الانتخابات الأوروبية استفتاء على ماكرون وعلى القارة

أي خسارة لماكرون في الانتخابات الأوروبية تعني أنه سيكون في مواجهة اليمين المتطرف ما قد يجبره على تغيير فريقه الحكومي وإعادة النظر في وتيرة إصلاحاته.
حكومة ماكرون رهينة فوز أو خسارة اليمين المتطرف
حزب بريكست المناهض للاتحاد الأوروبي يتصدر استطلاعات الرأي

باريس - دعي أكثر من 400 مليون ناخب في الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى التصويت لاختيار 751 نائبا أوروبيا في الانتخابات التي بدأت أمس الخميس.

وبعد عامين من انتخابه، رئيسا لفرنسا يخوض إيمانويل ماكرون هذه الانتخابات الأحد كمدافع عن الديمقراطيات الليبرالية في مواجهة الشعبويين، رغم تراجع شعبيته في بلاده متأثرا بأزمة مع "السترات الصفراء" عمرها ستة أشهر.

وكانت المملكة المتحدة وهولندا دشنتا التصويت الخميس. ويدلي اليوم الجمعة الناخبون في إيرلندا والجمهورية التشيكية بأصواته، والسبت، ستجري الانتخابات في لاتفيا ومالطا وسلوفاكيا. أما الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فستجري انتخاباتها الأحد.

وتجري هذه الانتخابات وسط أجواء من القلق في ظل تنامي طموحات الشعبويين في القارة العجوز، حيث يتوقع أن تحقق الحركات القومية والشعبوية تقدما كبيرا في الاقتراع الذي يفترض أن يشهد تراجع أهم مجموعتين في البرلمان الأوروبي، الحزب الشعبي الأوروبي (يمين مؤيد للوحدة الأوروبية) والحزب الاشتراكي الأوروبي.

لكن في هولندا، تقدم حزب العمل بقيادة فرانس تيمرمانس الذي يطمح إلى رئاسة المفوضية الأوروبية خلفا لجان كلود يونكر، حسب التقديرات، على الليبراليين والشعبويين الذين كان يتوقع أن يتصدروا النتائج.

واليوم الجمعة، توجهت الأنظار في أوروبا بأسرها إلى بريطانيا، حيث أعلنت رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي التي استنزفها مسلسل بريكست الطويل، استقالتها من رئاسة حزب المحافظين في السابع من حزيران/يونيو.

وأظهرت استطلاعات الرأي في بريطانيا تصدر حزب بريكست الذي يقوده نايجل فاراج المؤيد لانفصال بلا تنازلات عن الاتحاد الأوروبي، مدفوعا بشعور الناخبين بالسأم وخيبة الأمل من التطورات المرتبطة ببريكست.

وكان يفترض أن تغادر بريطانيا الاتحاد في 29 آذار/مارس. لكن في غياب دعم من النواب الذين رفضوا ثلاث مرات اتفاق الخروج الذي أبرمته في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مع المفوضية الأوروبية، اضطرت ماي لإرجاء موعد هذا الانسحاب إلى 31 تشرين الأول/اكتوبر على أبعد حد.

وبما أنها لم تخرج من الاتحاد في الموعد المحدد، اضطرت بريطانيا لتنظيم انتخابات أوروبية وإن كان النواب البريطانيون قد لا يشغلون مقاعدهم في البرلمان الأوروبي لأكثر من أسابيع إذا تم تنفيذ بريكست.

واستخلصت ماي الدروس من فشلها في دفع البرلمان إلى إقرار اتفاقها مع الأوروبيين وأعلنت استقالتها بصوت مرتجف. ويفترض أن يختار حزبها رئيسا له بحلول نهاية تموز/يوليو.

والأحد، يبقى الحمل الأكبر على باريس، حيث سيكون مصير حكومة ماكرون الذي وضع نفسه رأس حربة في الحملة، في يد الناخبين الفرنسيين.

وأي خسارة لماكرون في هذه الانتخابات تعني أنه سيكون في مواجهة اليمين المتطرف ما قد يجبره على تغيير فريقه الحكومي وإعادة النظر في وتيرة إصلاحاته.

فبعدما أظهرت استطلاعات الرأي لوقت طويل تقاربا كبيرا بين "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبن وحزب "الجمهورية إلى الأمام" الرئاسي، باتت قائمة اليمين المتطرف تتقدم بما يراوح بين 0.5 نقطة ونقطتين، وذلك في نهاية حملة اتخذت شكل صراع بين المعسكرين.

 لوبن تراهن على جوردان بارديلا الأصغر سنا من ماكرون
 لوبن تراهن على جوردان بارديلا الأصغر سنا من ماكرون 

وأعلن الرئيس الفرنسي الثلاثاء العنوان العريض للانتخابات، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يهدده "خطر وجودي" قد يفضي إلى "تفككه" تحت وطأة الموجة الشعبوية.

وأعرب عن أمله في "بناء ائتلاف كبير من التقدميين" في مواجهة "من يريدون تدمير أوروبا عبر القومية".

من جهته، اعتبر الأميركي ستيف بانون أحد المهندسين الرئيسيين للمعسكر الشعبوي في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" أن الانتخابات في فرنسا ستكون "الأكثر أهمية" للأوروبيين، مضيفا "أنها استفتاء عليه (ماكرون) وعلى رؤيته لأوروبا".

بدورها، تدرج مارين لوبن المرشحة الخاسرة في انتخابات 2017 الرئاسية، هذه المعركة في الإطار المذكور، علما بأنها اختارت على رأس قائمتها مرشحا أصغر سنا من ماكرون هو جوردان بارديلا (23 عاما). وطالبت الناخبين بعدم "منح (الرئيس) شيكا على بياض" فيما تسعى الأحزاب الأخرى إلى إسماع صوتها في ظل هذا الانقسام العمودي.

ويرى سيباستيان مايار مدير معهد جاك دولور أن "خسارة شخص ما مؤيد لأوروبا الانتخابات الأوروبية في عقر داره تشكل مساسا بصدقيته".

وفي هذا السياق، لن يكون الرئيس الفرنسي مجبرا على اتخاذ خطوات في فرنسا فحسب، عبر تغيير حكومته على الأرجح، بل سيكون لهذا الأمر تأثير طويل المدى في أوروبا.

ويقول بريس تانتورييه المدير العام لمعهد إيبسوس لاستطلاعات الرأي إن "قدرته على أن يكون أحد أبرز القادة في أوروبا مستغلا قرب انتهاء المسيرة السياسية لإنغيلا ميركل وانقسامات في أماكن أخرى، سيلحق بها ضرر كبير في حال تعرض لخسارة قوية الأحد" وخصوصا أن الرئيس الفرنسي يواجه مرحلة حساسة مع المستشارة الألمانية، حليفته الأولى على المسرح الأوروبي والتي تناهض بدورها الحركات الشعبوية التي يجسدها الإيطالي ماتيو سالفيني والمجري فيكتور أوربان وحتى لوبن.

والخلافات كثيرة، وبينها كيفية توزيع المناصب داخل المؤسسات الأوروبية.

ويلاحظ مايار عدم ارتياح فرنسي إلى موقف ألمانيا التي لا تجاري ماكرون في نيته المضي قدما في تنفيذ أفكاره ومشاريعه على صعيد أوروبا.

وعلى صعيد السياسة الداخلية، سيكون الرئيس الفرنسي مجبرا على الأرجح على تغيير حكومته وإعادة النظر في خطته الإصلاحية، علما بأنه يرغب في تطبيق "الفصل الثاني" من تلك الإصلاحات بعدما نفذ جزءا منها في مستهل ولايته، وأبرز عناوين هذا الفصل ما يتصل بقانون العمل.

ويقول وزير لم يشأ كشف هويته "إذا تقدمت الجبهة الوطنية في شكل كبير فلا بد من تغيير حكومي. كيف يمكن للمرء أن يخسر الانتخابات" ولا يغير رئيس الوزراء مثلا.

ويبدو أن ماكرون فاتح وزراءه بهذا الأمر في الكواليس، وتحديدا في 30 نيسان/أبريل، حين لمح إلى تغييرات في الفريق الحكومي في حال هزيمته في الانتخابات الأوروبية.

وستعلن النتائج الرسمية للانتخابات الأوروبية مساء الأحد بعد إغلاق مراكز الاقتراع في كل القارة.