الاتفاقية بين الولايات المتحدة وطالبان وآثارها الهشة

درس جديد للولايات المتحدة بأن الانتصار في الحروب صار صعبا وأن من الأصعب هو تغيير طبيعة المجتمعات.

إن الاتفاقية التي أبرمتها الحكومة الأميركية مع قيادة طالبان الأفغانية، وجرى توقعيها في نهاية هذا الأسبوع في الدوحة، تمثل إنجازًا دبلوماسيًا، وتضع استراتيجيةً لخروج القوات الأميركية من أطول حرب لها في تاريخ البلاد. ورغم ذلك، لم تبد واشنطن وكابول فرحتهما بهذه الاتفاقية. ويزخر الواقع المحزن بالشكوك حول النوايا الحقيقية لطالبان، والعديد من الجهات التخريبية، واحتمالية تصدي حكومة الرئيس أشرف غني لتنفيذ تلك الاتفاقية.

ويعود الفضل إلى المفاوض والسفير الأميركي السابق لدى أفغانستان زلماي خليل زاد، في الوصول بالمفاوضات الصعبة في كثير من الأحيان إلى خط النهاية. ومنذ بدأت المفاوضات في عام 2013 بافتتاح مكتب دبلوماسي لطالبان في قطر، تعثرت المفاوضات عدة مرات بسبب نقض الوعود بشأن وقف إطلاق النار، والمبادئ الأساسية لكل جانب. رأت الولايات المتحدة أن المحادثات مع طالبان خطوة أولى نحو عملية سلام أكثر شمولاً داخل أفغانستان، في حين ركزت حركة طالبان على انسحاب القوات الأميركية لتصحيح علاقاتها مع حكومة كابول، أو رفض علاقاتها بالقاعدة. وكان الرئيس ترامب آخر من أثار حالة من الارتباك، بعد إفشاله حفل التوقيع على الاتفاقية في عام 2019 مؤكدًا على أنه المسؤول عن إفشال هذا الأمر. وافتقاراً منه إلى الحساسية السياسية بشكل يدعو للدهشة، اقترح ترامب أن يستضيف طالبان في الولايات المتحدة في الحادي عشر 11 من سبتمبر 2019.

ورغم الصعوبات، بات اليوم ثمة اتفاق يقضي بالانسحاب التدريجي لمعظم القوات الأميركية المتبقية في البلاد والبالغ عددها 12 ألف جندي. وقد يكون هذا أفضل نتيجة ترغبها الولايات المتحدة وتصب في مصلحتها، والتي سيبرزها ترامب كأحد إنجازاته في مجال الأمن القومي. ويرتبط التنفيذ الكامل للاتفاق بمعايير مختلفة، وقد تكون العقبة الأكثر إلحاحًا هي رفض حكومة غني في كابول الإفراج عن 5 الاف سجين من طالبان، وهو الأمر الذي تعهدت الولايات المتحدة "بتسهيله". ويسعى السياسيون والنقاد جاهدين لمعرفة المزيد عن الملحقات السرية لهذه الاتفاقية، والتي قد توضح الظروف التي تبقى فيها القوات الأميركية في أفغانستان لمهام محددة، ورغم ذلك، يجب التركيز على مدى قدرة الجهات السياسية الأفغانية على دعم هذه العملية.

وبالنسبة لطالبان، يجب النظر إلى الاتفاقية على أنها نجاح كبير يضفي عليها شرعية كلاعب أساسي، باعتبارها الفاعل الأفغاني الوحيد الذي ربما يكون قد نجح في إخراج القوات الأجنبية. والأمر الوحيد الذي يمكن تخيله هو شعار حملة في المستقبل يروج لطالبان البطولية وهي تحمي الحقوق السيادية الأفغانية. ويعتقد البعض أن الوهن قد أصاب طالبان على مر السنين، وإذا ما أصبحت طالبان جزءًا من النظام السياسي الرسمي في كابول، سواء كانت في صفوف المعارضة أو حتى في السلطة، فقد تتبنى سياسات أكثر حداثة على مستوى التعليم ووضع المرأة. ويبقى هذا الأمر مجهولاً، وهناك تفاعل سلبي في أنحاء المجتمع الأفغاني من جانب ضحايا عنف طالبان بسبب الوضع الذي منحته الولايات المتحدة لحركة طالبان بموجب الاتفاق معها.

وتشهد حكومة كابول، المجهدة بالفعل بعد المنافسة الانتخابات الرئاسية الثانية بين غني وعبدالله عبدالله، تباين في وجهات النظر حول الاتفاقية. وعبر غني عن استيائه الشديد من أن الولايات المتحدة، حليفته ظاهريًا، قبلت بشروط طالبان وهي استبعاد المسؤولين الحكوميين من المفاوضات. وقال غني في حديثٍ له مع فريد زكريا مراسل "سي إن إن" الإخبارية في 1 مارس، لا يمكن لطالبان أن تملي الشروط على كابول. وأوضح غني أن إطلاق سراح السجناء، على سبيل المثال، سيتطلب مرحلة طويلة من المفاوضات، وأن حكومته لا تزال بحاجة إلى الاقتناع بأن طالبان ستحترم الوقف الكامل لإطلاق النار، وتقطع علاقاتها بجميع المنظمات الإرهابية وعصابات المخدرات، وتعلن دعمها لحقوق الأفغانين المدنية، وأكثر من ذلك. وقد ينهار الاتفاق المبرم في الدوحة بسبب حجم الاختلافات بين كابول وطالبان في جميع مسائل الحكم والقيم السياسية للدولة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، إذا سمح هذا الاتفاق – دون غيره من الاتفاقات التي تقتضي مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي – بالانسحاب المنشود للقوات الأميركية وقوات الناتو، فسيجد هذا الاتفاق مكانه في تراث الأمن القومي كحرب أخرى لم تحقق نصرًا عسكريًا. لقد فشلت جميع الحروب تقريبًا منذ الحرب العالمية الثانية، باستثناء حرب الخليج 1990-1991، في تحقيق انتصار عسكري واضح، وتسوية سياسية مستدامة. وستنضم أفغانستان إلى فيتنام في كونها حرب طويلة ومأساوية للولايات المتحدة، وافتقرت فيها الولايات المتحدة إلى رؤية واضحة.

وانساق الزعماء السياسيون الأميركيون على مدار ما يقرب من عقدين وراء مجموعة ممتدة من الأهداف السياسية والتي استمرت في تغيير الشروط بما يخدم مصلحة القوات المسلحة الأميركية. في أواخر عام 2001، تمكنت القوات الأميركية من هزيمة القاعدة، وإزاحة طالبان عن السلطة، ولكن في ظل هذا النجاح، سعى القادة الأميركيون لتحويل أفغانستان إلى مكان أكثر استقرارًا وحداثة، ولن يقع فريسة للتطرف مرة أخرى.

والدرس المستفاد من هذه الاتفاقية هو أن أفغانستان – البلد شديد التأخر عن ركب الحضارة، والمحافظ اجتماعياً – عليها أن تحقق التوازن السياسي المناسب لها. واليوم، باتت العلاقات الأميركية الأفغانية في مرحلة إعادة تقويم مثيرة. (سينديكيشن بيرو)