الانتخابات النصفية الاميركية وانعكاساتها المحلية والدولية

كل أنواع التغيير داخليا ولا شيء يستحق الذكر خارجيا.

تعتبر الانتخابات النصفية الاميركية مرحلة هامة في السياسة الاميركية، وذلك لما لها من تأثير في المؤسسة التشريعية الاميركية أي الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب، فمن يسيطر على مجلس النواب ومجلس الشيوخ يسيطر على البرنامج السياسي للإدارة الأميركية، وانعكاس ذلك على القرارات الحكومية الاميركية. اذ انه من 8/11/2016 يسيطر الجمهوريون على الأغلبية في المجلسين، مما اعطى الرئيس دونالد ترامب نوعا من السهولة والمرونة في تمرير القرارات التي يريدها، وتمكن الجمهوريون من السيطرة على غالبية اللجان داخل الكونغرس. ولكن هذه الانتخابات ستكون حاسمة ومفصلية، اذ تشير كافة الاستطلاعات الى تقدم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وإمكانية الفوز بالأغلبية في مجلس النواب، مما ينعكس سلبا على خطط وبرامج الرئيس ترامب وسياساته الفدرالية والدولية.

أن ما يحدث في الانتخابات النصفية أو انتخابات منتصف المدة – والتي يُطلق عليها هذا الاسم لأنها تحدث بعد عامين تقريبًا من بدء ولاية الرئيس - يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد في السنتين القادمتين.

على صعيد الاهتمام الأميركي الداخلي فأن الانتخابات النصفية ذات تأثير كبير واكبر من الانتخابات الرئاسية على تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الاميركي، اذ يتم خلال هذه الانتخابات انتخاب ممثلين لكثير من المؤسسات الاميركية على الصعيدين الفيدرالي والوطني (المحلي). فعلي الصعيد الفيدرالي يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب الأميركي كاملا والبالغ عددهم 435 نائبا وانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100 شيخا أي 34 سيناتور. واما على الصعيد المحلي فانه يتم انتخاب 36 من حكام الولايات وثلاثة من حكام الإقاليم الاميركية و206 من رؤساء البلديات، والالاف من المقاعد التشريعية داخل الولايات.

ان النتيجة الأهم لتلك الانتخابات ستكون على الصعيد المحلي الداخلي سواء أكان الفيدرالي او المحلي الولائي. وهناك اندفاع كبير من المواطنين الأميركيين نحو هذه الانتخابات لأنها تمس جوانب الحياة اليومية لهم. ففي انتخابات الولايات وحكام الولايات وأعضاء المجالس التشريعية (الكونغرس الخاص لكل ولاية) وعلى صعيد القوانين الفدرالية سوف يواجه ترامب الكثير من العقبات في حال افرزت الانتخابات اغلبية ديمقراطية في المجلسين او في احدهما، وقد يعيد الى الواجهة الكثير من التشريعات والقرارات الرئاسية التي اتخذها الرئيس ترامب في السنتين السابقتين وخاصة فيما يتعلق بقوانين الهجرة وقانون التامين الصحي المعروف بـ"أوباما كير". وقد تكون السنتين المقبلتين غير عادية على الرئيس ترامب لتقييده تشريعيا، اضف الى ذلك التحقيقات المستمرة في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الاميركية في العام 2016، ومسلسل الفضائح المتكررة الذي يلاحق الرئيس ترامب من حين لأخر. وستكون هذه الانتخابات مؤشرا على الانتخابات الرئاسية الأميركية في 8/11/2020 وحظوظ كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في ظل تراجع شعبية الرئيس ترامب في هذه الأيام اذ تمنحه استطلاعات الراي 40% فقط وهي نسبة متدينة اذا ما تم مقارنتها مع رؤساء اخرين في اول سنتين من حكمهم. وهناك نسبة كبيرة من الرأي العام الأميركي غير راضية عن تحركات الرئيس ترامب وخاصة في القضايا الداخلية والمحلية.

ولكن على المستوى الدولي فلن يكون هناك تغير كبير في السياسة الخارجية الاميركية والعلاقات الدولية والإقليمية للولايات المتحدة، وما يتعلق بالاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي والصين وكندا والمكسيك، بل سيستمر الفتور في تلك العلاقات الى المزيد من التصعيد والارتباك وفي ظل تعنت الرئيس ترامب وتمسكه بمواقفه، كونه رجل اعمال ويفهم لغة الأرباح والخسائر فقط، بعيدا عن المصالح القومية العليا للشعب الاميركي والتحالفات الدولية.

وسوف تكون السياسة الخارجية الأميركية على حالها في اغلب الملفات الدولية الشائكة وخاصة الملف الكوري الشمالي والملف النووي الإيراني والملف السوري والصراع العربي الإسرائيلي، ولن يحدث أي تغير جوهري في الساسة الخارجية الاميركية في التعامل مع تلك الملفات بعد هذه الانتخابات النصفية، وسوف يستمر الانفراج والانفتاح ومسار السلام في ملف كوريا الشمالية والجنوبية، وسوف يستمر التردد الأميركي في الملف السوري وعدم التدخل المباشر فيه، وسوف يستمر الضغط على ايران وفرض المزيد من العقوبات ولا يتغير أي شيء. واما في ملف الصراع العربي الإسرائيلي وما يخص القضية الفلسطينية فان هناك اجماع لدى غالبية الحزبين الديمقراطي والجمهوري على دعم ومناصرة إسرائيل في كافة القضايا ولن يكون هناك أي تغيير جوهري في الموقف الأميركي والسياسة الخارجية الاميركية اتجاه القضية الفلسطينية بعد هذه الانتخابات الهامة.