الإبداع الصيني في ثلاث مجموعات قصصية 

ما جيان فو، وباي ليان، ويه شنغ فو، يقدمون ثلاث مجموعات قصصية مختلفة الرؤى والأسلوب والأفكار.
مجموعة "عقيدتي والآخر" تعالج حضور الآخر المختلف في العقيدة والهوية ومدى تفاعله وتواصله مع المجتمع الصيني ورؤيته للعادات والتقاليد
البعض يقول إن هناك ثلاثة أنواع من الأشخاص في العالم لا يبكون وهم: الميت، واليائس، ومن جفَّ محجر عينه

يقدم القصاصون الصينيون: ما جيان فو، وباي ليان، يه شنغ فو، ثلاث مجموعات قصصية ضمن سلسلة إبداعات صينية التي تصدر عن دار بيت الحكمة للثقافة والإعلام، مختلفة الرؤى والأسلوب والأفكار، حيث تأتي مجموعة "عقيدتي والآخر" لـ "ما جيان فو" لتعالج حضور الآخر المختلف في العقيدة والهوية ومدى تفاعله وتواصله مع المجتمع الصيني ورؤيته للعادات والتقاليد. أما مجموعة "مجد الصحراء" لـ "باي ليان" فتتناول قصصها قضايا إنسانية بالغة الثراء كاشفة عن براعة كاتبها في التقاط صراع الحياة، وكذا الأمر في مجموعة "تحت غبار الشمس" لـ " يه شنغ فو" حيث يتجلى الجمال والحكمة في حياة الإنسان. 
وقد انعكس تاريخ كل من القصاصين الثلاثة مع الكتابة على أسلوب كل منهم، فجاء نسيج كل من باي ليان ويه شنغ فو ثريا وبعيدا عن المباشرة والتقريرية، في حين جاء نسيج ما جيان فو مباشرا تقريريا. 
عقيدتي والآخر
ما جيان فو هو أحد أبناء قومية هوي، مسقط رأسه محافظة هاييوان بنينغشيا، حاصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، ويعمل حاليًا في معهد دراسات قومية هوي بجامعة القوميات بشمال الصين، ويعمل في دراسة مجتمع قومية هوي وثقافتها. في عام 2004 بدأ العمل في دراسة علم الإنسان الثقافي، وأثناء بحثه الميداني تأثر بتخصصه، وأحب كتابة الخواطر النثرية، ومنذ ذلك الحين لم يعرف الكلل أو الملل؛ فقد نشر خواطر نثرية، ونقدًا وتعريفًا لكتب في "بحوث تعليم القوميات"، "بحوث القوميات في الشمال الغربي"، "القرن الحادي والعشرين"، "مسلمو الصين"، "أدب قومية هوي"، "مينغ باو"، "ون هوي باو"، "جريدة الأمة"، وغيرها من الصحف والمجلات، وكان مهتمًّا لفترات طويلة بقاع المجتمع، وكانت يعتبر "سرد قصص عامة الشعب الشخصية" مهمته، وتهدف القصص إلى توريث الثقافة، وسرد حياة الشعب اليومية.  

تهدف القصص إلى توريث الثقافة
سرد حياة الشعب اليومية

نموذج من قصة "انطفاء المصباح السحري"
عند دخول القاعة الرئيسة، تجد الكراسي الخشبية في نهاية القاعة تشبه دروع الحرب القديمة، مرتبة في صفوف، وثابتة في مكانها لم تتحرك بمرور السنين. لقد أصبح الجنرالات المتقدمون في السن كشمعة في مهب الريح مع مرور الزمن والتقدم في السن، منهم مَن سقط من فوق حصانه قبل المعركة، ومنهم من ذهب لإكمال مهمته الأكثر مهابة، حتى توافيه المنية. إن الحياة ساحة معارك، كاملة بلا عيب، ولو جاءت أيام أفضل، فهي إذن كمال فوق كمال.
لقد رحل صديقي بهذه الطريقة، يعلم الناس متى يولد المرء، لكن لا أحد يعلم متى سيموت، وبغض النظر عن السن، كبيرًا كان أم صغيرًا، حالما يحين أجل المرء، فجميع ما يفعله سيكون بلا جدوى. إن صداقة الأجيال تعني أن هناك فارقًا كبيرًا بيننا في السن، ولكن هناك لغة مشتركة فيما بيننا، ولا يخفي أحدنا عن الآخر شيئًا، ونعبر بحرية عما في صدرينا. هذا الصديق الذي أعرفه، ولكن تواصلنا لمدة ستة أشهر فقط جعلَنا نشعر بشعور مختلف. 
إن اسمه ذو علاقة وثيقة بالمصباح السحري، اسمه علاء الدين. هذا اسم عائلته، وإذا نظرنا لصلة الاسم من جهة الوالد، فمن المفترض أن يكون هذا اسم والده. ولكن اسمه هو يعقوب، وفي كل مرة أراه فيها، يلقي أحدنا على الآخر التحية، ونتصافح بالأيدي ونتعانق، وأدعوه بهدوء المصباح السحري أتمنى أنك بخير، فيبتسم ابتسامة عريضة، ويمد يده ويربت على كتفي مرات عدة، ويتقبل تلك التسمية القريبة من السخرية بكل سعادة. فالمصباح السحري هو في الواقع شخصية موسوعية.
مجد الصحراء
باي ليان من قومية هوي، واسمه الأصلي تشن قانغ. ولد عام 1929 في منطقة ييلي بشينجيانغ. من أشهر رواياته "نهر ييلي الهادئ"، ومن السيناريوهات الأدبية للأفلام "عبور الحصان البري"، ومن مجموعات القصص القصيرة والمتوسطة «الفوانيا السوداء - الفوانيا البيضاء"، ومن القصص المتوسطة "سلوكيات العائلة الكبيرة" و"صحوة" و"عمارة الطاووس" و"الفراشة الطائرة" وغيرها. وهو عضو برابطة الكتاب الصينيين.
من أجواء قصة "أرواح هائمة"
إن وادي جبال الذهب هو في الأصل أرض مقدسة لغسل تراب الذهب. ولكن تلك الخيام الغفيرة المتراصة لآلاف المنقبين عن الذهب الذين كانوا يموجون بالحركة والنشاط، كانت تجذب دائمًا غارات الضباط المفاجئة وسطو قطاع الطرق، بالإضافة إلى سلب ونهب طغاة المنجم، فكان مكانًا غير آمن بالمرة. 
إن البائع المتجول آشينابولي قد أخبر مدير المخزن أن هناك منجم ذهب صغيرًا في الصحراء الكبرى، وأنه آمن تمامًا، ولكنه فقط مقفر وناءٍ جدًّا، وأن الجبناء من الناس لا يجرؤون على الذهاب إلى هناك لاستخراج الذهب. تحمس مدير المخزن بسماع ذلك للغاية، وعزم أن يجرب حظه، وترك أرض النزاعات هذه. وأجرى اتصالات مع جهات متعددة، ولكنَّ المنقبين عن الذهب لم يشعروا بأي حماسة تجاه الأمر، ولم يؤثر هذا الأمر إلا في نفس نان مانزي صاحب الجيب الفارغ والقلب الكسير و"ووبروس" الماهر في غسل الذهب. إلا أن نان مانزي طلب أن يحضر زوجته الصغيرة ديزي معه، وأن يعطيها أيضًا حصة من الذهب. كان ووبروس شخصًا يقوم بواجبه على أكمل وجه، فلم يكن يمس ما ليس له، ولم يكن ينتقص جزءًا مما هو حقه، فلم يجد مشكلة في طلب حصة إضافية فقط من الذهب، ووافق مدير المخزن أيضًا بلا تحفظ.

لم تكن الصحراء الكبيرة مقفرة ونائية فحسب، ولكن كان هناك دخان أزرق ينبعث من أرض ليست ببعيدة، وكان الغبار والدخان يتطاير من حين إلى آخر ليغص به الناس. كان ذلك حقل فحم يحترق، فكان خطيرًا بما فيه الكفاية، ولكن مَن يستخرجون الذهب لم يهتموا بهذا الأمر ما داموا يستطيعون استخراج الكثير من الذهب. ولذلك نُصبت خيمة بالية على ضفة النهر الصغير بوادي الرمال، وشُيد بجانبها قدر كبير. وكانت هناك قطعة من الخيش معلقة داخل الخيمة كحائط يفسح مكانًا لنان مانزي وديزي. 
غبار تحت الشمس
المؤلف "يه شنغ فو" ينتمي إلى قومية هوي، واسمه الأدبي "سو فو"، من محافظة داتونغ التابعة لمقاطعة تشينغهاي، وُلد عام 1977، وعمل من قبلُ مدرسًا ومحررًا وسكرتيرًا، وكان عضوًا دائمًا بجمعية كُتاب مدينة شينينغ، وعضوًا بجمعية كُتاب تشينغهاي. بدأ إبداعه الأدبي عام 2000، وكانت أعماله الأساسية تركز على القصص القصيرة والنثر. ومن قصصه القصيرة: "اليوم الباقي" و"ذرات الغبار تحت أشعة الشمس"، ونُشر له كتاب نثري "ذكريات الشاي الأخضر" عام 2011 في العدد الخامس من مجلة "مختارات نثرية"، كما نُشر له كتاب أدب وثائقي "عاصفة البحر الغربي"، والسلسلة الثقافية "داتونغ الجميلة". 
وحصل كتابه "ذرات الغبار تحت أشعة الشمس" على جائزة بحيرة تشينغهاي للأدب عام 2012، وحصل كتابه "ذكريات الشاي بمنطقة خهوانغ" على جائزة المركز الأول بمسابقة "العالم الجميل" التابعة لمجلة مختارات نثرية، وحصل كتاب "خه تشو داخل أكلة جيانغ شويميان" على جائزة المركز الأول في مسابقة "لينشيا الساحرة" عام 2014، كما حصل كتاب "الجنة تحت أقدام الأمهات" على جائزة الفن والأدب لحكومة تشينغهاي في الدورة السابعة.
من أجواء قصة "أشواك الصبار"
يقول البعض إن هناك ثلاثة أنواع من الأشخاص في العالم لا يبكون وهم: الميت، واليائس، ومن جفَّ محجر عينه. وخلال هذه السنوات العديدة لم أبكِ يومًا، ولا أعرف إلى أي نوع أنتمي.

لم يشعروا بأي حماسة تجاه الأمر
دائما يسير الناس على عجالة

وفي الوقت الحالي تمر أقدام ناس عديدة أمام عيني محدثة أصواتًا، كل ما أراه هو أحذيتهم، أحذية بشتى أنواعها وأشكالها. أحب أن أرى تلك الأحذية؛ لأن الإنسان عندما يُخفِض رأسه يرى أشياء لا يستطيع رؤيتها من أعلى. فلا داعي للنظر إلى وجوه الآخرين، ولا داعي أيضًا لرؤية نظرة الفخر في أعينهم؛ لأنهم أشفقوا عليَّ، والأشخاص الذين يرتدون أحذية ذات كعب، وأحذية براقة لامعة، لا يكلفون أنفسهم الوقوف أمامنا، لكن يقف أمامنا أولئك الذين يرتدون أحذية معبأة بالغبار، أو أحذية مخيطة من الأمام، ويضعون بهيبة ووقار ماوًا واحدًا أو اثنين داخل صندوقي الورقي (الماو: عملة صينية- المترجم). 
لقد كان صندوقي الورقي هذا صندوقًا لحذاء، وكان نصفه العلوي مفتوحًا، وبه فتحة أيضًا في الجانب، وترقد النقود مبعثرة داخل ذلك الصندوق الورقي، ونادرًا ما أجد داخل الصندوق ورقة الخمسة يوان البنفسجية، لكني ما زلت أرغب في أن ألعن هذا الصندوق الورقي. أعرف جيدًا مَن الذي مزَّق صندوقي الورقي، لكني لا أريد أن أذكر هذا الشخص؛ لأنه بمجرد ذكر اسم هذا الشخص أشعر بالاشمئزاز. 
هذا الشارع مزدحم باستمرار، ودائمًا يسير فيه الناس على عجالة، فهناك الرجال والنساء الذين يحملون الحقائب الكبيرة والصغيرة، والطلاب الذين يحملون الآيس كريم ويتحدثون دون توقف في الهاتف، والعاشقان اللذان يضع كل منهما يده على كتف الآخر.. فلا يتوقفون مطلقًا، ينظرون إلى الهلال في السماء أو الأشجار في الشارع، ولا عجب أنْ تحجبَ أضواءُ المدينةِ ضوءَ القمر. 
أجلس دائمًا في الشارع القريب من المسجد، وكلما رُفع الأذان بإيقاع منسجم، دخل المسجد واحدًا تلو آخر أولئك الذين يرتدون قبعات بيضاء، وأيضًا كبار السن الذين يرتدون جلابيب في طمأنينة وهدوء، وهذا يجعلني أفكر في مسقط رأسي البعيد والحزين.