الانتخابات العراقية وطي صفحة الماضي

صناديق الاقتراع لم تمنح بطاقة الفوز الرابحة إلا سعيا للتغيير والاصلاح.

في أجواء مليئة بالصراع والتجاذب والإنقسام، إمتثل الكردستانيون الذين ينشدون التغيير، لقاعدة ديمقراطية، وتوجهوا نحو صناديق الإقتراع، فأدلوا بأصواتهم كي ينقذوا ما يمكن إنقاذه، وليسهموا في إنجاز ضرورة وطنية وإنسانية وأخلاقية ودينية. أدلوا بأصواتهم وهم يتمنون عدم تكرار التجارب السابقة التي أفزعتهم، وعدم إستمرارها لسنوات لاحقة، لأن ذلك يعني وصولهم الى نقطة اللاعودة والدخول في الأنفاق المظلمة، وهذه حقيقة دامغة لا تحتاج إلى إثباتات أو هتافات أو اللجوء لحملات دعائية.

عندما أدلى رئيس وزراء إقليم كردستان، نیجیرفان بارزاني، بصوته كأول المشاركين بعملية التصويت في الإنتخابات البرلمانية، وصف يوم الإنتخابات بالتاريخي والمهم للشعب العراقي وشعب كردستان. كما دعا الكردستانيين الى المشاركة في الإنتخابات وعدم تضييع الفرصة وتعلم الدروس من السنوات السابقة، وأعرب عن الإستعداد لطي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة مع بغداد بعد إجراء انتخابات البرلمان العراقي. هذا التأكيد على أهمية الإنتخابات، وهذا الإستعداد (لطي صفحة الماضي) في كلمة نائب رئيس رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، نيجيرفان بارزاني، ذكرهما أيضاً في كلمة ألقاها في احتفال جماهيري حضره الالاف من أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني في العاصمة أربيل في العاشر من الشهر الجاري.

إنتهت الإنتخابات، ودخلنا في مرحلة ما بعد الانتخابات التي تعتبر الأهم والأخطر على كل المستويات لأن العراق يمر بمرحلة استثنائية معقدة بمعايير كثيرة، مرحلة لا تكون في معزل عن التداخلات الإقليمية والدولية، وبعد إعلان نتائج الإنتخابات يتحدد من يكون الرئيس الجديد لحكومة العراق، وعلى ضوء تلك النتائج أيضاً يسعى المتنافسون من أجل الحصول على المناصب العليا، كما تحدد نتائجها ملامح المرحلة القادمة ومعالم النظام السياسي الذي يتشكل، وتطرح فيها تساؤلات إضافية عن إمكانية نجاح الأطراف الكردستانية المختلفة، في بناء موقف سياسي موحد من بغداد وفي بغداد، وتجاه جميع القضايا المصيرية الكردستانية.

في مرحلة الإستعداد للإنتخابات شاهدنا التشويه والتسقيط والتخريب والتهديد والأبتزاز، وتبادل الإتهامات والكذب والخداع وتمزيق صور المتنافسين، وفي يوم إجرائها، بعد ساعات من بدء عملية الأقتراع، سمعنا أحاديث وبيانات تتحدث عن تعطل الأجهزة وعدم دراية الموظفين وأعمال شغب وخرق وفوضى وتجاوز هنا وهناك، ومع الإعلان عن النتائج الأولية، إنهالت التصريحات التي تشكك وتشير الى التزوير واختراق الأجهزة الألكترونية، وهذه المسائل، مسائل عادية ترافق غالبية الإنتخابات، وحتى التي تجرى في أحسن الظروف والأحوال.

أما صناديق الإقتراع فلم تمنح أي حزب بطاقة الفوز الرابحة، ليستطيع تشكيل الحكومة الجديدة وتسمية رئيسها، والتطورات الاقليمية المتسارعة تضغط وتفرض تسريعاً لتشكيل حكومة توفر السبل الممكنة للاستقرار، وهذا يعني اللجوء الى الإستعجال في إجراء المشاورات، والأخذ في الاعتبار كل الحسابات المختلفة، وطرح المطالب والشروط التي تنهال من الكتل الفائزة والشروط المضادة، دون مغالاة، للتوصل الى عقد صفقة معينة بين أطراف متناغمة ومتفقة تحدد شكل الحكومة وعنوانها وتعمل من أجل تشكيلها وخروجها الى النور، لتكون الملاذ الذي ينتظر منه فعل الكثير، حكومة حاضرة وراسخة في النفوس، تنفذ الدستور وتحل المشكلات وتكفل تحسن الأحوال المعيشية، وتقدم الخدمات، وتمحو الصورة السلبية للحكومات التى انطبعت فى الأذهان وإرتبطت تحديداً بشبكات مصالح معقدة وأسباباً للفساد، وتحول الأقوال والشعارات خلال الحملة الإنتخابية إلى أفعال على أرض الواقع، وتمحو الكثير من الاخطاء التي ارتكبت في الماضي، وتواكب التطورات الاقليمية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تكون الانتخابات سبباً حقيقياً (لطي صفحة الماضي)، وتحقيق الاستقرار والرفاهية وترسيخ الديمقراطية في العراق، وتشكيل حكومة ممثلة للشعب وقادرة على تطبيق الدستور، وتعالج أزمة الفقر في بلد يعتبر من أكبر بلدان العالم إنتاجاً للنفط، حكومة لا تصعد التوترات بين الشيعة والسنة من جهة، وبين العرب والكرد من جهة أخرى، ولا تلجأ الى الخيارات العسكرية ضد البعض، ولا تستخدم العقوبات الإقتصادية وقطع رواتب موظفي الدولة لأسباب سياسية؟