البغدادي من حلم المحاماة إلى متشدد يتزعم تنظيما إرهابيا

عملية عسكرية أميركية شمال سوريا تنهي مسيرة الرعب والموت التي قادها أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه في العام 2014 خليفة على المسلمين، متزعما تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
تصفية البغدادي ضربة قاصمة لتنظيم الدولة الإسلامية
موت البغدادي لا يعني نهاية داعش في ظل استمرار نشاط خلاياه النائمة

دمشق - قاد زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي الذي عاش في الظل، مسيرة الموت والترويع ضد الأقليات والشعوب، بعد أن اعتنق الفكر المتشدد ونصب نفسه خليفة على المسلمين باعتباره زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية التي تتحكم بمصائر سبعة ملايين شخص على مساحة تفوق 240 ألف كيلومتر مربع وتمتد بين سوريا والعراق.

وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقتل البغدادي، في عملية عسكرية استهدفت مخبأه بقرية باريشا بمحافظة إدلب السورية الليلة الماضية بمساعد قوات سوريا الديمقراطية التي أدلت بمعلومات مهمة للاستخبارات الاميركية.

وقال ترامب "إن البغدادي قتل بعد أن حُشر في نفق، وبعد أن فجر سترة ناسفة كان يرتديها، مشيرا إلى أن زعيم التنظيم الإرهابي قتل مع ثلاثة من أطفاله.

وهنأت فرنسا على لسان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي الولايات المتحدة على العملية التي قادت لمقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، مؤكدة على أن ذلك لا يمثل نهاية تنظيم الدولة الإسلامية.

وقالت بارلي على تويتر "البغدادي: تقاعد مبكر لإرهابي لكن ليس لتنظيمه". ومضت تقول "نواصل الحرب ضد الدولة الإسلامية مع شركائنا وسوف نتعامل مع الظروف الإقليمية الجديدة".

وبعدما أعلن نفسه "خليفة" في العام 2014 ودعا كل المسلمين في العالم إلى مبايعته، بقي في الأشهر الأخيرة قائدا لمسلحين مشتتين كانوا عاجزين على الأرجح هم أنفسهم عن معرفة مكان وجوده.

ونجا البغدادي الذي يعاني من مرض السكري من هجمات جوية عدة وأصيب مرة واحدة على الأقل، وسرت منذ العام 2014 شائعات كثيرة عن مقتله لم يتم تأكيدها، حتى أنه لقب أحيانا بـ"الشبح".

وأعلنت الاستخبارات العراقية في مطلع يوليو/تموز الماضي، عن مقتل نجل البغدادي حذيفة البدري في سوريا بثلاثة صواريخ موجهة روسية، أصابت المغارة التي كان بداخلها، لكن قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقاتل التنظيم في شرق سوريا، أكدت في مناسبات عدة عدم وجود أي معلومات عن وجود البغدادي في سوريا.

وذاع صيت الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة التي أعلنها البغدادي في يوليو/تموز 2014 على ربع مساحة العراق وسوريا، بفعل فظائع ارتكبها رجالها بحق أقليات دينية وهجمات دارت وقائعها في خمس قارات وروعت حتى المسلمين من أصحاب الفكر المعتدل.

وسلطت الإبادة الجماعية للطائفة اليزيدية التي تعد من أقدم الأديان في الشرق الأوسط الضوء على وحشية حكم البغدادي. فقد كان مصير آلاف الرجال الذبح على جبل سنجار موطن أسلاف اليزيديين في شمال غرب العراق وتعرضت النساء للقتل أو السبي. وتعرض أبناء طوائف دينية أخرى للأسر أو القتل أو الجلد.

وأثار التنظيم اشمئزازا عالميا بمشاهد قطع رؤوس رهائن من دول من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان.

وعرضت الولايات المتحدة جائزة قيمتها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه، وهو ذات المبلغ الذي عرضته للقبض على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وخليفته أيمن الظواهري.

وأدت ضربات جوية أميركية إلى مقتل معظم قيادات البغدادي بما في ذلك أبو عمر الشيشاني وأبو مسلم التركماني وأبو علي الأنباري وأبو سياف وكذلك أبو محمد العدناني المتحدث باسم التنظيم. كما سقط الآلاف من مقاتليه بين قتيل ومعتقل.

ولد البغدادي باسم إبراهيم عواد السامرائي في 1971 في الطوبجي إحدى المناطق الفقيرة في مدينة سامراء الواقعة إلى الشمال من العاصمة العراقية بغداد والتي حمل اسمها.

وكان من أفراد عائلته بعض الدعاة المتشددين من السلفيين الذين يعتبرون العديد من المذاهب الأخرى كفرا ويرون حرمانية في الأديان الأخرى.

وكان مولعا بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.

أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد قبل ان يصبح إماما في العاصمة العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين.

وتذكر الصحافية صوفيا عمارة في فيلم وثائقي أعدته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان "انطوائيا وغير واثق من نفسه".

وتشير عمارة إلى أن البغدادي "يعطي انطباعا بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب".

مسيرة زعيم داعش أبو بكر البغدادي
مسيرة زعيم داعش أبو بكر البغدادي

وانضم البغدادي لحركة التمرد السلفي في العام 2003 الذي قادت فيه الولايات المتحدة اجتياح العراق، وسقط في أيدي الأميركيين الذين أطلقوا سراحه بعد عام اعتقادا منهم أنه ليس سوى محرض على الاحتجاج المدني ولا يمثل تهديدا عسكريا.

ولم يلفت البغدادي أنظار العالم حتى الرابع من يوليو/تموز 2014، عندما صعد درجات المنبر في الجامع النوري العتيق القائم منذ مئات السنين، متشحا بعباءة سوداء خلال صلاة الجمعة ليعلن قيام دولة الخلافة.

وقال في مقطع مصور في تلك المناسبة "إن الله أمرنا أن نقاتل أعداءه". وقدم نفسه باعتباره "الخليفة إبراهيم أمير المؤمنين".

وتدفق آلاف المتطوعين على العراق وسوريا من مختلف أنحاء العالم لكي يصبحوا "جند الخليفة"، وانضموا إليه في حربه على الحكومة العراقية بقيادة الشيعة وعلى حلفائها الأميركيين والغربيين.

هل كانت الإدارة الأميركية على علم بأن الرجل الذي أطلقت صراحه بعد عام من اعتقاله سنة 2003 خلال اجتياحها العراق، بأنه سيصبح بعد سنوات مؤسسا لـ"دولة الخلافة"؟

وفي ذروة قوة تنظيم الدولة الإسلامية في 2016، حكم التنظيم الملايين في مساحة كبيرة تمتد من شمال سوريا عبر مدن وقرى في الواديين على امتداد نهري دجلة والفرات حتى مشارف العاصمة بغداد.

وأعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات ارتكبها إما أفراده أو آخرون يستلهمون أفكاره في عشرات المدن، بما في ذلك باريس ونيس وأورلاندو ومانشستر ولندن وبرلين وفي دول أخرى في المنطقة منها تركيا وإيران والسعودية ومصر.

وفي العراق شن التنظيم عشرات الهجمات على المناطق التي يغلب عليها الشيعة، وفي تفجير شاحنة ملغومة في يوليو/تموز 2016 سقط أكثر من 324 قتيلا في منطقة مزدحمة في بغداد، فيما كان أشد الهجمات دموية منذ غزو العراق عام 2003.

كما نفذ التنظيم العديد من التفجيرات في شمال شرق سوريا الذي كان يخضع لسيطرة قوات كردية تدعمها الولايات المتحدة.

ونُشرت أغلب خطب البغدادي كتسجيلات صوتية، فيما يمثل وسيلة أكثر ملائمة للطابع السري الحذر الذي ساعده لفترة طويلة، في تفادي المراقبة والضربات الجوية التي قتلت أكثر من 40 من كبار قادته.

واقترن هذا الحذر بقسوة لا تعرف الرحمة قضى بها على خصوم وحلفاء سابقين حتى في صفوف السلفيين. وشن حربا على الجناح السوري في تنظيم القاعدة الذي عرف باسم جبهة النصرة بعد انفصاله عن الظواهري الزعيم العالمي للتنظيم في 2013.

ومع هزيمة الدولة الإسلامية في معقلها الرئيسي بمدينة الموصل التي كان قد أعلنها عاصمة لدولة الخلافة في 2017، فقد التنظيم كل الأراضي التي كانت تحت سيطرته في العراق.

وفي سوريا فقد التنظيم أيضا سيطرته على الرقة عاصمته الثانية ومركز عملياته، ثم فقد في نهاية المطاف في وقت سابق من العام الجاري آخر مساحة من الأرض تحت سيطرته في المنطقة، عندما استردت قوات يقودها مقاتلون أكراد مدينة الباغوز بمساندة أميركية.

في حين حرم تدمير الكيان الشبيه بالدولة الذي أقامه البغدادي، التنظيم من أداة تجنيد الأنصار ومن القاعدة اللوجستية التي استطاع من خلالها تدريب المقاتلين والتخطيط لشن هجمات منسقة في الخارج، يعتقد أغلب الخبراء الأمنيين أن التنظيم لا يزال يمثل تهديدا من خلال العمليات أو الهجمات المدبرة في الخفاء.

ومن المعتقد أن التنظيم له خلايا نائمة في مختلف أنحاء العالم وأن بعض المقاتلين يعملون سرا في صحراء سوريا وفي مدن عراقية ولا يزالون يشنون هجمات كر وفر.

وفي أحدث رسائله الصوتية في سبتمبر/أيلول الماضي، تظاهر البغدادي بالشجاعة ورباطة الجأش قائلا "إن العمليات اليومية مستمرة"، وحث أتباعه على العمل على تحرير النساء السجينات في العراق وسوريا بسبب ما قيل عن صلاتهن بالتنظيم.

وأضاف "السجون السجون يا جنود الخلافة، إخوانكم وأخواتكم جدوا في استنقاذهم ودك الأسوار المكبلة لهم".

غير أن فقدان الأرض في العراق وسوريا جرده من بريق الخلافة، وجعله طريدا في المنطقة الصحراوية الحدودية بين البلدين.

واضطر البغدادي للتنقل سرا في سيارات عادية أو شاحنات الحاصلات الزراعية بين مخابئه على جانبي الحدود لا يرافقه سوى سائقه وحارسين.

وتعد المنطقة أرضا مطروقة لرجاله، فقد كانت بؤرة التمرد السني على القوات الأميركية في العراق في البداية، ثم على الحكومات العراقية التي حكمت البلاد بقيادة الشيعة.

وخوفا من تعرضه للاغتيال أو الخيانة لم يتمكن من استعمال الهواتف، ولم يكن يثق سوى في عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الأفراد للتواصل مع مساعديه العراقيين الرئيسيين إياد العبيدي وزير دفاعه وإياد الجميلي المسؤول عن الأمن.

وكان من المعتقد أن الاثنين من المرشحين المحتملين لخلافته غير أن الجميلي قتل في أبريل/نيسان 2017، بينما لا يعرف أحدا شيئا عن مكان العبيدي.

وعلى أي حال فإن الخلفية العسكرية والافتقار إلى التبحر في الدين، يعني أن أيا من نواب البغدادي سيواجه من بعده صعوبة في أن يرث إدعاءه بأحقيته في تولي الخلافة.