البوليساريو تتلقى صفعة بالأغلبية الساحقة في البرلمان الأوروبي

البرلمان الأوروبي يصادق بالأغلبية الساحقة على نص يوسّع الاتفاق التجاري مع المملكة ليشمل الصحراء المغربية، في خطوة نسفت حملة التضليل التي قادتها الجبهة الانفصالية.

موغيريني: الشراكة المغربية الأوروبية صامدة أمام كل الضربات
الرباط وبروكسل يدشنان مرحلة جديدة من الشراكة أوسع نطاقا وأكثر صلابة
توسيع الاتفاق التجاري ليشمل الصحراء المغربية يبدد افتراءات البوليساريو
دبلوماسية مغربية هادئة تقوّض حملة الأكاذيب التي قادتها البوليساريو
موغيريني: سنواجه كل من يريد أن يخلق أزمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي

الرباط/ستراسبورغ (فرنسا) - أضاف المغرب إلى رصيد انجازاته الدبلوماسية في مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، انتصارا جديدا قوّض حملة التضليل والتشويه التي قادتها جبهة البوليساريو الانفصالية، حيث صوّت البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء على نصّ يوسّع الاتفاق التجاري مع المملكة ليشمل الصحراء المغربية.

ونجحت الدبلوماسية المغربية الهادئة التي اعتمدها العاهل المغربي الملك محمد السادس على قاعدة الواقعية السياسية وتعزيز العلاقات مع الشركاء الأوروبيين والأفارقة أيضا، مرّة أخرى في إسقاط حسابات ومناورات البوليساريو ودفعت حملة التضليل والأكاذيب إلى قاع عميق لا قرار له.

وكان للمقاربة الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدها الملك محمد السادس في دفع التنمية بالأقاليم الصحراوية من خلال مشاريع ضخمة تستهدف تحويل الصحراء إلى قطب استثماري رائد بما يضمن توفيرا أكبر لفرص العمل وتحقيق تنمية مستدامة وتحسين ظروف سكان الأقاليم الجنوبية، دور لافت في ترسيخ قناعة الأوروبيين بشراكة أوسع مع المغرب لا تستثني الصحراء المغربية رغم حملة التشويه التي قادتها البوليساريو للتشويش على الجهود المغربية.

وقاد العاهل المغربي جهود الإصلاح والتنمية في أنحاء المغرب بما فيها أقاليم الجنوب. وقد أطلق مشاريع ضخمة تبشر بنقلة نوعية في الأقاليم الصحراوية تشمل تطوير البنية التحتية والخدمات والنهوض بالتنمية وتوفير فرص العمل للصحراويين.

ورصد المغرب من ميزانية الدولة مليارات الدولارات للرفع من مستوى عيش سكان الصحراء والعمل على خلق تحول عمراني مهم بالأقاليم الجنوبية عموما.وصادقت المملكة في 2018 على 68 مشروعا استثماريا بـقيمة تصل إلى 6.1 مليارات دولار، 29 بالمئة منها ستتم في إقليم الصحراء.

وتفند الجهود المغربية ما يروجه الخصوم حول استغلال المغرب لثروات تلك الأقاليم، فضلا عن محاولاتهم الحثيثة لعرقلة مسار المملكة لاستكمال تنمية الأقاليم الصحراوية، تناغما مع الإستراتيجية بعيدة المدى التي تتبناها الدولة في جعل المغرب قطبا اقتصاديا وثقافيا يربط بين أوروبا وإفريقيا لخدمة أبناء المغرب العربي عموما.

وتتمتع أقاليم الجنوب المغربي الآن بمرتبة متقدمة من حيث البنية التحتية، وتقوم الحكومة بجهود في محاربة البطالة وإدماج السكان في التنمية وتنويع مجالات الدخل.

العاهل المغربي الملك محمد السادس في جهود لا تهدأ لاحداث نقلة نوعية في الأقاليم الصحراوية
العاهل المغربي الملك محمد السادس في جهود لا تهدأ لاحداث نقلة نوعية في الأقاليم الصحراوية

ويشمل النص الذي صادق عليه البرلمان الأوروبي بالغالبية الساحقة، توسيع الرسوم الجمركية التفضيلية التي يستفيد منها المغرب بموجب اتفاق تجاري إلى الصحراء المغربية محل النزاع مع الكيان غير الشرعي المسمى البوليساريو، على الرغم من قرار سابق لمحكمة العدل الأوروبية يستثني مياه الصحراء المغربية من الاتفاق.

ويشكل تصويت البرلمان الأوروبي على توسيع الاتفاق التجاري ليشمل الصحراء المغربية ضربة قاصمة للجبهة الانفصالية التي قادت على مدى أشهر بدعم جزائري حملة في كواليس الاتحاد الأوروبي ضد المغرب لاستثناء الصحراء المغربية من الاتفاق.

كما يدشن قرار البرلمان الأوروبي مرحلة جديدة من العلاقات المغربية الأوروبية في مختلف المجالات ويدفع بقوة التعاون والشراكة الاقتصادية إلى افاق أرحب وأكثر متانة.

ويأتي تصويت البرلمان الأوروبي على توسيع الاتفاق التجاري بعيد رسالة تقدم بها المغرب إلى مجلس الأمني الدولي يثبت فيها بالبراهين القاطعة، انتهاكات واستفزازات البوليساريو في المنطقة العازلة المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يفترض فيه أن يلتقي أطراف النزاع مرة ثانية لاستكمال ما تم الاتفاق عليه في لقاء جنيف في العام الماضي وهي الاجتماع الذي شاركت فيه إلى جانب المغرب والبوليساريو، كل من الجزائر وموريتانيا.

ووقع المغرب والاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز من العام الماضي في الرباط على تجديد اتفاق الصيد البحري المنتهية صلاحيته في 14 تموز/يوليو 2018، على أن يدخل حيز التطبيق بعد المصادقة النهائية عليه من البرلمانين المغربي والأوروبي.

وأعلنت محكمة العدل الأوروبية في نهاية فبراير/شباط 2018 أن هذا الاتفاق "قابل للتطبيق على أراضي المملكة" ولا يشمل المياه المحاذية للمنطقة المتنازع عليها في الصحراء المغربية.

لكن المملكة رفضت رفضا قاطعا القرار في حينه، بينما أشادت به جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء المغربية مدعومة من الجزائر.

وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني التي وصلت مساء الأربعاء إلى الرباط إن التصويت على هذا النصّ يؤشر إلى "مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية" بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني في اجتماع مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني
فيديريكا موغيريني تؤكد على العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي

وحصل النص على 444 صوتا مقابل 167 صوتا معارضا. وبذلك، يكون النواب الأوروبيون الذين كانوا مجتمعين في ستراسبورغ، قد وافقوا على "تمديد التعريفات (الرسوم الجمركية) التفضيلية إلى أراضي الصحراء المغربية بعد توصل المفوضية الأوروبية والمغرب إلى اتفاق بشأن آلية تعقّب تسمح بتحديد مصدر المنتجات المصدرة انطلاقا من أراضي" المملكة، بحسب ما جاء في بيان البرلمان الأوروبي.

ويُفترض أن يصادق المجلس الأوروبي على هذا الاتفاق الخاص بمنتجات الزراعة والصيد البحري، كي يصبح نافذا.

وأوضحت موغيريني أن النص الذي تم التصويت عليه الأربعاء أتاح تعديل اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب ليشمل الصحراء المغربية والذي رفضته محكمة العدل الأوروبية في العام 2016.

وأكدت المسؤولة الأوروبية أن "الشراكة المغربية الأوروبية صامدة أمام كل الضربات، وستواجه كل من يريد أن يخلق أزمة بين المملكة والاتحاد".

واعتبرت أن مصادقة البرلمان الأوروبي بالأغلبية الساحقة على توسيع الاتفاق التجاري يتوج "50 عاما من التعاون بين المملكة والاتحاد الأوروبي في أفق الاشتغال لصالح القارة الإفريقية والمنطقة المتوسطية".

وتحدثت موغيريني عن اجتماع جنيف في نهاية العام الماضي حول الصحراء المغربية وهو الاجتماع الأول بين وفد عن المغرب والبوليساريو منذ 2012 وبحضور الجزائر وموريتانيا، وعن الاجتماع الثاني المرتقب برعاية الأمم المتحدة.

وقالت إن "الاتحاد الأوروبي ينظر بأمل كبير إلى اللقاء ويترقب الجلسة الثانية في الشهر المقبل"، مسجلة دعم الأوروبيين لمساعي الأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي هورست كولر.

وكان الأمر معقدا بما أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بسيادة المغرب على هذه الأراضي الصحراوية المتنازع عليها منذ رحيل المستعمرين الإسبان في منتصف سبعينات القرن الماضي.

وأعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال مؤتمر صحافي في الرباط بعد تصويت البرلمان الأوروبي على توسيع الاتفاق التجاري ليشمل الصحراء المغربية، أن المصادقة الأوروبية على الاتفاق "تُظهر أن المغرب يُعد شريكا هاما بالنسبة للاتحاد الأوروبي وبأن هذا الأخير يأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للمملكة".

واعتبر النواب الأوروبيون في قرار ملحق تم تبنيه بـ442 صوتا مؤيدا مقابل 172 صوتا معارضا، أن "الشعب الصحراوي لديه الحق في أن يتطوّر بانتظار حلّ سياسي".

وأضافوا أن الرسوم التفضيلية التي كانت حظيت بها الصحراء المغربية بين عامي 2013 و2016 كان "لديها تأثير إيجابي" على التنمية الاقتصادية وهو أمر يتحدث عنه الجانب المغربي دائما.

وتعليقا على تصويت البرلمان الأوروبي على توسيع الاتفاق التجاري ليشمل الصحراء المغربية، قال رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني اليوم الخميس، إن هذا تصويت وبالأغلبية الساحقة لصالح تجديد الاتفاق الزراعي "يعد سابقة لأنه سيؤثر إيجابا على عدد من الاتفاقيات الأخرى مستقبلا، في مقدمتها اتفاق الصيد البحري المتوقع توقيعه الشهر المقبل بين الطرفين".

 

وتابع في افتتاح اجتماع مجلس الحكومة بالرباط أن أهمية المصادقة الأوروبية على الاتفاق الزراعي مع المغرب "تتجلى في كون الاتفاق يدرج لأول مرة الأقاليم الصحراوية الجنوبية صراحة في الاتفاق لتكون لها التفضيلات نفسها التي تتمتع بها جميع أقاليم وجهات المملكة".

وأشاد العثماني بالجهود الدبلوماسية المغربية قائلا إن ثمرة تصويت البرلمان الأوروبي على توسيع الاتفاق التجاري جاءت "بعد نضال طويل يقارب سنتين وبطريقة تحافظ على الوحدة الوطنية الترابية للمملكة وعلى المصالح السياسية والاقتصادية الوطنية وهو ما يبين كيف أن المغرب لا يقبل المساومة والتراجع عندما يتعلق الأمر بسيادته الوطنية على مختلف أجزاء ترابه".

وأكد أيضا أن "المغرب لا يمكنه التوقيع أبدا على اتفاق لا يحترم سيادته الوطنية على كافة ترابه وهذا هو الدرس الأساسي الذي نستخلصه اليوم من هذه المعركة الطويلة ومن هذا النقاش القانوني والسياسي والمدارسة التقنية التي استمرت بين مختلف الوزارات والإدارات والجهات المعنية بين الطرفين للوصول إلى هذا الاتفاق".

وكانت جبهة البوليساريو قد دعت النواب الأوروبيين إلى التصويت ضدّ توسيع اتفاق الاتحاد الأوروبي والمغرب.

وأدانت مساء الأربعاء بشدة قرار البرلمان الأوروبي الذي وصفته بأنه قرار "غير قانوني وقصير النظر".

واعتبرت أن نتائج هذا التصويت تمثل "ضربة مباشرة ليس فقط للمدافعين عن حقوق الإنسان وللقانون الدولي ولكن أيضا لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة والتي يقول الاتحاد الأوروبي إنه يدعمها".

لكن ممارسات الجبهة الانفصالية على الأرض تنسف كل تلك الادعاءات فالمغرب الذي أبدى مرونة في حل الأزمة ودفع بشدّة نحو التسوية السلمية للنزاع، لم يبادر يوما بانتهاك الاتفاقيات الدولية وحافظ على هدوئه في مواجهة تصعيد الانفصاليين وخرقهم لاتفاق وقف إطلاق النار.

واعتمد على دبلوماسية هادئة ابتعدت على الضجيج الإعلامي دافعا لإنجاح الجهود الأممية للتسوية على نقيض حملة تضليل وادعاءات باطلة قادتها البوليساريو للتشويش على أي جهد يستهدف إنهاء النزاع في ملف الصحراء المغربية.

واستؤنفت المباحثات بين المغرب وجبهة البوليساريو في ديسمبر/كانون الأول 2018، وهي الأولى بينهما منذ 2012، واتفقا على اللقاء مجددا مطلع 2019 برعاية الأمم المتحدة.

وتتمسك المملكة المغربية بسيادتها على كامل أراضيها بما فيها الأقاليم الصحراوية، مؤكدة مرارا أن الصحراء جزء لا يتجزأ من ترابها وقد اقترحت حكما ذاتيا في الصحراء تحت سيادتها، لكن الجبهة الانفصالية تمسكت بإجراء استفتاء على تقرير المصير، مطالبة باستقلال الصحراء عن المغرب.