيارة لها صلة بأزمة تهدد الامن والسلم الدوليين، ومن هذا المنطلق، ربما تجمعت معطيات محددة دفعت بالأمين العام وطبعا بالقوى الكبرى لرسم مسار تحرك لزيارته لبنان.

المؤشر الاول زيارة الموفد الأميركي الخاص بالمفاوضات اللبنانية الاسرائيلية المتصلة بترسيم الحدود البحرية، والمؤشر الثاني انسداد الأفق السياسي في الداخل اللبناني وتأزم الأمور وسط انكفاء وعدم قدرة الأطراف الدولية التقليدية التدخل لتحريك مشاريع حلول في لبنان، علاوة على استمرار ربط الوضع اللبناني بمفاوضات الملف النووي الإيراني، إضافة الى ظهور مطالبات عديدة وواضحة ومباشرة لطلب تدخل الأمم المتحدة بالأزمة اللبنانية.

ان تتبع لقاءات الأمين العام مع المسؤولين اللبنانيين والتدقيق في تصريحاته تؤشر الى سياقات تشي بدور ما للأمم المتحدة لاحقا، لاسيما ما يتعلق بالانتخابات النيابية المزمع اجرائها في الربيع القادم إضافة ما سيستتبعها في حال حصولها من انتخابات رئاسية، ما يعني ان ثمة نية ما ستضع الأمم المتحدة في صلب المشاريع اللبنانية لاحقا.

ان التدقيق في وسائل عمل الأمم المتحدة في العقدين الماضيين، يظهر تثبيت اعراف وقواعد جدية اعتمدتها ومضت فيها في العديد من الدول، لجهة المساعدة في اجراء عمليات الانتخاب وإعادة تكوين السلطة وصولا الى الاسهام في إيجاد صيغ سياسية اجتماعية عقدية للنظم السياسية المستهدفة، وتمكنت في الكثير من الحالات من انجاز ملفات معقدة، توصلت من خلالها الى بناء نظم سياسية مستقرة بعد عقود من عدم الاستقرار والغرق في حروب داخلية بمظاهر عنفية قاسية.، كمثال تيمور الشرقية وهاييتي وغيرهما.

وفي لبنان، ثمة إشارات واضحة ادلى بها الأمين العام غوتيريش لجهة إمكانية مساعدة لبنان على إعادة صياغة النظام بعد الانتخابات المقررة، لاسيما وان ثمة إشارات أخرى تتصل بإعادة صياغة عقد سياسي اجتماعي يلبي طموحات اللبنانيين، بعد اكثر من ثلاثة عقود من تعثر تطبيق اتفاق الطائف، الذي تم التوصل اليه بعد حروب داخلية طاحنة بمشاركة اممية ودولية وعربية قادتها المملكة العربية السعودية آنذاك.

ويبدو ان لبنان اليوم بحاجة ماسة لحوار جدي وجديد لإعادة تركيب وترتيب النظام والسلطة بعد متغيرات كثيرة حصلت وتبين حجم الثغر والمتغيرات التي تستدعي إعادة النظر في التركيبة السياسية القائمة. ثمة اليوم حقائق ووقائع نثبت حالة الاهتراء والتحلل التي وصل اليها لبنان، وهو مؤشر واضح أيضا على خطورة المس بالكيانية اللبنانية التي أنجزت على عجل قبل مئة عام والتي تحتاج اليوم الى إعادة نظر دقيقة قبل فوات الأوان.

ربما الأكثر الحاحا كما يبدو اليوم، تحديد موقع لبنان ووظيفته ودوره في منطقة هي الأشد حساسية في العالم، والأكثر استعدادا للتغير والتبدل، في وقت لم تعد اسس النظام القائم موجودة او مطبقة وبخاصة في السياسات الخارجية علاوة على الداخلية. لقد حدد اتفاق الطائف الذي تم على أساسه التعديلات الدستورية، المتصلة بهويته ودوره، من ذي وجه عربي، الى عربي الهوية، فيما قسم من اللبنانيين يعتبرون ان ثمة خروجا كبيرا على السياسات المتفق عليها والتي تستدعي اعادة تقييم وتقويم.

السؤال هو هل سيكون للأمم المتحدة دور مؤثر ومفترض لاحقا في نسج حلول للأزمة اللبنانية؟ كان للأمم المتحدة أدوار لافتة في العديد من الأزمات الدولية ذات الطابع الداخلي الممتد، فهل ستعطى هذا الدور لأزمة تعتبر من اشد الأزمات الإقليمية المعقدة والممتدة، الامور مرهومة برضى وشروط الدول الكبرى المؤثرة في سير عمل الأمم المتحدة أصلا وفصلا، في وقت لا زال شعب لبنان يبحث عن المعجزات لحل ازمته.