تحويلات المغتربين تنعش الاقتصاد التونسي

أموال المغتربين التونسيين ساهمت إلى جانب المداخيل السياحية في دعم مدخرات البلاد من النقد الأجنبي الذي تتذبذب وفرته من شهر لآخر.

تونس- كشفت بيانات البنك الدولية والمؤسسة الدولية للهجرة أن قيمة تحويلات العمالة التونسية في الخارج لعام 2023 إلى بلادهم بلغت 2.7 مليار دولار، وتعتبر إحدى موارد النقد الأجنبي لتونس، فيما يدعو خبراء اقتصاد إلى ضخ مزيد من السيولة الأجنبية من التونسيين المغتربين على شكل استثمارات.

وفي بيانات رسمية نشرها البنك المركزي التونسي، سجلت تحويلات المقيمين بالخارج من العملة الصعبة منذ بداية 2024 حتى نهاية 10 يونيو/حزيران الماضي ارتفاعا بنسبة 3.5 بالمئة على أساس سنوي.

وبلغت قيمة التحويلات 3.167 مليار دينار (1.02 مليار دولار) مقابل 3.055 مليار دينار (983 مليون دولار) في نفس الفترة من العام الماضي.

وأقر البنك المركزي التونسي بأن أموال المغتربين التونسيين ساهمت إلى جانب المداخيل السياحية في دعم مدخرات البلاد من النقد الأجنبي، والذي تتذبذب وفرته من شهر لآخر. وبحسب ذات المصدر يبلغ رصيد تونس من العملة الصعبة 24.36 مليار دينار (7.85 مليارات دولار) بما يعادل 112 يوم توريد من السلع.

ويقدر عدد الجالية التونسية بالخارج بأكثر من مليون و800 ألف تونسي مقيمين بطريقة نظامية في العديد من البلدان، أي ما يمثل 15 بالمئة من مجموع السكان في تونس، أغلبهم في أوروبا.

خبير اقتصادي يؤكّد أن القوانين الحالية سبب ضعف استثمارات التونسيين بالخارج في بلدهم.

وفي تقرير حول موجز الهجرة والتنمية، بيّن البنك الدولي أن تونس احتلّت المرتبة السادسة في قائمة أهمّ الدول المتلقية للتحويلات المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2023.

وساعدت تحويلات التونسيين اقتصاد بلادهم في أكثر من أزمة مرّت بها خلال العقود الماضية، لعل أبرزها تلك التي فرضتها جائحة كورونا أو السنوات اللاحقة للإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس التونسي قيس سعيّد في يوليو/تموز 2021.

وأكّد الخبير الاقتصادي بسام النيفر أن هذه التحويلات ساهمت في دفع الاقتصاد وتوفير الموارد من العُملة، أمام صعوبات الحصول على تمويلات للميزانية من المؤسسات النقدية الدولية، مشيرا الى أن المبالغ المحولة مهمة وهي من مداخيل العمل التي تشمل التحويلات النقدية والتحويلات العينية ومنها السيارات، حيث قدرت الأخيرة ب 1.161 مليار دينار (374.5 مليون دولار) من مجموع التحويلات لعام 2023.

وقال إن أهمية التحويلات تكمن في أنها أموال لا تخرج من تونس، لأنها تُحوّل إلى الدينار فور وصولها، وهي ليست استثمارات أجنبية يتم اخراجها لاحقا، إضافة الى أنها يومية ومتواصلة. ففي 2023 من بين 251 يوم عمل للبنوك، تم تسجيل وصول حوالي 25.3 مليون دينار يوميا (8.4 مليون دولار).

وأشار الى أن "هذه الأموال موجهة للاستهلاك أساسا... جزء كبير منها يصرف فور وصولها إلى العائلات في تونس، وهذا يعطي أهمية للتحويلات ليس فقط للدولة بل للعائلات أيضا، مؤكدا أنها ساهمت في دفع الاقتصاد التونسي وتوفير الموارد من العملة الصعبة، أمام تحديات الحصول على تمويلات للميزانية من المؤسسات النقدية الدولية.

ويؤيّد محسن حسن وزير التجارة الأسبق وأستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية ما ذهب إليه النيفر في مساهمة هذه الأموال في زيادة الرصيد الوطني من العملة الصعبة قائلا إنها تخلق ارتفاع في المقدرة الشرائية في البلاد لأنها تكون في شكل تحويلات مالية لأسر المقيمين بالخارج أغلب الأحيان".

وأضاف أنها "قدرة شرائية إضافية من شأنها أن تحسن الوضع الاقتصادي، ولها دور اجتماعي في تحسين المقدرة الشرائية لدى فئة معينة من التونسيين". وقال إن تحويلات اعمال بالخارج تساعد على تسديد خدمة الدين الخارجي، حيث ارتفعت هذه الخدمة خلال عام 2024 بنسق كبير جدا مقارنة بالسنوات الماضية وتحويلات التونسيين تبقى مهمة لذلك.

ويتوقع بسام النيفر "أن يكون تسديد الدين خلال عام 2025 أقل من عام 2024 والتي بلغت قرابة 4 مليارات دولار وستكون أقل في 2026، في حين لن تتجاوز 1.5 مليار دولار في عام 2027.

وحول ما إذا كانت التحويلات تساهم في دفع الاستثمار وتوفير فرص عمل، أكد أن "التونسيون بالخارج لا يدفعون كثيرا للاستثمار في بلدهم رغم أنه يمكنهم ذلك في عدة مجالات، موضحا أن السبب يعود الى القوانين الحالية التي لا تسمح بإعادة أموال الاستثمار إلى الخارج.

وتوقّع أن ترتفع مساهمة المغتربين التونسيين في الاستثمار بصدور قوانين صرف جديدة، مبينا أن "الدولة تعمد إلى تقييد حرية إخراج العملة الصعبة إلى الخارج خوفا من إفراغ البلاد منها".

بدوره أكد وزير التجارة الأسبق محسن حسن أن الاستثمارات تظل ضعيفة جدا، فهي تكون مالية للأسر بالأساس، وفي أفضل الحالات لاقتناء مساكن.

وفسّر حسن ذلك بضعف دور الدبلوماسية الاقتصادية التونسية في الخارج والسفارات في تشجيع التونسي المغترب على الاستثمار، إضافة الى العامل الاجتماعي والديمغرافي وطبيعة التونسيين المقيمين في الخارج. كما أن البيئة الاستثمارية في تونس ومناخ الأعمال فيه مطبات وإشكاليات لا تشجع على الاستثمار.