العزف على وتر الأديان

كم أخطأ عمران خان بالاحتماء في عباءة الأديان عند شعب خاض ثلاثة حروب مذلة مع الهند الديمقراطية والعلمانية.
ايران نوّمت فئة من شعبها مغناطيسيا ومن رفض أن ينام عليه ان يهاجر
ملايين الأوروبيين ماتوا قبل أن يصبحوا أسياد أنفسهم ولا أحد يخدعهم وينهب ثرواتهم باسم الدين

عمران خان رجل يحبه العرب لأنه مسلم ولأنه يناصر القضية الفلسطينية ولأن زوجته محافظة ونادرة الظهور. ولكن في النهاية قال الشعب الباكستاني كلمته، فقد فشل في تحسين الاقتصاد. ومعظم الباكستانيين متعلمون وواسعو الاطلاع ولا تنطلي عليهم لعبة العزف على وتر الأديان، ولو كان لدى الشعوب سعة اطلاع واعتزاز بالنفس، لأطاحوا بكل الزعماء الفاشلين. لكن هناك سؤال محير وهو أن الشعب الإيراني يشبه الشعب الباكستاني من حيث التعليم وسعة الاطلاع فلماذا لا يطيحون بنظام الحكم لديهم وقد أفقرهم؟

هناك الكثير من النظريات التي تفسر الانقياد الأعمى للأفكار الهدامة ممن تحدثوا عن "روح الجمهور" مثل الفرنسي غوستاف لوبون والسويسري كارل يونع والألماني كارل ماركس وغيرهم من مفكري أوروبا ممن أرسوا دعائم المجتمع الحر الذي لا ينقاد لرجال الدين، ومعيارهم الأساسي هو المائدة، هل هي عامرة أم قاحلة؟ ويضحكون ملء أشداقهم على من يعدهم بالجنة في الآخرة وإقناعهم بعدم المطالبة بحقوقهم طالما أن الحياة الدنيا وهم وليست هي الحقيقة المطلقة. فهم لا يهتمون بالغيب كما يهتمون بالواقع، ويريدون أن يستمتعوا برحلة الحياة بصرف النظر عن الميتافيزيقيا وما وراء الحياة، وكم أخطأ عمران خان بالاحتماء في عباءة الأديان عند شعب خاض ثلاثة حروب مذلة مع الهند الديمقراطية والعلمانية وتمكن من صنع قنبلة ذرية فيما كان خان يعيش أمجاد الكريكيت في بريطانيا.

عندما تتمكن الشعوب من فرض إرادتها، فقد وقفت على بداية طريق التقدم والرفاه، وطالما أنها خانعة أمام رجال الدين فسوف تجوع وتتراجع وتصبح مهزلة الشعوب والكل يخدعها ويسلبها ثرواتها، ومشكلة ايران هي أنها نومت فئة من شعبها مغناطيسيا ومن رفض أن ينام هاجر وإلا فإن المشانق بانتظاره وهي ليست كالمشانق التي نعرفها بل رافعات تقوم برفع المحكوم عليه من الأسفل الى أعلى وتقول بعض المصادر أنها مؤلمة أضعاف الشنق الذي يسقط المحكوم من أعلى الى أسفل بلمح البصر، فيموت في بضعة دقائق. ومع ذلك، فقد صرح وزير خارجية قطر الأسبق الشيخ حمد بن جاسم أن ايران تتدخل في شؤون الشعوب المجاورة لأنها دول فاشلة، فهل يفهم من ذلك أنه اذا حققت الدول المجاورة التقدم فسوف تتركها ايران وشأنها؟ هذا تفسير غير واقعي فإيران هدفها ديني ولا تهتم بالتنمية وحالة شعبها أكبر دليل على ذلك، إنها لا تهتم بالدنيا بل تهتم بالدين والتشيع ولا يهمها شيء آخر.

ليس هناك دولة واحدة تفرض الحكم الديني وهي متقدمة، بل أن جميع الدول المتقدمة علمانية وتحترم الحريات الفردية ولا تفرض السلوك الديني رغما عن أنف الشعوب. وما يسمى بإسرائيل أبرز مثال على التقدم، والفلسطينيون أبرز مثال على ذبح قضيتهم بسبب العزف على وتر الدين والانقسام الذي أعقبه، بحيث وقفت القضية في وسط الطريق غير قادرة على المتابعة بعد التشرذم الذي منيت به بل أنها جمدت نضالها خوفا من تحرير فلسطين والوقوع في أتون حرب أهلية طاحنة. أما لبنان، فقد تجمعت فيه كل الشرور والعراق لا يدري أين يذهب نفطه وفيمَ يصرف ريعه، وهذا اذا لم نذكر الشعوب التي يتولى أمرها أحفاد الرسول.

لقد آن لأوان للشعوب العربية أن تصحو وتترك العزف على وتر الأديان الذي دمرهم ودمر اقتصادهم وقضى على الأمن، فروح الجمهور ليست بالأمر العصي على التغيير، وإن كان يتطلب تضحيات جسام، ولكن هذه هي طبيعة الحياة، وقد مات ملايين الأوروبيين قبل أن يصبحوا أسياد أنفسهم ولا يستطيع أحد أن يخدعهم وينهب ثرواتهم وهو مختبئ في عباءة الأديان.