البحار خزان للموارد الجينية يفتقر للضوابط

البحار تكتنز ثروة جينية تفتح مجالات واسعة لتطوير أدوية السرطان والمسكنات، ومطالبة بتحويلها الى إرث مشترك للبشرية مع حرص على العدالة بين البلدان الغنية والفقيرة.
بلوغ قيمة السوق العالمية للتكنولوجيا الحيوية 6,4 مليار دولار بحلول 2025 
الشركات الخاصة تستحوذ على 84% من التراخيص بشأن الموارد البحرية الجينية
الاسفنج البحري يساهم في علاج السرطان
حيوان من بطنيات القدم يتفوق على المورفين
مزايا طبية للطحالب والقشريات وقناديل بحر  

 باريس – تكتنز أعماق البحار ثروة جينية منقطعة النظير تفتح مجالات واسعة لتطوير أدوية المستقبل بما يشمل مضادات السرطان والمسكنات… غير أن استغلالها يحصل حاليا من دون ضوابط على قاعدة الأولوية بحسب الأسبقية.
وستحتل الموارد الجينية البحرية وسبل تقاسمها موقعا مركزيا في المفاوضات التي تنطلق الثلاثاء في الأمم المتحدة بشأن أعالي البحار (مناطق المحيطات الواقعة على بعد أكثر من 200 ميل بحري) التي تغطي ما يقرب من 46% من مساحة الكوكب ولا تخضع لسلطة أي دولة.
وبعد إهمال طويل بفعل النقص في المعارف والتقنيات اللازمة للاستغلال، سجل الاهتمام بهذه الموارد ازديادا مطردا اعتبارا من الثمانينات. وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، شهد عدد طلبات الاستحصال على براءات اختراع دولية متصلة بالأجناس البحرية ارتفاعا كبيرا بحسب دراسة نشرت نتائجها مجلة "ساينس أدفانسز" في حزيران/يونيو.
كما أن هذا المنحى سيتواصل مع إمكان بلوغ قيمة السوق العالمية للتكنولوجيا الحيوية 6,4 مليارات دولار بحلول 2025.
وحاليا، تستحوذ الشركات الخاصة على 84% من التراخيص بشأن الموارد البحرية الجينية، بفارق كبير عن الجامعات (12 %). ولمجموعة "بي ايه اس اف" الألمانية للصناعات الكيميائية الحصة الأكبر مع 47 % من التراخيص.
وتهيمن ثلاثة بلدان على القطاع هي ألمانيا والولايات المتحدة واليابان.
وتقول عالمة الأحياء فرنسواز غايل وهي منسقة المجلس العلمي في منهاج عمل المحيطات والمناخ إن الاهتمام الكبير بأعالي البحار مرده إلى كونها "تكتنز تنوعا مذهلا في مواقع العيش الطبيعية وتنوعا حيوانيا هائلا".
وتعتبر المحيطات مهدا للحياة كما أن الكائنات الحية نمت فيها وتكيفت منذ فترة أطول مقارنة مع اليابسة. كذلك فإن الأعماق التي لطالما اعتبرت مساحات ميتة، غنية بالكائنات الحية.
ودفعت ظروف الحياة في الأعماق البحرية من ضعف مستويات الإنارة والضغوط القوية والحموضة الكبيرة ودرجات الحرارة القصوى قرب المنافس المائية الحرارية، بالحيوانات والكائنات المجهرية (كالبكتيريا والفيروسات) التي تعيش فيها إلى تطوير ميزات خاصة تثير اهتماما في أوساط الطب وصناعات مستحضرات التجميل.
وسمحت أنواع من الاسفنج البحري بتطوير علاجات مضادة للسرطان. ومن بين هذه الكائنات، يشكل حيوان من بطنيات القدم مصدرا لمسكّن أقوى بألف مرة من المورفين. كما أن كائنات أخرى من طحالب وقشريات وقناديل بحر تملك مزايا مستخدمة أيضا في مجال الطب.
كذلك فإن قطاع مستحضرات التجميل ليس في منأى إذ إن عددا كبيرا من الكريمات والمركبات يحوي مواد فاعلة متأتية من البحر.
غير أن الموارد الجينية البحرية ليست في متناول الجميع، إذ إن إجراء عملية استكشافية لأسبوع بهدف جمع شعاب مرجانية في أعماق البحار يكلف 455 ألف دولار بحسب الدراسة التي نشرت نتائجها مجلة "ساينس أدفانسز".
وتشير الباحثة في المعهد الفرنسي لبحوث استكشاف البحر صوفي أرنو هاون إلى أن البحث "يتطلب استثمارا تكنولوجيا كبيرا ورسملة للمعارف على صعيد علوم الجزيئات والمحيطات وهو أمر قد لا يكون متوفرا في بلدان الجنوب".
وتضيف العالمة "أول من يتقدم بطلب ترخيص سينال حق الاستخدام الجزئي لجزيء معين"، لافتة إلى أن أصل التسلسلات الجينية الحائزة براءات اختراع غير معروف في أكثرية الحالات.
ولم تهتم اتفاقية الأمم المتحدة بشأن أعالي البحار في 1982 مباشرة بالموارد البحرية الجينية لأن هذا الموضوع كان مجهولا بدرجة كبيرة بحسب جوليان روشيت مدير برنامج بحوث المحيطات في معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية.
والإشكالية المطروحة حاليا تتعلق بسبل استغلال هذه الموارد وتقاسمها.
وتطالب عالمة الأحياء فرنسواز غايل بأن تصبح أعالي البحار "إرثا مشتركا للبشرية" مع حرص على "العدالة" بين البلدان الغنية والفقيرة.
وستولي الدول الفقيرة اهتماما كبيرا بمسألة الموارد البحرية الجينية خلال مفاوضات الأمم المتحدة التي من المرتقب استمرارها حتى 2020 وفق جوليان روشيت. و"سيكون هذا الموضوع الأكثر تعقيدا من الناحيتين التقنية والقانونية لأنه يستلزم إرساء آلية لا توجد نماذج كثيرة أخرى عنها" بحسب هذا القانوني.