الإخوان يقتنصون الاحتجاجات للعودة على طريقة النهضة 'الغارقة' في تونس

تراجع المستوى التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين يدعوها لترتيب الأوراق واقتناص فرصة تجدد الاحتجاجات ضد الأوضاع الاقتصادية في بعض البلدان العربية، لكن بواجهة وتكتيكات مختلفة.

لندن - نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها أندرو إنغلاند أعده من العاصمة التركية إسطنبول، حيث يقيم عدد كبير من قادة جماعة الإخوان المسلمين تحدث فيه عن وضعهم الصعب في ظل فشل حركات الإسلام السياسي التي اعتمدوها للوصول إلى السلطة في عدد من البلدان العربية في السنوات الأخيرة.

واستبعد التقرير أن يكون للإخوان المسلمين علاقة لمحمد علي المقاول المصري الذي أطلق الدعوة إلى التظاهر، لكن إنغلاند تطرق إلى استغلال جماعة الإخوان لتلك الأحداث سعيا منهم إلى التحريض ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي قضى على طموحهم في مواصلة الحكم في مصر.

وقالت الصحيفة البريطانية إن القنوات التلفزية المؤيدة للإخوان في تركيا ومنصات التواصل الاجتماعي حاولت الدخول في الاحتجاجات الأخيرة في مصر، إلا أن الحركة المشتتة فشلت في الحشد لذلك، بسبب تراجع قوة المنظمة التي عرفت أوج قوتها قبل سبعة أعوام، بعد نهاية ثلاثين عاما من حكم مبارك عام 2011، حيث برزت الحركة بصفتها القوة الرئيسية التي يمكنها تسيير البلاد. 

لكن الجماعة الإسلامية التي تذوقت تذوق طعم السلطة ولأول مرة في تاريخها، حاولت تجنيد مؤسسات الدولة لصالح تمرير مشروعها الإديولوجي في المنطقة انطلاقا من مصر، ما جعلها في نظر عدد كبير من المصريين تهديدا للأمن القومي للبلاد، وهو ما دفع بالجيش للتدخل وإنهاء حكم الرئيس السباق محمد مرسي.

وزير سابق خلال حكم مرسي لفايننشال تايمز: إذا كنت تريد أن تكون في السياسة، فمارس السياسة كما فعلت النهضة

وقال فيكتور ويلي، مؤلف كتاب سيصدر العام المقبل تحت عنوان "المحنة الرابعة تاريخ مجتمع الإخوان المسلمين في مصر 1968 – 2018"، في التقرير إن المنظمة الإسلامية التي صنفتها مصر ضمن المنظمات الإرهابية، فقدت سيطرتها على الوضع بسبب الانشقاقات وتشتت التنظيم في غياب رؤية واضحة، فقيادة الإخوان في الخارج لم تعد لها سلطة كلية على عناصر الحركة في الداخل الذين يعملون بصفتهم منظمة مستقلة يديرها 11 شخصا.

 ولم يستبعد ويلي عودة الإخوان لاستغلال الوضع في حال ساءت الأوضاع الاقتصادية، لأن "الأيديولوجية التي تزرعها المنظمة لدى أنصارها تبقى قوية وتبقى تتردد في أذهانهم طويلا، وهو ما يجعل الكثير من الحكومات تخشى مناورات الإخوان وتمسكهم بالعودة إلى سدة الحكم، لكن المستوى التنظيمي هو الذي فقد أهميته اليوم.

وورد في التقرير أنه في إسطنبول، التي يعيش فيها الآن مئات من أنصار وقادة الإخوان، تنتقد مجموعة صغيرة بعض القيادات بأنهم كانوا عاطفيون وغير واقعيين وهم الآن لا يرغبون في التعلم من أخطاء الماضي.

ودعا وزير الاستثمار السابق في حكومة مرسي يحيى حامد الإخوان لاستخلاص الدروس من حركة النهضة الفرع الإخواني في تونس، الذي استطاع حسب تعبيره أن ينجو من نفس المصير إخوان مصر.

وقال حامد في التقرير إن النهضة التي برزت بعد ثورة يناير 2011، قدمت تنازلات وعملت مع الأحزاب العلمانية، ولم تدفع بمشروعها الإسلامي بشكل واضح وهي لا تزال إلى اليوم تشكل جزءًا أساسيًا من المشهد السياسي، في إشارة إلى التوافق بين الإسلاميين والأحزاب العلمانية والذي استمر لخمس سنوات في تونس.

لكن هذا السيناريو يبدو صعب المنال للإخوان فحركة النهضة التي تبدو "نموذجا" لحامد، تلقت ضربة قاصمة مؤخرا بعد هزيمة مرشحها للانتخبات الرئاسية عبد الفتاح مورو، وهي أيضا تستشعر هزيمة أخرى في الانتخابية البرلمانية التي ستجرى يوم 6 أكتوبر الجاري.

وتتعمق مخاوف النهضة من تواصل ذوبان خزانها الانتخابي ومعاقبتها شعبيا في انتخابات البرلمان باعتبارها شريكا رئيسيا في الحكومات التي تعاقبت على الحكم في تونس بعد ثورة 2011 ولم تفلح في تحقيق مطالب التشغيل والتنمية الاقتصادية.

الغنوشي يرمي بكل ثقله في الحملة الانتخابية التشريعية لتجنب هزيمة ثانية ستشتت النهضة أكثر
الغنوشي يرمي بكل ثقله في الحملة الانتخابية التشريعية لتجنب هزيمة ثانية ستشتت النهضة أكثر

وتمثل الانتخابات التشريعية والرئاسية الحالية في تونس منعطفا في تاريخ النهضة، حيث أصبحت الحركة الإسلامية تصارع من أجل بقائها ليس في هذه الانتخابات فحسب بل أيضا على الساحة السياسية في تونس، لاسيّما في ظل الانقسامات الداخلية التي ظهرت منذ سنة بين القيادات ورئيسها راشد الغنوشي الذي يتهمونه بالتفرد بالقرارات داخل الحزب.

وتسببت هزيمة مورو منذ الدور الأول للرئاسيات في استقالات في صفوف النهضة وخاصة من المقربين من الغنوشي وأهمهم مستشاره السياسي لطفي زيتون ورئيس مكتبه زبير الشهودي.

وتظهر مؤشرات الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في تونس منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تقلصا كبيرا في نسبة الناخبين الداعمين للنهضة بعد أن كان عددهم سنة 2011 في حدود مليون ونصف المليون وتقلص في الدور الأول للانتخابات الرئاسية سنة 2019 إلى ما يقارب 400 ألف ناخب.

ومع تجدد الاحتجاجات مؤخرا في عدد من البلدان العربية نصح حامد في تقرير "فايننشال تايمز"  الإخوان باستغلال الفرصة والعودة إلى الساحة السياسية لكن بواجهة وتكتيكات مختلفة.

وأضاف حامد "إذا كنت تريد أن تكون في السياسة، فمارس السياسة كما فعلت النهضة".

ويؤيد قيادي إخواني آخر يقيم في إسطنبول عمل في حكومة مرسي، رأي حامد قائلا للصحيفة البريطانية إنه بدلاً من انتظار التغيير  يجب على الإخوان "الاستعداد" للاحتجاجات القادمة لاقتناص فرصة أخرى.

وفي التقرير يعترف أيضا وضاح خنفر المدير السابق لقناة الجزيرة القطرية المعروفة بأنها منصة الّإخوان الإعلامية والمساند الأول للإخوان في قطر، بفشل الإخوان المسلمين في تسيير الحكم عندما أتيحت لهم الفرصة في فترة ما عرف بـ"الربيع العربي" في بعض البلدان العربية التي شهدت احتجاجات ضد حكامها.

وأشار خنفر إلى أن الحركات الإسلامية التابعة لمنظمة الإخوان يجب أن تتبنى "نهجا وسطيا معتدلا" يمكنها من العودة إلى الساحة السياسية عبر انتهاج استراتيجية "التحفيز لبناء فكر جديد"، مثلما فعلت ذلك أحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا، بدلا من التركيز على النهج الديني.