عدنان عبدالرحمن بين دائرتي البحث والتجريب

التشكيلي السوري يعد من فنانين قلائل لا يكررون أنفسهم، ينتمي إلى تجربة بصرية متجددة تستند إلى التأمل والبحث المستدام.

عدنان عبدالرحمن (1969) من الفنانين التشكيليين القلائل الذين لا يكررون أنفسهم، فبينه وبين الروتين والتكرار عداوة لا توصف، ولهذا همه الأول والأخير البحث الذي لا ينتهي، أو البحث المستدام حيث الشغف يعلن عن نفسه بامتياز. ولهذا لا يسرع عدنان في بحثه هذا مطلقاً، فالتأمل الصبور لمدى الرؤيا التي تعيش فيه، وبالتالي في أعماله، هو ما يسمح له بخلق تلميحات مفتوحة لمشهده البصري القادر على خلخلة مفهوم العلاقة ما بين المتلقي والعمل الفني. فهنا، وأمام تجاوزه لكسر الجدار الرابع، يجرّ المتلقي رغماً عنه ليكون الجزء الأهم من العمل، فإما أن يكون فاعلاً فيه ــ وهذا هو الراجح ــ أو العمل سيُعلن عن حدوده لنفسه. ومهما تكن إمارات التفاعل بينهما، أو القراءات المتبادلة غير المنظورة، فإن صفة الاختزال هي التي ستغمر جميع مفاصلهما، بوصفه طريقة لضبط المراحل المختلفة في ذاتهما ولذاتهما.

وعدنان هو ابن الجزيرة السورية (الغنامية، الدرباسية) المتكئة على الحدود التركية بهدوء حكيم، فلا بد أن تفوح من أعماله رائحة الشمال بحصاده وغباره، بمواسمه وفضاءاته المفتوحة، ببراريه وترابه، وهذا يخدم حالته وبحثه الدائم عن الجديد. وإن كان ذلك سبباً في وجود أصوات لونية معينة هي التي تغرد بين لمساته، فكان لا بد من الرمادي ــ وإن بنسب عالية ــ ثم الترابي الأصفر، فمشاهده اللونية لا تكتمل إلا بها، وهي وحدها القادرة على نقل حياة البسطاء وبساطة حياتهم. واستناداً إلى تدرج ألوانه من الفاتح إلى الأفتح، لا يصعب انتماء عمله إلى الشمال وشمسه الحادة، فعلاقته بمحيطه تكسبه خصائص مميزة كالتركيز على إضاءة متجانسة، وإن كان هناك ما يوحي بإسقاطات لشعاعات وهمية، والتي قد تدفعنا إلى تصنيف الطبيعة البنائية لتجربته ضمن الاكتشافات المهمة لتيار الشباب، إذا جاز لنا أن نطلق عليها كتيار فني معاصر.

فعدنان يولي لغته مفرداتٍ فيها من الاختلاف ما نتفق عليه، وبمفهوم مرتبط باختلاف السياق ذاته، فهو يخرج بهذه الخلاصة لا لخدمة أغراضه البيئية الخاصة، بل ليؤكد بأن الأبعاد المعرفية تؤسس لا على دراسة الرموز وأنظمتها فحسب، بل على ممارسة فعل القراءة الجمالية، تلك التي تغوص عمقاً وشكلاً، وبحثاً عن ماهية الإبداع، بوصفها إجابة عن حديث لم يُتح لها الكشف عن معالمها الجمالية. فعدنان ينفتح بعمله على قراءات مختلفة، متماهياً مع التزامه بمجمل النشاط الإنساني بنغماته وصوره، في إطار البحث الدائم في الدال والمدلول.

عدنان لا يبحث عن الجمال بقدر ما يبحث عن حقيقة هذا الجمال، وهذا ما يجعله يتجه نحو وحدات على شكل لون، سواء أكان تعبيرياً أو تجريدياً، فهو لا يقف إلا عند تحولات بحثه ومكتشفاته. أي أنه قادر على أن يحقق شكلاً من مضاعفة إنتاجيته في التجريب، فيتناول أواصر عمله من خط ورماد وفضاء بدينامية التواصل بينهم، والتأصيل في الصميم. وهكذا، فإن وهم الإنجاز الذي يلاحق أكثر الفنانين، إلا هنا، مع عدنان عبدالرحمن، الأمر مختلف، فهو في دائرة البحث والتجريب على طول الوقت وعرضه، فما إن ينتهي من عمل حتى تلاحقه مقولة الشاعر الإنكليزي روبرت براونينغ: "يمكن للمرء أن يفعل ما يريده في الفن بشرط أن يحرص على ألا يعجبه ما أنتجه".