البرهان يعيد ترتيب القيادة في مواجهة حالة ارباك داخل الجيش
الخرطوم - تجدد الهجوم الجوي على العاصمة السودانية الخرطوم ومدينة بحري المجاورة اليوم الجمعة مع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع أسبوعها الخامس، بينما لم تتوصل محادثات وقف إطلاق النار برعاية السعودية في مدينة جدة إلى تحقيق انفراجة في الصراع بين الطرفين الذي كان أيضا من بين البنود الرئيسية على جدول أعمال القمة العربية.
وأقال قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان اليوم الجمعة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، من منصب نائب رئيس مجلس السيادة الحاكم، فيما تتزامن هذه الخطوة مع حالة الإرباك التي بدت على قوات البرهان، خاصة بعد استسلام عدد هام من قياداتها إثر الحصار المشدد الذي فرضته قوات الدعم السريع على مقر القيادة العامة.
وعين البرهان مالك عقار، زعيم جماعة مسلحة من المتمردين وقعت اتفاقية سلام مع الحكومة في عام 2020، في منصب نائب رئيس مجلس السيادة خلفا لحميدتي، في محاولة لملء الفراغ الذي خلفه غياب قائد قوات الدعم السريع الذي كان عنصرا فاعل في قيادة المجلس قبل اندلاع النزاع بين الجنرالين.
ومالك عقار، الذي يحل محل دقلو نائبا لمجلس السيادة، هو رئيس لحركة تحرير السودان -الشمال ويتحدر من ولاية النيل الأزرق، عند الحدود مع إثيوبيا، التي كان حاكما لها. وفي عام 2020 وقع عقار وقادة حركات تمرد اتفاق سلام مع الخرطوم وهو عضو في مجلس السيادة منذ فبراير/شباط 2021.
ويسعى البرهان على ما يبدو لإقحام حركات متمردة في الصراع واستقطابها لصفوف الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع عبر استثمار علاقات عقار.
كذلك، أعلنت قيادة أركان الجيش السوداني عن تعيين الفريق أول شمس الدين كباشي في منصب القائد العام للقوات المسلحة والفريق أول ركن عبدالرحمن حسن العطا والفريق ابراهيم جابر إبراهيم كريمة مساعدين للقائد العام للجيش.
واستهدفت الضربات الجوية مناطق في شرق الخرطوم. وأفاد شهود بأنهم سمعوا دوي أسلحة مضادة للطائرات تستخدمها قوات الدعم السريع. كما تعرضت بحري وشرق النيل على الجانب الآخر من نهر النيل أمام الخرطوم لغارات جوية.
وشددت حكومة جنوب السودان اليوم الجمعة على أنها تلعب دورا محايدا في الجهود الرامية لوقف القتال في السودان بعدما احتجت الخرطوم على استضافتها مبعوثا من قوات الدعم السريع.
ويلعب جنوب السودان الذي استقل عن السودان عام 2011 دور وسيط عبر الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (ايغاد) في محاولة لتسوية النزاع بين قوات الدعم السريع وقوات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وأعلنت الخارجية السودانية في بيان نشر الخميس بأنها وجّهت "مذكرة احتجاج رسمية" لحكومة جوبا للتعبير عن "احتجاجها الشديد واستغرابها" لزيارة قام بها أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو هذا الأسبوع إلى جنوب السودان.
وأجرى يوسف عزت، مبعوث دقلو، محادثات مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ومسؤولين من "ايغاد" في جوبا الأربعاء ليؤكد في مؤتمر صحافي لاحقا بأن قوات الدعم السريع مستعدة للمشاركة في أي خطوة يقوم بها كير لتحقيق السلام في السودان.
وأجرى كير محادثات عدة مع البرهان ودقلو كما استضاف مبعوثا للبرهان في جوبا في الثامن من مايو/أيار.
وأفادت وزارة خارجية جنوب السودان في بيان الجمعة أنها "واصلت القيام بدورها في إطار ايغاد بحياد تام"، مضفية أن "فكرة الوساطة تستلزم مشاركة جميع الأطراف بالقدر نفسه".
وقال شهود إن أعمال النهب التي تقوم بها أعداد كبيرة من المسلحين والمدنيين على السواء تفاقم بؤس الحياة بالنسبة لسكان الخرطوم المحاصرين بسبب القتال المحتدم بين الجيش السوداني والقوات شبه العسكرية.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم الجمعة إن الصراع أدى إلى نزوح ما يقدر بنحو 843 ألف شخص داخل السودان وفرار حوالي 250 ألفا إلى الدول المجاورة.
وقال أحمد وهو شاب كان يشق طريقه عبر مدينة بحري إنه رأى على الطريق نحو 30 شاحنة عسكرية دمرتها الضربات الجوية. وأضاف أنه شاهد جثثا في كل مكان، بعضها لجنود من الجيش وبعضها لأفراد من قوات الدعم السريع وأن بعضها بدأ يتحلل واصفا الأمر بأنه مروع.
وتنتشر قوات الدعم السريع في المناطق السكنية في جزء كبير من الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان المجاورتين وهو ما يدفع الجيش إلى شن ضربات جوية على نحو شبه متواصل.
وقال شهود إن الجيش بدأ أيضا يضع حواجز على بعض الطرق في جنوب الخرطوم لإبقاء قوات الدعم السريع بعيدة عن قاعدة عسكرية مهمة هناك.
كما اندلع قتال في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور وإحدى أكبر مدن البلاد، لليوم الثاني بعد هدوء نسبي استمر لأسابيع.
وبدأت انفجارات نتيجة القصف المدفعي الثقيل في الصباح واستمرت طوال اليوم. وقال نشطاء محليون إن النيران اشتعلت في سوق محلية وإن المصابين واجهوا صعوبات في الوصول إلى المستشفيات. وأشاروا إلى أن عدد القتلى في أعمال العنف بلغ 18 شخصا على الأقل حتى أمس الخميس وفقا للإحصاءات المحلية.
وحصدت هجمات شنتها جماعات محلية واشتباكات لاحقة في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور أرواح المئات.
ومع نشوب القتال، انهار القانون والنظام وتفشت أعمال النهب لتطال منازل ومصانع وأسواق الذهب وبنوكا وسيارات وكنائس. ويتبادل طرفا الصراع الاتهامات في ذلك.
وأدى النقص السريع في مخزونات الغذاء والسيولة النقدية والضروريات الأخرى إلى حدوث الكثير من عمليات النهب والسلب.
وشكت سارة عبد العظيم (35 عاما) وهي موظفة حكومية في الخرطوم من غياب جهة تحمي المواطنين. وقالت "لا أحد يحمينا، لا توجد شرطة، ولا توجد دولة، الحرامية يهاجمون ويسرقون منازلنا وكل ما نملك". وقُتل نحو 705 أشخاص في الصراع وأصيب ما لا يقل عن 5287، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.