الأوغاد

مرة أخرى تثبت الأحداث أن السعودية لم تذهب طوعا للحرب في اليمن.

إنهم يستهدفون أهم المنشآت الحيوية في السعودية بطائرات مسيرة، وهم بذلك يلحقون ضررا بالغا ليس فقط بالسعودية، بل بكل الدول العربية، وبعد ذلك يستاء العرب من السعودية وينتقدونها على حربها في اليمن، وكأنها ذهبت طوعا الى الحرب للتنمر على جيرانها وليس لأن ايران دفعت بالحوثيين الى الانقلاب لكي تبسط هيمنتها على دولة عربية أخرى، وتلتف على الدول العربية الواحدة بعد الأخرى. وهذه هي هدية الولايات المتحدة الى إسرائيل التي وجدت المناخ ملائما لكي تلتهم المزيد من الأراضي العربية. وهذه هي نتائج أخطاء تراكمية نابعة عن تمرد فئة من العرب على السعودية والسعي لتحطيم نفوذها بحجة المقاومة ضد معسكر السلام، فانتهزت ايران الفرصة لتركب موجة المقاومة وتحظى بجماهيرية بين العرب. وعليه، فقد جاءت الفرصة الذهبية لإسرائيل. فالعرب منشغلون بحروب بين بعضهم البعض والفرصة سانحة للتمدد. وهذه هي النتيجة، الحوثيون يقصفون السعودية واسرائيل تلتهم أراض عربية، وقد جنا العرب على أنفسهم ووقفوا بين أمرين أحلاهما مر.

إن القادم لا يبشر بخير، فإسرائيل تتأهب للهجوم على غزة لوضع حد نهائي لصواريخها، والحوثيون يضربون السعودية، ولا أحد يعرف على وجه الدقة ما هو القادم، فدول الخليج مهددة من ايران والأراضي العربية المحتلة سوف تضمها اسرائيل وتلحقها بها، والأحداث تتسارع، وكل يوم هناك حدث جديد، بل أن البعض ذهبوا الى أن مملكة الجبل الأصفر خلقت لإجلاء اللاجئين الفلسطينيين اليها، كوطن بديل لفلسطين، ومن جانب آخر، تصاعدت حدة هجمات الحوثيين على السعودية وأصبحت أكثر دقة وفعالية، وقد أقال ترامب مستشاره الأمني جون بولتون لأن ترامب لا يريد حسما عسكريا، بل يسعى لابتزاز المزيد من المال من دول الخليج، وكلما تأزم الموقف، كلما كان ربحه أكبر.

لا بد من إنقاذ الموقف لأنه ليس لصالح أحد من العرب، لا معسكر سلام ولا معسكر مقاومة. وها هي ايران تقصف شرق المنطقة العربية واسرائيل تلتهم المزيد من أراضي العرب، واذا لم يتنازل أطراف الصراع العربي-العربي عن بعض مطالبهم، فغدا سيتنازلون عن كل شيء. ومن لديه أمل بحدوث مواجهة اسرائيلية-ايرانية بحيث يستنزفان بعضهما وينهكان بعضهما كما حدث في الحرب الايرانية-العراقية، فهو واهم، والمواجهة لن تحدث، بل سيبقى الحال على ما هو اليوم، وهي حالة من التوازن الاستراتيجي بين ايران واسرائيل بينما العرب يتحاربون فيما بينهم ويخسرون حتى لا يظل لديهم ما يخسرونه.

إن مصر هي الدولة المؤهلة للمبادرة بجمع الأطراف العربية المتناحرة للتوفيق بينهم واقناعهم بخطورة ما يفعلونه وضرورة القبول بحلول وسط تجنبهم الحروب والوقوع في تبعية دائمة للقوى الخارجية، ولا بد من تخصيص صندوق لإعادة البناء في اليمن وسوريا، وكلما كانت الإغاثة أسرع، كلما زاد الاحتمال بالتوصل الى اتفاق، فالسعودية ليست ضد مقاومة ولا ضد شيعة، وكل ما تريده هو عدم توغل ايران في البلدان العربية لأنها دولة امبريالية منذ فجر التاريخ، وهذا مطلب شرعي وعادل، وليس تحقيقه مستحيلا، وكل ما يلزم العرب هو ألا يضحوا ببعضهم البعض لنصرة الأعداء، وبعد ذلك، تصبح بقية الأمور إجرائية وليس من الصعب تحقيقها.