البيئة العربية تحبط المواهب

علينا ألّا نخدع أنفسنا ونثق بالحكومات العربية كثيرا بأنها تهتم بالمواهب مثلما تهتم بمصالح الوزراء الشخصية. هذا سبب لضياع المواهب لدينا إثر الفشل المستمر في اكتشافها والاهتمام بها.
ضياع المواهب في العالم العربي

علينا ألّا نخدع أنفسنا ونثق بالحكومات العربية كثيرا بأنها تهتم بالمواهب مثلما تهتم بمصالح الوزراء الشخصية. هذا سبب لضياع المواهب لدينا إثر الفشل المستمر في اكتشافها والاهتمام بها.

لدي زميل اكتشف أن ابنته التي لم تكمل دراستها الابتدائية شاعرة باللغة الإنكليزية وبعد أقل من سنة من انتقال أسرته إلى العيش في لندن.

حقيقة الأمر لم تكشف الأسرة شاعرية الطفلة، بل إن مدرستها الابتدائية والصحيفة المحلية في المنطقة نشرتا تقريرا موسعا عن الإلهام التعبيري الذي يكتنفها، ثمة أمل في أن تكون هذه الطفلة العربية امتدادا لوليم بليك أو تي أس إليوت.

ووقفت مبهورا بفتى تونسي لم يكمل دراسته المتوسطة بعد، وقد جمع معلومات مثيرة عن أنواع الطائرات وحجمها ومحركاتها والخطوط الجوية التي تمتلكها، يتحدث مثل أي عارف درس الطيران المدني، مع أنه لم يضع قدمه من قبل على سلم أي طائرة، وحلمه بارتقاء ايرباص 380 والسفر بها ولو في رحلة داخلية ما زال بعيد المنال.

هذا الفتى المجنون بالطائرات يعيش مع أمه بعد طلاقها، وهي عاجزة عن أن توفّر له رحلة داخلية، وغير مقدّرة لشغفه بالطيران.

أين ستذهب موهبته؟ لا حكومة بلده ولا أسرته الموزعة تمتلكان إجابة عن هذا السؤال، وهكذا علينا الاعتراف بأن مثل هذه المواهب ضائعة في غالبية بلداننا العربية.

أمتلك مثالا مهما على “مزاعمي المتشائمة” بقتل المواهب في بلداننا، وأترك لكم القياس عليه، فَفِي العام المقبل ستكمل ابنة راقصة عراقية مشهورة دراسة الدكتوراه في الخلايا الجذعية من جامعة شيفيلد البريطانية.

هذه الفتاة التي تركت العراق مع أمها منذ تسعينات القرن الماضي تتقن بطلاقةٍ الحديثَ بثلاث لغات ولم تقبل في كلية الطب في واحدة من أهم الجامعات البريطانية إلا بعد اختبار صارم، وها هي تمضي باتجاه الحصول على أعلى الشهادات الجامعية.

علينا أن نتخيل هنا ماذا سيكون مستقبلها إن بقيت ابنة الراقصة في العراق تعيش تحت وطأة الرثاثة الاجتماعية والدينية، لا عليك من التعليم المتردي هناك!! هل كانت الحكومة الفاسدة قادرة على اكتشاف أن ابنة الراقصة مشروع لطبيبة متميزة وربما عالمة في الخلايا الجذعية؟ لست وحدي من يشك في ذلك!

أمتلك مثالا آخر لابن زميل يعيش في الأردن، هذا الفتى تعرف على معهد غوتة في عمان، فانبهر باللغة الألمانية وأصر على تعلمها بمفرده، فعل ذلك في وقت قياسي، وعندما اُختبر من قبل أساتذة المعهد الألمان، حصلت المفاجأة بموهبة هذا الصبي العراقي الذي لم يولد في بلده، فتم الحصول له على منحة دراسية في جامعة ألمانية لدراسة الطب، وهو اليوم هناك في سنته الجامعية الثانية.

هل يستحق الأمر أن أعيد نفس السؤال عما ينتظر موهبته لو كان في العراق؟

بلا شك نشعر بالفخر للمواهب التي تبرز في بلداننا برغم كل الصعوبات، لا نفقد الأمل في أن كل شخص هو إستراتيجي، وكل شخص هو استباقي. لكن علينا ألا نخدع أنفسنا بشأن مواهب أبنائنا الضائعة.