الاتحاد الأوروبي ينجو من التفكك بأخف الأضرار

القوى المؤيدة للاتحاد الأوروبي احتفظت بغالبية كبرى في البرلمان لكن التكتل يخرج من الانتخابات مشتتا أكثر من أي وقت مضى.
ارتفاع مقاعد دعاة حماية البيئة في البرلمان الأوروبي إلى 70
صعود القوميين لكن الغلبة لا تزال لأنصار الاتحاد
أقوى كتلتين في البرلمان الأوروبي تخسران غالبيتهما للمرة الأولى منذ 40 عاما
تقدم اليمين المتطرف والقوميون سيؤثر على الساحة السياسية في الداخل فقط
اقبال كبير على المشاركة في الانتخابات وصل إلى 61 بالمئة

بروكسل - منيت الأحزاب الكبيرة التي تهيمن عادة على البرلمان الأوروبي بخسائر كبرى خلال انتخابات الأحد، لكن تم في الوقت نفسه احتواء تقدم الشعبويين اليمينيين فيما كان دعاة حماية البيئة مفاجأة الانتخابات، وسجل الوسطيون الليبراليون تقدما واضحا.

وأظهرت النتائج الأولية التي نشرت منتصف ليل الأحد الاثنين أن الاشتراكيين والخضر والليبراليين والمحافظين حصلوا على 506 مقاعد من إجمالي 751 مقعدا في البرلمان الذي يساعد في إصدار قوانين تخص أكثر من 500 مليون مواطن أوروبي.

وارتفع عدد مقاعد دعاة حماية البيئة في البرلمان الأوروبي من 52 إلى 70، بفضل النتائج الجيدة التي سجلوها في فرنسا وألمانيا.

وضاعف حزب الخضر في ألمانيا نتيجته بحصوله على نحو 20.5 إلى 22 بالمئة (مقابل 10.7 بالمة في 2014).  وأعلن الأحد أنه أصبح "قوة لا يمكن تجاوزها" بحسب رئيسهم في البرلمان فيليب لامبير بعد تقدمهم اللافت.

وقال رئيس حزب الخضر الألماني، روبرت هابيك إن النتيجة "فاقت كافة توقعاتنا.. كما كانت قفزة غير متوقعة في الثقة"، مضيفا أن الحزب سيضع كافة تركيزه على مهامه المنتظرة".

وفي فرنسا وصل المدافعون عن البيئة في حزب الخضر من لائحة "أوروبا-بيئة" إلى المرتبة الثالثة وحصلوا على 13.47 بالمئة (8.9 بالمئة في 2014) من الأصوات، متقدمين على اليمين التقليدي لحزب الجمهوريين وهو ما لم يكن متوقعا.

أنصار البيئة مفاجأة انتخابات البرلمان الأوروبي
أنصار البيئة مفاجأة انتخابات البرلمان الأوروبي

وفي السويد، انعكست التعبئة البيئية التي قامت بها السويدية غريتا ثونبرغ البالغة من العمر 16 عاماً، والتي حركت آلاف الشباب الأوروبيين في الأشهر الأخيرة، على نتائج الخضر، رغم أن معظم طلاب المدارس الذين شاركوا في هذه الاحتجاجات أصغر من أن يصوتوا.

وأكثر الكتل التي تمكنت من التقدم في فنلندا هي كتلة الخضر التي حققت نحو 15 بالمئة من الأصوات.

ويرى مدير مكتب باريس لـ"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" مانويل لافون رابنوي أن "الخضر الذين يؤلفون تقليدياً مجموعة متجانسة في البرلمان الأوروبي، سيحافظون على تماسكهم"، مع 67 مقعداً، وبدون استبعاد انضمام بعض من صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين إليهم.

ويأمل المدافعون عن البيئة في أن يصبحوا محورا لا يمكن تجاوزه في مشهد سياسي لم يكن يوما على هذه الدرجة من التشتت.

 تمكنت الأحزاب المؤيدة للمشروع الأوروبي من احتواء صعود المشككين به بصعوبة، حيث نحج الشعبويون في تحقيق مكاسب كبيرة.

وخسرت أقوى كتلتين في البرلمان الأوروبي غالبيتهما للمرة الأولى منذ عام 1979، فكتلة حزب الشعب الأوروبي ممثل يمين الوسط حصلت على نحو 178 مقعداً، أما الاشتراكيون والديمقراطيون فنالوا 152.

ولم يعد بإمكان المحافظين المسيحيين الديمقراطيين في حزب الشعب الأوروبي والاشتراكيين الديمقراطيين في كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين أن يشكلوا معا غالبية، لكنهما يبقيان أكبر كتلتين في المجلس.

وكلفهم تقدم القوميين والشعبويين وكذلك الليبراليين والخضر، عشرات المقاعد في البرلمان.

ضربة موجعة من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف للرئيس الفرنسي
ضربة موجعة من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف للرئيس الفرنسي 

ولن تتمكن كتلتا الحزب الشعبي الأوروبي، (نحو 180 مقعدا) والاشتراكيين والديمقراطيين (150 مقعدا) بحسب التوقعات، من إعادة تشكيل "التحالف الكبير" الذي أتاح لهما سابقا بناء توافقات حول نصوص تشريعية وتقاسم المناصب القيادية.

وسيؤثر تقدم اليمين المتطرف والقوميون في إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وبولندا على الساحة السياسية في الداخل، لكنه من الصعب أن ينجح في إحداث تغيير جذري في توازن القوى مع المؤيدين للاتحاد الأوروبي داخل المجلس.

ورغم خروجها من هذا الاستحقاق الأوروبي أقوى فإن انقسامات القوى الشعبوية والمشككة في المشروع الأوروبي العميقة تهدد قدرتها على تشكيل ائتلاف متجانس في البرلمان الجديد، كما يرى محللون.

وفي فرنسا، تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن النتائج موجهاً ضربة رمزية وإن لم تكن قاضية للرئيس المؤيد للاتحاد الأوروبي إيمانويل ماكرون.

وتقدمت قائمة التجمع الوطني، بزعامة لوبن 0.9 نقطة على قائمة "النهضة" التي دعمها ماكرون بحصولها على 23.31 بالمئة مقابل 22.41 بالمئة. وبالتالي، ستحصل كل من القائمتين على 23 مقعدا في البرلمان الأوروبي بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

حزب المحافظين في ألمانيا في الطليعة لكنه خسر عدة أصوات
حكومة ميركل في موقع هش بعد الانتخابات الأوروبية

وفي ألمانيا، بقي ائتلاف المستشارة أنجيلا ميركل في الطليعة، لكن حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف حقق هدفه مع 10.5 بالمئة (7.1 بالمئة عام 2014).

وحلّ "فيديز"، حزب رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان في الطليعة في بلاده، محققاً فوزاً ساحقاً بنسبة 56 بالمئة من الأصوات، ومتقدماً بأكثر من 45 نقطة على معارضة يسار الوسط واليمين المتطرف، وفق التقديرات.

وفي إيطاليا تجاوزت نسبة حزب "الرابطة" لماتيو سالفيني، 34 بالمئة في حين تراجع "الخمس نجوم" إلى 17 بالمئة، وفق النتائج شبه النهائية.

رغم صعودهم، يشكك مسؤولون في بروكسل أن تتمكن كتل الشعبويين والمشككين من نيل 200 مقعد من أصل 751 مقعداً في البرلمان الأوروبي، بحسب فرانسوا هيزبورغ، الذي يقدّر أن عدد مقاعدهم قد يتراوح "بين 78 إلى 110 مقاعد، أو 115 مقعداً".

ويضيف أنهم يختلفون أيضاً "حول قضايا ذات أهمية حيوية، مثل العلاقة مع روسيا".

كما يؤذن تبعثر الأصوات بمفاوضات صعبة بين الكتل المختلفة، فلا يمكن لأية كتلة من الأربع الأولى تشكيل غالبية مطلقة بدون الكتل الثلاث الأخرى.

وستجعل هذه الخارطة السياسية الجديدة المشتتة التوصل إلى توافق بين مختلف الكتل أمرا أكثر تعقيدا سواء كان حول الإصلاحات الكبرى أو حول توزيع مناصب السلطة في بروكسل.

تقدم حزب الرابطة اليميني المتطرف في إيطاليا يعطي سلطة أكبر لسالفيني
تقدم حزب الرابطة اليميني المتطرف في إيطاليا يعطي سلطة أكبر لسالفيني

والسباق لخلافة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر سيشكل اختبارا أول. واعتبارا من الاثنين ستبدأ المشاورات بين مختلف الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي.

حتى في حال التوصل إلى قرار حول اسم المرشح لرئاسة المفوضية بين رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء الـ28، فإنه لا يزال يجب أن يحصل على غالبية من أصوات 376 نائبا أوروبيا لكي ينتخب.

وسيكون من الضروري التوصل إلى توافق بين ثلاث كتل نيابية على الأقل، بعد إعادة تشكيل البرلمان الجديد.

وخلافاً للتوقعات، أقبل الناخبون الأوروبيون بشدة على التصويت، فقد وصلت نسبة المشاركة إلى 61 بالمئة في 27 دولة من دول الاتحاد، بحسب أرقام صادرة عن البرلمان.

وارتفعت نسبة المشاركة في ألمانيا خمس نقاط بالمقارنة مع عام 2014 إلى 59 بالمئة، وبلغت في فرنسا 50.12 بالمئة، بزيادة ما يقرب من ثماني نقاط عن 2014.

وارتفعت نسب الإقبال في دول أوروبية أخرى أيضاً. وفي السنوات الأخيرة كانت نسبة الإقبال في انخفاض تدريجي في كل استحقاق، حيث انخفضت إلى 42 بالمئة في انتخابات عام 2014.