التجربة السوريّة لا تنفع في أوكرانيا

بدل الاتيان بقائد جديد يتابع الحملة العسكريّة في أوكرانيا، كان من الأفضل لبوتين الاعتراف بأنّ حساباته كانت خاطئة منذ البداية.
سيؤكّد التاريخ أنّ روسيا فشلت في سوريا ولا فائدة من نقل الجنرال دفورنيكوف إلى أوكرانيا
بوتين يتجاهل بكل بساطة أنّ أوكرانيا في أوروبا

نقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائد القوات الروسيّة في سوريا الكسندر دفورنيكوف ليدير المعارك التي يخوضها جيشه في أوكرانيا. لا يبشّر ذلك بالخير بمقدار ما انّه يشير إلى أن الحملة العسكريّة الروسية في أوكرانيا تواجه صعوبات كبيرة من جهة وان الحاجة إلى اعتماد تكتيكات مختلفة، ليست بالضرورة عسكريّة، من جهة أخرى.

من هنا، يمكن التساؤل هل تنفع التكتيكات التي اعتمدها دفورنيكوف في سوريا... في أوكرانيا؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يخفي سؤالا آخر. السؤال الآخر هل نجح الجنرال الروسي في سوريا، حيث اعتمد سياسة الأرض المحروقة، كي يكون هناك ما يقدّمه في أوكرانيا؟

قبل كلّ شيء لا يمكن للتجربة السورية النجاح في أوكرانيا. لا يمكن اجراء أي مقارنة بين سوريا وأوكرانيا. يعود ذلك إلى ان الولايات المتحدة وأوروبا كانتا في موقف المتفرّج على ما يدور في سوريا. لم يهتم العالم الغربي بتشريد ملايين السوريين في داخل سوريا وخارجها وتجاهل باراك أوباما صيف العام 2013 لجوء بشّار الأسد إلى السلاح الكيميائي في حربه على شعبه، وهي حرب ذات بعد مذهبي دفعت "الجمهوريّة الاسلاميّة" في ايران إلى القاء كلّ ثقلها إلى جانب النظام الاقلّوي السوري.

لم يعر العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، أيّ اهمّية للتدخّل الروسي المباشر في الحرب على الشعب السوري ابتداء من أيلول – سبتمبر 2015. على العكس من ذلك، راحت اميركا تتفرّج على القصف الروسي للأحياء المدنية والمدارس والمستشفيات السورية في وقت كان بشّار الأسد يستعيض عن السلاح الكيميائي بالبراميل المتفجرّة لترهيب السوريين. كانت حجته انّه يواجه "إرهابيين" في حين تثبت الوقائع انّ النظام السوري تولّى، بالتفاهم مع ايران والتنسيق معها، الافراج عن عشرات الإرهابيين الذين كانوا في السجون السوريّة والذين لعبوا دورا في قيام "داعش"!

ليس سرّا ان أوكرانيا مختلفة عن سوريا. لم يكن ارسال قوات روسيّة وقاذفات إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية موضع اهتمام أحد باستثناء ايران. لا يهمّ اميركا وأوروبا هل يحيا المواطنون السوريون أو يموتون... أو يتشردون في مختلف انحاء العالم... أو ينتقلون للعيش في منطقة أخرى في الداخل السوري كي تتابع ايران مع ميليشياتها المذهبيّة عملية تطهير ذات طابع مذهبي لمناطق معيّنة، خصوصا تنلك المحاذية للحدود اللبنانيّة.

سيؤكّد التاريخ أنّ روسيا فشلت في سوريا ولا فائدة من نقل الجنرال دفورنيكوف إلى أوكرانيا بغية الاستفادة من خبراته في التدمير. اعطى دفورنيكوف فكرة عمّا يستطيع عمله عندما قصفت القوات الروسيّة محطة للقطارات قبل ايّام قليلة في كراماتوسك شرق أوكرانيا وقتلت ما لا يقلّ عن خمسين شخصا وجرحت المئات. الأكيد أنّ القائد الجديد للقوات الروسيّة في أوكرانيا سيرتكب مزيدا من الجرائم على نسق تلك التي ارتكبت في اثناء انسحاب القوات الروسية من مدينة بوتشا التي تبعد نحو أربعين كيلومترا عن كييف. سيرتكب مثل هذا النوع من الجرائم كي يثبت للرئيس الروسي ان الوسائل المعتمدة في سوريا تصلح في كلّ مكان وزمان...

لكنّ ثمّة امرا في غاية الاهمّية يتجاهله فلاديمير بوتين. إنّه يتجاهل بكل بساطة أنّ أوكرانيا في أوروبا وحرب أوكرانيا هي الحرب الأولى التي تشهدها القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالميّة الثانيّة في العام 1945. الأكيد أنّه لا يمكن تجاهل الحروب التي نجمت عن انفجار يوغوسلافيا من داخل مطلع تسعينات القرن الماضي، لكنّ الأكيد أيضا ان الحروب الداخليّة اليوغوسلافيّة لم تهدّد أي دولة أوروبية، كما الحال الآن، وقد امكن احتواء هذه الحروب وتفكيك يوغوسلافيا وتقسيمها إلى دول عدّة تتمتّع كلّ منها باستقلالها.

مع الحملة العسكريّة التي شنّها فلاديمير بوتين على أوكرانيا، باتت كلّ دولة اوروبيّة تشعر بانّها مهدّدة. دولة مثل السويد بدأت تفكّر في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) ودولة مثل المانيا لا تفكّر حاليا سوى بكيفيّة إعادة بناء جيش قويّ والاستغناء عن الغاز الروسي.

يمكن للجنرال دفورنيكوف ان تكون له حاجة في سوريا... في سياق خدمة "الجمهوريّة الاسلاميّة". في أوكرانيا، يبدو الموضوع مختلفا كلّيا. ليست المواجهة مع أوكرانيا سوى مواجهة مع أوروبا في حين كانت المواجهة في سوريا مع شعب اعزل لا يوجد من يهتمّ به. كانت تركيا بين أوّل المتخلّين عن الشعب السوري بعدما ضغط عليها فلاديمير بوتين من زوايا عدّة من بينها زاوية السيّاح الروس.

يظلّ السؤال المطروح في نهاية المطاف هل نجحت روسيا في سوريا كي تستعيد تجربتها في أوكرانيا؟ الجواب بكلّ بساطة ان فلاديمير بوتين فشل في سوريا. كله ما فعله انّه وضع نفسه في خدمة مشروع إيراني لا افق له باستثناء تغيير طبيعة سوريا.

يتجاهل الرئيس الروسي ان سوريا التي عرفناها لم تعد قائمة... وأنّ الثروات السورية، من زراعة ونفط وغاز ومياه، موجودة في معظمها في شمال شرق البلد حيث ترابط القوات الاميركيّة وحيث الاكراد.

بدل الاتيان بقائد جديد يتابع الحملة العسكريّة في أوكرانيا، كان من الأفضل لبوتين الاعتراف بأنّ حساباته كانت خاطئة منذ البداية، خصوصا في ما يخص ثلاث نقاط: سوء تقدير منه للوضع الاوكراني عموما بما في ذلك الشعور الوطني لدى الاوكرانيين أوّلا، سوء تقدير لقدرة القوات الاوكرانيّة على المقاومة ونوع الأسلحة التي تمتلكها ثانيا، سوء تقدير لردّ الفعل الأوروبي والأميركي ثالثا. لم يتردّد الرئيس جو بايدن في وصف بوتين بأنّه "مجرم حرب". ذهب إلى أبعد في التصعيد عندما اتّهمه حديثا بارتكاب "مجازر" و"إبادة جماعيّة".

غيّر الرئيس الروسي خطته الاوكرانيّة كلّيا في ضوء العجز عن احتلال كييف. بات التركيز على اقتطاع شرق أوكرانيا وفصله عنها. حسنا، استطاع ذلك يوما. كيف استثمار هذا الانتصار في عالم صار يتعاطى مع بوتين كشخص منبوذ ومع روسيا كدولة مارقة لم يعد امامها سوى الارتماء في الحضن الصيني إرتماء كلّيا في احسن الأحوال.