البرهان يبحث عن الدعم في الجزائر بعد فشل جولاته الخارجية

دخول الجزائر على خط الأزمة من شأنه أن يفاقم الحرب نظرا إلى أن المؤشرات جميعها تلمح إلى صفقة تسليح للجيش السوداني.

الجزائر - يبحث رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن دعم عسكري وسياسي من أي جهة قريبة أو بعيدة، لذلك وجد مع النظام الجزائري العسكري نقاط التقاء يمكن الاستفادة منها خلال لقائه مع الرئيس عبد المجيد تبون، في زيارة بدأها الأحد.

وأدى ضعف موقف البرهان في الحرب إلى إحراجه وإّثبات فشله في السيطرة على الأمور إذ تعهد للسودانيين أن المعارك ستحسم في غضون أيام، وأخفقت زياراته إلى ست دول في توفير دعم مادي أو معنوي يساعده على الصمود، وهو يتوجه اليوم إلى الجزائر للبحث عن دعم.

وأمام الوضع المتأزم يبحث عن أي حليف لدعمه في مواجهة كل الموقف الصعب الذي يعانيه، ويلتقي مع تبون في مسألة خلق الأزمات مع بعض الدول في المنطقة وكيل الاتهامات لها بسبب موقفها المتوازن سواء من الحرب السودانية بالنسبة للأول أو قضية الصحراء المغربية بالنسبة للثاني.

ونشرت القوات المسلحة السودانية بيانا على حسابها بموقع فيسبوك قالت فيه أن البرهان سيجري خلال الزيارة، مباحثات مع تبون تتناول مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين .

ويرافق مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم البرهان خلال زيارته للجزائر، في إشارة إلى طابعها العسكري، ودحض أي مزاعم بشأن مساعي جزائرية لوقف الحرب أو إيجاد حل للأزمة في السودان. حيث يظهر جليا انحياز تبون لأحد طرفي القتال.
ويعتبر دخول الجزائر على خط الأزمة من شأنه أن يفاقم الحرب وتأثيراتها الإنسانية على الشعب السوداني نظرا أن المؤشرات جميعها تلمح إلى صفقة تسليح للجيش السوداني.

وكان من المفترض أن تحتفظ الجزائر بموقف وسيط وداعم للحوار ووقف القتال إذ أنها تسعى لإظهار نفسها راعية  للسلام في القارة السمراء، كما أن المبعوث الأممي للسودان هو الدبلوماسي الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة.

وأثارت اللقاءات التي عقدها لعمامرة وشملت مكونات سياسية وعسكرية، متهمة بالوقوف خلال الحرب الدائرة في البلاد والعمل على تأجيجها قلق القوى المدنية الساعية إلى حل سياسي ينهي الحرب في السودان.

واستهل لعمامرة مهمته التي كلف بها في السودان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بزيارة إلى بورتسودان استمرت ثلاثة أيام حيث اجتمع بقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، كما التقى بعدد من الأطراف السياسية الموالية للجيش لبحث سبل إنهاء الأزمة المندلعة منذ أبريل الماضي،

ومع زيارة البرهان إلى الجزائر تثار أسئلة حول العمامرة وتحركاته وأجندته أممية هل هي ملتزمة بالمهمة الأممية المكلف بها أم تخدم مصالح النظام الجزائري.

كما تأتي الزيارة في غمرة عثرات للدبلوماسية الجزائرية في أفريقيا خصوصا في مالي التي أعلنت الخميس، عبر بيان بثه التلفزيون الحكومي، عن إنهاء اتفاق السلام والمصالحة الوطنية الذي ترعاه الجزائر، بعد تغير موقف المجموعات الموقعة عليه، فضلا عن الأعمال العدائية التي يمارسها الوسيط، في إشارة إلى الجزائر.
وتم توقيع اتفاق السلام والمصالحة مع تنسيقية الحركات الأزوادية عام 2015، بوساطة الجزائر، لإنهاء العنف في المنطقة التي يطلق عليها الطوارق اسم "أزواد"، والتي تضم مدنا مثل تمبكتو وغاو وكيدال في شمال مالي.

واتهمت باماكو الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية، وقالت في بيان إنه يبدو أن هناك تصورا خاطئا لدى السلطات الجزائرية التي تنظر إلى مالي نظرة "ازدراء واستعلاء". وأشار البيان إلى أن الحكومة الانتقالية "يساورها الفضول لمعرفة كيف سيكون شعور السلطات الجزائرية لو استقبلت مالي، على أعلى مستوى في هرم الدولة، ممثلين عن حركة تقرير مصير منطقة القبائل".

وتقوم الجزائر اليوم بنفس الدور في السودان، ما يشير إلى عدم مصداقيتها كراعي لأي مبادرات دبلوماسية لإنهاء النزاعات في المنطقة.

ودخلت الحرب بين طرفي القتال في السودان الأحد شهرها العاشر دون توقف، ولا تلوح في الأفق بادرة نصر عسكري حاسم للجيش بينما تميل الكفة لصالح قوات الدعم السريع في المعارك.
 ويرى مراقبون أنه من المرجح أن يحاول البرهان الاستفادة من تجربة الجيش الجزائري في فرض الأمر الواقع وتثبيت أركانه في السلطة رغم معارضة الشعب.
كما أن الجيش السوداني يبحث عن مخرج من الحرب التي تتخبط فيها البلاد، والتي تهدد بانقسام البلاد مجددا، فالتحديات أصبحت بالغة التعقيد داخليا وخارجيا، والحرب تزيد الوضع تعقيدا في مختلف أنحاء البلاد.

وفي خضم خلاف كبير مع الدول الأفريقية والدول الأعضاء للهيئة المعنية بالتنمية في إفريقيا "إيغاد" وصلت لتجميد العلاقات، يبدو أن التقارب مع الجزائر التي لديها هي الأخرى علاقات متوترة مع جيرانها وصلت إلى مرحلة قطع العلاقات الدبلوماسية، يحاول الطرفان إيجاد سبل تعاون انطلاقا من العزلة المتزايدة لهما.

وأكد تبون وقف بلاده إلى جانب السودان لـ"تجاوز الظروف الصعبة ومواجهة قوى الشر التي تستهدفه"، وقال في تصريح صحفي مشترك إن الجزائر تدعم دوما السودان، مؤكدا على تطابق وجهات النظر بين الجزائر والسودان في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
من جهته، قال البرهان إن بلاده “تتعرض لمؤامرة بتواطؤ شركاء إقليميين ودوليين (لم يحددهم)". ولفت إلى أن وجود توافق في وجهات النظر بين الخرطوم والجزائر حول عديد القضايا الراهنة.
ويتهم البرهان بعض الدول الإقليمية والعالمية بتقديم الدعم لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" "تحت مظلة دعاوي زائفة".

في المقابل يبحث الجيش الجزائري عن أسواق لتصدير بعض الأسلحة المصنعة لديه، خاصة العربات المدرعة والشاحنات العسكرية متعددة المهام، بينما يعتبر السودان أحد هذه الأسواق المحتملة مع تعطيل البرهان لكل المحاولات الاقليمية للوصول إلى وقف إطلاق النار وحاجته إلى السلاح للاستمرار في مساعيه للتفرد بالسلطة.

 وكان البرهان قد اتخذ خطوة سابقة بالانفتاح على إيران لنفس الأسباب، حيث أفادت وزارة الخارجية السودانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن السودان سيستأنف علاقاته الدبلوماسية مع إيران. وأضافت أن قرار استئناف العلاقات جاء بعد عدد من الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين وأنه سيخدم مصالح البلدين المشتركة.

وكان السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران في العام 2016 بعد اقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران. وقال الخبير في الشؤون الإيرانية محمد محسن أبوالنور لصحيفة "العرب"، أن حاجة البرهان للحصول على السلاح من أيّ جهة قادته للاستعانة بإيران، ففي ظل عدم تلقيه مساعدات عسكرية من دول ظن أن علاقاته وطيدة معها منذ سنوات، اعتقد أن ايران قد تكون ملاذا له.

وجاء القرار بعد مرور سبعة أعوام على قطع العلاقات بين البلدين وثلاثة أشهر على لقاء بين وزيري خارجية البلدين.

وتكثفت الجهود الدولية الرامية لوقف الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 10 أشهر. ويرى محللون أن هنالك قناعة تبلورت لدى المجتمع الدولي والأمم المتحدة بضرورة حسم الأزمة بأسرع ما يمكن من أجل وقف التدهور الأمني والإنساني المريع في بلد فقد فيه أكثر من 20 مليون من السكان مقومات الحياة بحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة.

ويضع البرهان شروطا تعجيزية للمضي في التفاوض إذ يقول أن السبيل الوحيد لوقف الحرب ضد قوات الدعم السريع مربوط بانسحابها من ولاية الجزيرة والمناطق الوسطى وبقية المدن، في حين أنه خسر هذه المناطق في المعارك.

كما طالب دولا لم يسمها في الإقليم بالتوقف عن التدخل في الشأن السوداني، ودعم قوات الدعم السريع في الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل الماضي.

واعتبر البرهان أن استقبال أي دولة لجهة معادية لا تعترف بالحكومة السودانية  القائمة، يعد عداء صريحاً للدولة السودانية، ويحق للسودان أن يتخذ من الإجراءات ما يحفظ سيادته وأمنه، وذلك بعد أن قام حميدتي بجولة أفريقية لعدة دول جدد خلالها استعداده للتفاوض ولقاء البرهان مقابل تعنت الأخير واصراره على الحل العسكري.