التحقيقات في انفجار بيروت تدخل متاهة جديدة بعد يوم من عودة البيطار

النيابة العامة التمييزية ترفض كافة قرارات البيطار بما فيها استئنافه للتحقيق في انفجار المرفأ.
النيابة العامة اللبنانية تتصدى لقرار البيطار باستئناف التحقيق
توقعات بتدخلات وضغط سياسي لعرقلة التحقيق وإعادته إلى نقطة الصفر

 بيروت - تفتح خصومات ناشئة في الهيكل القضائي اللبناني بين المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار الذي استأنف لتوه التحقيقات بعد عام من التجميد بسبب التدخلات السياسية وشكاوى ضدّه من المدعى عليهم، وبين النائب العام التمييزي غسان عويدات، الباب لأزمة جديدة من رحم أزمة كامنة تاهت معها حقيقة انفجار المرفأ.

 وادعى البيطار على أربعة قضاة بينهم النائب العام التمييزي في إجراء غير مسبوق رفضته النيابة العامة التمييزية ووجهت له اليوم الثلاثاء كتابا جاء فيه "نؤكد أن يدكم مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض ردكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم" وبذلك تكون قد رفضت جميع قراراته بما فيها استئنافه للتحقيق.

ورغم عشرات الدعاوى التي علّقت تحقيقاته منذ أكثر من عام استأنف القاضي طارق بيطار الاثنين تحقيقاته في الانفجار وحدّد مواعيد لاستجواب 13 شخصا في الفترة الممتدة بين 6 شباط/فبراير و22 من الشهر ذاته، في إطار دعاوى حقّ عام "بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي".

وأفادت مصادر قضائية لبنانية بأن البيطار اتهم رئيس الوزراء السابق حسان دياب ووزيرين سابقين بـ"القتل على القصد الاحتمالي".  

وكشف مسؤولون بالقضاء أن قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وجه تهما أيضا إلى اللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام واللواء طوني صليبا المدير العام لأمن الدولة بالإضافة إلى قائد الجيش السابق جان قهوجي ولم تتبين بعد طبيعة الاتهامات كما قرر إخلاء سبيل خمسة موقوفين منذ الانفجار ومنعهم من السفر بينهم عامل سوري ومسؤولان سابقان في المرفأ هما مديرا الجمارك والعمليات.

وتسببت مئات الأطنان من نترات الأمونيوم في الانفجار الهائل الذي وقع في الرابع من أغسطس/آب 2020 وكانت المادة الكيميائية مخزنة في المرفأ في ظروف سيئة منذ نزول حمولتها في المرفأ عام 2013 وبقي التحقيق عالقا ولم توجه إلى أي مسؤول كبير في الدولة مسؤولية الانفجار رغم أن معلومات أشارت إلى أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا.

وكان البيطار قد جمعه لقاء مع قضاة فرنسيين زاروا بيروت الأسبوع الماضي في إطار تحقيق فرنسي في الانفجار الذي كان من بين ضحاياه مواطنان فرنسيان ولم يتمكن من إطلاعهم على مستجدات التحقيق مؤكدا أن يده رفعت عن الملف.

وفي تعليق على استئناف التحقيق قال المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل لصحافيين "هذا الثوب القضائي الذي يفترض أن يكون أبيض اللون، للأسف تعرض للكثير من النقاط السوداء، أحدها ما جرى قضائياً في ملف المرفأ" وعنونت صحيفة "الأخبار" المحلية القريبة من الجماعة الشيعية مقالها الثلاثاء حول استئناف التحقيقات بعنوان جاء فيه "طارق بيطار جُن".

وكتبت "يجب انتظار مفاعيل الخطوة لاحقاً، فإما أن ينفجر الملف مجددا وإما أن تكون خطوة البيطار مجرد قنبلة دخانية"، معتبرة أن قرار الاسئناف جاء "بقوة إسناد قضائي أوروبي وأوامر أميركية".

وجدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس مطالبة السلطات اللبنانية بتحقيق "سريع وشفاف". وقال في إيجاز صحافي ليل الاثنين "ضحايا انفجار أغسطس/آب 2020 يستحقون العدالة. ويتعيّن أن يحاسب المسؤولون عنه".

واحتج أهالي الضحايا ومنظمات حقوقية ضد محاولات عرقلة الوصول إلى العدالة في انفجار صنف من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم وأسفر عن مقتل 215 شخصا على الأقلّ وإصابة 6500 آخرين.

ونجح السياسيون الذين سعى البيطار إلى استجوابهم بما فيهم حلفاء حزب الله في عرقلة القضية بعد تقديمهم لعشرات الطعون القانونية للاعتراض على حق القاضي في التحقيق معهم وقالوا إنه تجاوز سلطاته وشنت عليه الجماعة الشيعية حملة واتهمت واشنطن بالتدخل في سير التحقيق وطالب زعيمها حسن نصر الله باستبدال البيطار. 

ولعبت جهات عدة دورا هاما في عرقلة التحقيق بما فيها البرلمان السابق الذي رفض رفع الحصانة عن نواب شغلوا مناصب وزارية كما امتنع مسؤولون عن منح بيطار الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين تحت سلطتهم ورفضت قوى الأمن تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها البيطار.

وقال المحامي نزار صاغية المدير التنفيذي للمفكرة القانونية وهي منظمة غير قانونية تعنى بشرح القوانين لفرانس برس إن "ما يحصل الآن هو أن هناك قاضيا يتحدى سياسة الإفلات من العقوبات"، مضيفا أن "بيطار أجرى مراجعة قانونية تخوّله استئناف التحقيق، ما سيحدث جدلا قانونيا واسعا من دون شك، وستكون هناك تدخلات وضغط سياسي بالطبع ولا شك أنه ستستخدم ضده الآن وسائل سياسية وقانونية كثيرة لوقف عمله".

واستبشر أهالي ضحايا الانفجار الذين نفذوا مؤخرا وقفات احتجاجية واعتصامات باستئناف البيطار للتحقيق، مؤكدين أنه الوحيد الذي بمقدوره محاسبة المتورطين وكشف الحقيقة، فيما لا يخفي البعض تشاؤمه على خلفية تفشي ثقافة الإفلات من العقاب والحصانة التي يحظى بها كبار المسؤولين في بلد يحفل تاريخه بالانفجارات وملفات الفساد.