الإرهاب لن يكسر إرادة مصر الإقليمية

تزداد الحلقات ضيقا حول رقاب المتشددين في المنطقة.

يجهض مشهد وضع السقالات سريعا على مبنى معهد الأورام بالقصر العيني الكثير من الأمنيات التي راودت من وقفوا وراء عملية إرهابية بشعة وقعت مساء الأحد الماضي. وتؤكد التبرعات السخية من الداخل والخارج، لإعادة المبنى لما كان عليه وربما أفضل، ارتفاع درجة التكاتف ضد التنظيمات الإرهابية ومن يقفون خلفها، وباتت كل عملية إجرامية تقوي ظهر مصر ولن تؤثر على رؤيتها الشاملة.

لم تستوعب قوى مختلفة الدروس التي قدمتها السنوات الماضية، ولا تزال تصمم على ممارسة كل أشكال العنف وبضراوة وفي أي مكان تصل إليه أياديها، لتقول إنها موجودة ولن تتخلى عن عاداتها السيئة، مع أن أهدافها لم تتحقق سابقا ولن تتحقق لاحقا، بل تزيد من درجة التلاحم حول القيادة السياسية وتعزز الثقة في الدور الحيوي الذي تقوم به المؤسسة العسكرية.

قطعت الأجهزة الأمنية المختلفة شوطا كبيرا في مكافحة الإرهاب، وقضت على القوة الضاربة له في سيناء، ولم ينل المحرضون والمخططون والمنفذون شيئا مما أرادوا. وعلى العكس أدت عملياتهم المتعددة إلى تماسك المواطنين وتلاحمهم في الدفاع عن بلدهم وتفويت الفرصة على من سعوا حثيثا للنيل منها. الأمر الذي ظهرت تجلياته عقب الإعلان رسميا أن عملية إرهابية وقعت في شارع القصر العيني بوسط القاهرة.

يجب أن نهتم بالمعاني التي تنطوي عليها العملية في زمانها ومكانها وهدفها النهائي، أكثر من الاستغراق في تفاصيل المعلومات المتضاربة التي رشحت في البداية ولها دلالات مهمة، لأن غاية المراد حدوث بلبة في الشارع المصري.

إذا كانت العملية لم تصل إلى غايتها فيجب عدم اتاحة الفرصة لأصحابها لتحقيق غرضهم الخفي. ربما يكون هناك غموض في التقديرات الأولية، لكن في النهاية العالم اطلع على جزء معتبر لحقيقة ما جرى، لأنه من الصعوبة الانكار أو الاخفاء. فمصر التي دحرت الإرهاب وهو في أوج عنفوانه قادرة على متابعة ذيوله وتجفيف منابعه.

أثبتت التجارب أن الحرب ضد الإرهاب عملية معقدة لتداخل الأبعاد الداخلية مع المكونات الخارجية، وتشابك المحتويات الفكرية والثقافية مع الدينية. وقد يستغرق القضاء عليه وقتا طويلا، بعد تنوع أشكال وتباين أهداف الأطراف التي تقف خلفه. ناهيك عن اتساع المحيط الذي يفرخ الإرهاب في المنطقة، وأصبح يحتل أولوية مصرية، لأن التخلص من المتطرفين كمصدر أساسي للإرهاب يتطلب مطاردتهم باتقان في الخارج، والتنسيق والتعاون مع قوى لديها قواسم مشتركة مع مصر في هذا الفضاء.

نجحت أجهزة الأمن في سد الكثير من الثغرات وكشفت عورات مجموعات كبيرة من الخلايا الإرهابية، وحصلت على معلومات ثمينة تتعلق بتحركاتهم في الداخل. وتبذل جهدا كبيرا لقطع جذورهم في البؤر التي يتجمعون فيها، والمنابع التي يتشربون منها، والمراكز المتفرقة التي تأويهم في الخارج.

ويحاولون استعادة قوتهم لتوجيه ضربات في العمق من حين لآخر، على أمل أن تتوقف الملاحقات بعد تزايد معدل التعاون مع قوى كبرى ضجت من العمليات الإرهابية، وشعرت أنها ساهمت في رعاية أخطبوط لم تعد تعرف معالم تمدده جيدا، وتأكدت أن الخطر لن يستمر بعيدا عنها.

جاءت عملية القصر العيني في أجواء إقليمية بالغة الحساسية، ما جعلها على صلة ليست بعيدة عنها، ولو بصورة غير مباشرة، أكثر من علاقتها بتطورات في الداخل أو استغلال ثغرة أمنية هنا أو منطقة رخوة هناك. وهدفها يتعدى الصدى الإعلامي الزاعق والتأثير على الاشادات المتتالية بارتفاع مستوى الأمن والاستقرار في مصر، إلى إرسال إشارة بأن تقويض الإرهاب في ليبيا والسودان سوف يكون مكلفا، وروافده البغيضة قد ترتد إلى صدر مصر.

يسعى أصحاب هذا التقدير منذ فترة إلى الترويج لهذه الفكرة بصور وأشكال عديدة، تنامت منذ بدء الجيش الليبي الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر عملية تحرير طرابلس من قبضة الكتائب والعصابات المسلحة في أبريل الماضي، ومواجهته الحاسمة للجماعات الإرهابية، وقطع الطريق مبكرا على من يحاولون الاستفادة من المساحة الحدودية الواسعة بين البلدين، وتهريب الأسلحة والعبوات الناسفة والمجرمين.

تزداد الحلقات ضيقا حول رقاب المتشددين في المنطقة، فبعد تصاعد حدة مواجهتهم في ليبيا، بدأت مقدمات تقليص حضورهم في السودان رسميا تظهر معالمها، عقب عزل الرئيس عمر البشير الذي لم ينكر انتماءه للحركة الإسلامية، واحتضان قيادات متطرفة مطلوبة للقضاء. ودخلت الخرطوم في مناورات وألاعيب متباينة لتفويت الفرصة على تسليمهم لمصر.

يتفق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في السودان حاليا على أنه لا مكان لأتباع البشير من كيانات حزبية وشخصيات إسلامية، ومن الضروري قطع جذورهم في السلطة. وهذه واحدة من النقاط التي أجمع عليها الطرفان وغالبية فئات الشعب السوداني، لتكون ثابتا خلال المرحلة الانتقالية التي تبدأ عقب تشكيل المجلس السياسي والحكومة مع نهاية الشهر الجاري.

أربكت معلومات متداولة في السودان بشأن تسليم مطلوبين خطط قيادات متشددة وقوى إقليمية تتحالف معها، وحضتها للعمل على تخريب العلاقة بين المجلس العسكري والحرية والتغيير من خلال إحداث فتنة سياسية بينهما وزيادة التقتيل في صفوف المواطنين وتفعيل الأذرع المسلحة أو ما يسمى بكتاب الظل التابعة لجماعة الإخوان وغطاءها العام المعروف بالحركة الإسلامية.

مرجح أن تتمادى في تصدير الإرهاب لدول مجاورة لتوصيل رسالة، مفادها أن اقصاء التيار الإسلامي ستكون له مردودات سلبية على المنطقة، بالتالي على المجتمع الدولي تسهيل مهمة استيعاب هذا التيار في اللعبة السياسية الجديدة بالسودان.

فشل الإرهاب تماما في إثناء مصر عن خوض معركتها في الداخل والخارج. على المستوى الأول لم تنل العمليات السابقة في سيناء من إرادة وعزيمة وقدرة الأجهزة الأمينة. وعلى المستوى الثاني يتأكد كل يوم صواب الرؤية التي قدمها الرئيس عبدالفتاح السيسي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وتنطوي على محددات واضحة وشاملة، تبتعد عن التعامل مع المسألة بالقطعة، والتفرقة بين متشددين ومعتدلين، فالكل في الهم أصحاب أفكار خطيرة على المجتمع. ولذلك لن تفلح محاولات إرهابي ليبيا والسودان في كسر إرادة مصر.