البوليساريو تستعد لمزيد التصعيد لتقويض الجهود الدبلوماسية

الدبلوماسية المغربية كشفت للعالم الفرق بين دولة تبني وتؤسس لتنمية مستدامة وللأمن والاستقرار في الصحراء وبين عصابة تعمل تحت غطاء جزائري على تخريب كل جهود التنمية والاستقرار.

الجزائر - ذكرت وسائل إعلام مقربة من جبهة البوليساريو الانفصالية أن الأخيرة تستعد لمرحلة جديدة من التصعيد بعد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة على مدينة السمارة والتي استهدفت مناطق سكنية تسببت إحداها في مقتل مواطن وإصابة آخرين بينما سقطت مقذوفات بالقرب من مقر البعثة الأممي للصحراء المغربية.

وأشارت المصادر ذاتها إلى اجتماع جرى الاثنين لما وصفته بقادة أركان الجيش في الكيان غير الشرعي يبدو أنه كان مخصصا لدراسة كيفية التشويش على الجهود الدبلوماسية الجارية للدفع بمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وهو المقترح الذي بات يحظى بدعم كبير دوليا وإقليميا باستثناء قلة لا تزال تتمسك بالطرح الانفصالي تحت عنوان "الحق في تقرير المصير" وهو طرح بدأ يتلاشى بالفعل.

و يأتي ذلك وسط شعور الانفصاليين بانحسار خياراتهم في مواجهة الحراك الدبلوماسي المغربي الذي استقطب بهدوء ورصانة اعترافات دولية وازنة بمغربية الصحراء وكشف للعالم الفرق بين دولة تبني وتؤسس لتنمية مستدامة وللأمن والاستقرار في الأقاليم الجنوبية وتعزز العدالة الاجتماعية للصحراويين في الأقاليم الجنوبية للمملكة وتربط جسور التعاون مع العمق الإفريقي لتحقيق نهضة شاملة، وبين عصابة تعمل تحت غطاء "شرعية" مفتعلة وواهية وفرتها لها الجزائر وفي جزء منها جنوب إفريقيا، على تخريب كل الجهود التنموية والسلمية.

وعلى اعتبار الهجمات الأخيرة التي شنتها البوليساريو وتبنت بعضها والتزمت الصمت حيال أخرى، كانت ذات طابع إرهابي وعلى ضوء دعوات شعبية ملحة في مدن الصحراء المغربية لتصنيف الجبهة تنظيما إرهابيا، لم تجد الميليشيات المدعومة من الجزائر سبيلا للفت الانتباه عن جهود حل النزاع سلميا إلا من خلال التصعيد والتخطيط لمرحلة جديدة من التصعيد.

ولا يبدو أن الأمر مفاجئا فالمؤتمر السادس عشر للجبهة الذي عقد قبل أشهر تحت رعاية الجزائر أمنيا وعسكريا لتجديد القيادة وتثبيت إبراهيم غالي على رأس التنظيم، كان قد رفع شعار ما سماه النضال والعودة للكفاح المسلح.

وتؤكد مصادر أن التخطيط للتصعيد بدأ قبل فترة في الغرف المغلقة لجنرالات الجيش الجزائري الذي ألقى بثقله في الدفع بإبراهيم غالي مجددا على رأس البوليساريو وقطع الطريق على معارضيه الرافضين لنهجه والمطالبين بكشف حساب عن سنوات من نهب أموال المساعدات الدولية المخصصة لسكان مخيمات تندوف.

وتبدو الهجمات الأخيرة على مدينة السمارة الهادئة نتاج تلك المخططات والتي نوقشت كذلك خلال الاجتماع الأخير لما يسمى قيادة أركان جيش الجمهورية الصحراوية الكيان غير الشرعي غير المعترف به دوليا.

وتقول المصادر المطلعة على تفكير البوليساريو إن الجبهة تريد إيهام أنصارها بأنها قادرة على الفعل من خلال هجماتها الأخيرة وفي نفس الوقت تسعى لإبقاء ضجيج النزاع متقدا لجهة لفت انتباه الرأي العام الدولي للقضية الوهمية في مواجهة اعترافات متواترة بمغربية الصحراء وميلا بقناعة يزداد قوة لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وبقدر ما شكلت هجمات البوليساريو الأخيرة في توقيتها محاولة للتشويش على جهود إنهاء النزاع المفتعل بقدر ما كانت محاولات استفزازية لجر المغرب الذي اختار الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تسعينات القرن الماضي، إلى ردّ يعيد خلط الأوراق ويكسر حلقات التواصل الدبلوماسي في قضية الصحراء.

لكن القوات المغربية رغم قدرتها على ردّ مؤلم، اختارت ضبط النفس وفسح المجال للدبلوماسية لفضح انتهاكات جبهة البوليساريو والتي ذهبت بعيدا هذه المرة من محيط مغلق في مخيمات تندوف ووراء أسوارها، إلى استهداف المدنيين في السمارة.

وتعامل المغرب مع استفزازات البوليساريو بحنكة سلطت الضوء على ما بات يتمتع به من قدرة على إدارة ملف النزاع ضمن أطر القانون الدولي وهو ما أتاح لكثير من دول العالم كانت تتبنى روايات مغلوطة سوقت لها الجبهة في السنوات الماضية، اكتشاف حقيقة التنظيم الانفصالي وطبيعته الإرهابية التي حاول التغطية عليها بما يسميه "حق تقرير المصير".

وجسد إعلان السلطات المغربية فتح تحقيق في هجمات 28 أكتوبر الماضي على مدينة السمارة، حكمة الدولة في التعاطي مع الاعتداءات في انتظار الإعلان عن النتائج ورفع تقرير مفصل للأمم المتحدة بالتزامن مع تحقيق البعثة الأممية للصحراء (مينورسو) في الهجومين الأخيرين وكان أحدهما بالقرب من مقرها في السمارة.

وسبق لممثلين عن البعثة أن حضروا لموقع الهجوم الأول على مناطق سكنية في السمارة الذي قتل فيه مواطن وأصيب فيه آخرون.

ولم يعلن المغرب إلى حد الآن عن كيفية الرد على اعتداءات البوليساريو الإرهابية لكنه يحتفظ بحقه الذي يكفله له القانون الدولي.

وترجح مصادر متابعة لملف النزاع في الصحراء أن تسلك السلطات المغربية مسارا موازيا للجهود الدبلوماسية القائمة وقد تذهب إلى المطالبة بتصنيف الجبهة تنظيما إرهابيا وهو مطلب آن أوانه بعد عقود من انتهاكات الميليشيات الانفصالية.

ويبدو ملحا في الظرفية الراهنة العمل على إعادة فتح ملف القادة الإرهابيين من البوليساريو الذين التحقوا بتنظيمات متطرفة ممثلة في جماعات متفرعة عن تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في منطقة الساحل الإفريقي.

وسبق لتقارير غربية أن تحدثت عن مخاطر التطرف في مخيمات تندوف التي نشأت بفعل الشعور بالتهميش والفقر والمحسوبية والمعاناة والتي دفعت بالعديد من الصحراويين من سكان المخيم وحتى من منتسبين للبوليساريو للالتحاق بجماعات متشددة أو انخرطت في الجريمة المنظمة.