البحث عن الخلاص داخل المجتمعات الحديثة في 'فاصل زمني'
تميزت مسرحية "فاصل زمني" للمخرج الأردني محمود الزغول، عن بقية المسرحيات التي تابعها الجمهور خلال الدورة الثالثة عشر لمهرجان المسرح العربي بالمغرب، من حيث رؤيتها واختيارها الجمالي الذي اعتمد على خلق عوالم بصرية مغايرة عن بقية المسرحيات التي عرضت، إختيار نجح في توظيف مفهوم الجسد لتقديم النص، داخل بعد فني وجمالي متحرر من أثقاله وأقنعته.
وبمزيج أدائي جمع بمهارة بين الهواة والأكاديميين، قدم المخرج محمود الزغول عملا شد إليه أنظار الجمهور، في عمل يشتغل نصيا على تقديم المواجهة الأزلية بين الخير والشر ومحاولات البحث عن الخلاص بالمجتمعات الإنسانية، وجماليا اشتغل المخرج على تقديم رؤية بصرية بأبعاد فلسفية تجد نفسها في جمهور عاشق للمسرح الذي يخاطب العقل والحواس.
في هذا الحوار يقربنا محمود الزغول، ممثل ومخرج مسرحي وعضو في نقابة الفنانين الاردنيين واستاذ دراما، من هذه التجربة المسرحية المتميزة في مساره الإخراجي، ويلقي بمزيد من الضوء على مناطق معتمة من الفرجة المسرحية الخاصة بنصوصه وإخراجه.
قمت بتقديم شخصية الزمن داخل المسرحية كيف تم بناء تلك الشخصية التي تبدو مؤسطرة وأساسية داخل المسرحية؟
حضور الشخصية في حبكة العرض الى جانب انها كانت لها بعد رمزي لا مادي فهي تمثل ذاكرة المكان او الذاكرة الجمعية وتمثل عامل الوقت والراوي في نفس الوقت والشاهد على الحدث. فارتبط حضورها بتوتر والتصعيد في الأحداث وكأنها تدفع الشخصيات للفعل مع كل ظهور وتتطور الأحداث الى ان تصل للذروة.
لكن في بناء الشخصية فإننا الان نتحدث عن الجانب التقني او اليات تدريب الممثل فأرى ان اعتماد المنهج النفسي لستانسلافسكي من خلال تخيل وضعيات وارتجالية ساهم في تطوير مسار بناء الشخصية وكان المرجع هو النص الذي ساعدني في بناء الشخصية.
كذلك لا استطيع انكار ضرورة التمارين لإعداد الجسم التي ساعدتني كممثل على خلق ديناميكية للحركة والوصل الي درجة من الليونة الجسدية التي خولت لي اداء شخصية "زمن" في فاصل زمني، فبقيت شخصية "زمن" غامضة تثير تساؤلات المتفرج.
ما هي رمزية اللون الموحد التي تم اختياره للشخصيات داخل العرض؟
بالنسبة للون الترابي الذي يشبه بشرة الانسان كان تعبيرا عن التجرد وكأنها تذكير بالولادة الاولى للإنسان أو الجنين في بطن الام الذي يلد عاريا ويموت عاريا.
فالطاعون مثلا أو المرض الذي اجتاح البلاد مثل "كورونا" دفعنا للتفكير في الوجود الانساني فنحن نعيش في حلقة دائرية كمدار الشمس حول الارض تبدا من النقطة صفر وتعود اليها. تعبير عن عبثية الحياة والتناقضات التي يعيشها الانسان.
كذلك في مستوى اخر دعوة الى قبول الاخر رغم اختلاف اللون والدين والمرتبة الاجتماعية التجرد من كل شيئ والنظر على اساس انسانيته. ليس هذا فقط وانما المجتمع العربي يعيش نفس الازمة رغم اختلاف المكان الجغرافي واللهجة الا اننا نعيش نفس المعاناة. ويرمز هذا اللون الي التشابه والتطابق. يحمل الكثير من الرسائل المشفرة التي يحللها المتلقي، ويفكك رموزها حسب درجة وعيه واطلاعه... "على الإنسان أن يفكر دائما". كذلك هذا اللون يعبر على تحرر الجسد من كل القيود الاجتماعية والقوالب الجاهزة.
المسرحية ركزت بصريا على الجسد متحررا من ثقله، هل هامش الحرية في العالم العربي يسمح بتقديم مزيد من هذه الاختيارات الجمالية؟
ان تحدثنا عن المسرح العربي فهذا شامل جدا كذلك التجارب العربية مختلفة ومتفاوتة على مستوى نضج الاعمال لكن حسب رأي الشخصي ما دامت هذه النوعية من الازياء موظفة وتخدم العرض فلا ارى انها تسبب قلقا للمتلقي لان الازياء لم يكن اختيارها مبتذل او اعتباطي ، انما تحمل بعد جمالي. ارى من الضروري ان يكون تحليل العرض من منطق جمالي وليس من منطق اجتماعي.
الى أي حد تطور النص الذي تمت كتابته للمسرحية حتى الشكل الذي رأيناه على الخشبة؟
النص لم يتطور وانما حافظنا على النص الاصلي كما هو كانت هناك تعديلات بسيطة فقط خصوصاً ان المخرج هو كاتب النص لكن لم ادع الكاتب يسيطر على افكاري كمخرج
هناك ما أود قوله من خلال النص وهناك رؤية اخراجية مختلفة تماماً عن ما كتبت.
يتم الحديث اليوم على السينوغرافيا كخط مواز للإخراج هل يتعلق الأمر بالتقنية أم برؤية المخرج اساسا؟
الغاية من السينوغرافيا هي خدمة العرض المسرحي فكل اكسسوار موجود على المسرح له وظيفة في العرض والاضاءة كذلك تكون حسب سياق ورؤية المخرج وحسب ما يتطلبه العرض. السينوغرافيا ليست خطا مواز للإخراج بل هو مكمل للرؤية الاخراجية ان كانت ديكورات او اضاءة. اذا السينوغرافيا نتناولها دائما من جانب تقني.
ما هو المسرح الذي يسعى محمود الزغول لتقديمه كمسرحي حر؟
تجربتي في الإخراج متواضعة هذا عملي الثاني كمخرج بعد تخرجي من قسم الفنون المسرحية في الجامعة الاردنية سنة 2016 لكن على صعيد التمثيل لدي تجارب عديدة في مسرح الشباب ومسرح الطفل والمحترفين ما يقارب 12 عمل مسرحي ما بعد التخرج.
والان لازلت في مرحلة التجريب كمخرج أحاول الحفر اكثر والبحث اكثر في مناهج الاخراج العالمية والاطلاع على اهم التجارب الاخراجية في القرن العشرين.
من ثم احوال ايجاد طرق اخراجية حديثة ارى اني لازلت في مرحلة بحث وتجريب طرق اخراج حديثة والعمل عليها. أما بالنسبة لنوعية المسرح فانجذب كثير للطروحات الفلسفية التي تستفز عقل المشاهد فتدعوه للتفكير.