التدخل التركي في سوريا يخرج برلين عن حيادها في المنطقة

برلين تقترح للمرة الأولى مهمة عسكرية في الشرق الأوسط، حيث طالبت بإنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا تخضع لسيطرة دولية بمشاركة تركيا وروسيا.
دعم روسيا لنظام دمشق أهم عقبة أمام أي تدويل لحل النزاع
اقتراح ألماني بنشر بين 30 ألف إلى40 ألف جندي من دول أوروبا على الحدود
برلين لم تعد تثق في الحليف الأميركي لحماية أوروبا
كابوس موجة هجرة جديدة يؤرق أوروبا المتوجسة من تسلل الإرهاب

برلين - قالت مصادر سياسية أوروبية إن المقترح الألماني لإقامة منطقة آمنة دولية شمال سوريا يشكل تحولا لافتاً في موقف ألمانيا والاتحاد الأوروبي حيال الأزمة في سوريا.

وأضاف هؤلاء أن الاقتراح المفاجئ الذي تقدمت به وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارنباور لم يأت من فراغ، بل حصيلة مداولات أوروبية أوروبية تسعى للتحرك أوروبي ذاتي التوجه لحماية أوروبا من تداعيات استمرار الأزمة في سوريا.

وما زال الأمر يثير جدلاً داخل ألمانيا نفسها بما يؤشر إلى توجهات تروج في برلين لدفع ألمانيا لتكون أكثر حيوية في الانخراط العسكري المباشر داخل المناطق الساخنة في العالم.

وقال وزير خارجية ألمانيا إن هناك عقبات كبيرة لتدويل حل الأزمة وأن دعوة كرامب-كارنباور أثارت "درجة من الانزعاج بين حلفاء ألمانيا".

ونقل عن مصادر في وزارة الدفاع الألمانية، الأربعاء، أن وزيرة الدفاع الألمانية تريد أن تطلب موافقة مجلس الأمن الدولي على إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا.

ونقل عن مسؤولين أوروبيين أن الاقتراح يحرك مياه ساكنة متعلقة بغياب الفعل الأوروبي المباشر عما هو شأن يمس الأمن الجماعي لدول الاتحاد الأوروبي، وأن موقف روسيا المتمهل في اتخاذ موقف من مبادرة برلين، يعكس مصلحة تراها موسكو مؤاتية في دفع الأوروبيين للانخراط داخل الملف السوري، أملاً في إقناع العواصم الأوربية في الأفراج عن المساهمات المالية الضرورية لإعادة اعمار سوريا والانخراط في ورشة كبرى لإعادة اللاجئين.

وأعلن المندوب الأميركي لدى الناتو أن الاقتراح الألماني لإنشاء قوة سلام دولية في شمال سوريا اقتراح بناء، داعيا إلى إجراء تحقيق دولي في جرائم حرب مزعومة ارتكبت بشمال سوريا.

وأكدت كرامب-كارنباور الثلاثاء، على ضرورة توافر فرص معيشية حقيقية للأكراد في منطقة الحماية الدولية التي اقترحت إنشاءها في شمال سوريا.

وطالبت السياسية التي تولت زعامة الحزب المسيحي الديمقراطي خلفا للمستشارة ميركل، بتمكين اللاجئين من العودة وفي نفس الوقت منع تركيا من "بدء برنامج كبير لإعادة التوطين".

التخبط الأميركي في مقاربة شؤون المنطقة والتموقع الروسي في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، يجبر الأوروبيين على حماية مصالحهم بأنفسهم

ورغم أن مراقبين في بروكسل يجدون صعوبة في إقناع تركيا في نشر حوالي 40 ألف جندي أوروبي على حدودها ولا يرون علامات كافية تكشف احتمالات موافقة موسكو على وجود غربي شرعي داخل سوريا، إلا أن آخرين رأوا أن الجانب المالي للمشروع الألماني قد يكون المدخل الحقيقي للقبول بوجود أوروبي كشرط من شروط انخراط دول الاتحاد الأوروبي في تمويل التسوية التي تشرف روسيا على إنتاجها لإنهاء الحرب في سوريا.

وكشف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن تلك الدعوة أثارت "درجة من الانزعاج بين حلفاء ألمانيا في حلف شمال الأطلسي". ويمثل ماس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حليف ميركل الأصغر في الائتلاف، بينما تمثل كرامب-كارنباور الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ، الذي تنتمي إليه المستشارة.

ورأى ماس أن التدخل العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، وكذلك دعم روسيا لنظام دمشق، يعني "وجود عقبات كبيرة أمام أي تدويل لحل النزاع".

وأضاف الوزير الاشتراكي أن برلين "تشارك في الوقت الحالي في الجهود المبذولة لحل النزاع" بالوسائل "الدبلوماسية والإنسانية".

وتأتي الجهود الألمانية تزامنا مع انتهاء التفويض الذي كان قدمه البرلمان للجيش الألماني لمواصلة مهامه في الحرب على داعش في سوريا والعراق، أول أمس الاثنين، وهو ما دعا قادة الحزب المسيحي الديمقراطي وشريكه الحزب الاشتراكي على التوجه إلى البرلمان بهدف الحصول على تفويض جديد لاستئناف المهمة.

وتضيف نفس المصادر أن التطورات الأخيرة المفاجئة منذ الاتصال الهاتفي بين ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي أسس للهجوم التركي شمال شرق سوريا، تملي على الأوروبيين المسارعة في اتخاذ قرارات أوروبية لحماية القارة العجوز بمعزل عن الاستراتيجيات الأميركية والأجندة الانتخابية لساكن البيت الأبيض.

وتسعى ألمانيا لإقناع الدول الأساسية في الاتحاد الأوروبي بالتعامل مع مبادرة وزيرة الدفاع الألمانية لرد الخطر الذي تتعرض له أوروبا مباشرة بسبب الحرب المندلعة في سوريا.

برلين تسعى لقطع الطريق امام استفراد موسكو وأنقرة بسوريا
برلين تسعى لقطع الطريق امام استفراد موسكو وأنقرة بسوريا

وعلى الرغم من أن باريس ما زالت صامتة حيال المشروع الألماني، إلا أن مصادر قريبة من وزارة الخارجية الفرنسية قالت إن باريس تتفهم الحوافز الألمانية وستعمل مع برلين على بلورة تصور أوروبي مشترك يجعل من الاتحاد رقماً أساسيا وصعباً للخروج بالتسوية المنتظرة في سوريا.

وتحذر بعض التيارات الأوروبية العاملة في الشؤون الاستراتيجية من أن بلدان الاتحاد الأوروبي أمام تحد كبير جراء انسحاب الولايات المتحدة الجزئي من سوريا، وتعتبر أن للأمر تداعيات خطيرة على فعالية الحرب الدولية ضد الإرهاب. 

وترى مراجع عسكرية أوروبية أن تخلي واشنطن عن حلفائها الأكراد شمال شرق سوريا يكشف تخبطاً أميركياً في مقاربة شؤون المنطقة كما شؤون مكافحة تنظيم داعش كما التموضع السليم في مواجهة التقدم الذي تحرزه روسيا بقيادة فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.

ويعتبر مراقبون في برلين أن أوروبا وخصوصا ألمانيا دفعت ثمناً باهظاً جراء عبور ملايين اللاجئين حدود أوروبا ما أحدث زلزالا اجتماعيا وسياسيا ما زال يهز أركان النظم الديمقراطية في أوروبا.

ويرى هؤلاء أن تواكب ذلك مع تصاعد الهجمات الإرهابية داخل المدن والعواصم الأوروبية رفع من رصيد اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية داخل دول الاتحاد. 

ويضيف المراقبون أن سياسة الارتباك والانكفاء التي انتهجتها واشنطن منذ إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم تتغير مع الإدارة الحالية في واشنطن، وأن سحب القوات الأميركية من سوريا دليل جديد على وجوب عدم التعويل على الحليف الأميركي لحماية أوروبا.

وتؤكد مصادر أوروبية مطلعة في بروكسل أن هناك جهودا كبيرة يجب أن تبذل لإقناع الأوروبيين بضرورة التدخل المباشر لوقف المأساة في سوريا والتسويق بعد ذلك للأمر داخل المجتمع الدولي.

وتضيف المصادر أن على أوروبا أن تسرع للتصدي لعودة تنظيم داعش إلى النشاط بما يشكل خطرا حقيقيا وآنيا مباشراً على الأمن الأوروبي، وأن عليها أن تساهم في الدفع بشروط جديدة تعيد شيئا من التوازن الدولي إلى قواعد الحل في سوريا على نحو يوقف خطر الهجرة ويضع حدا لمهزلة الابتزاز الذي يمارسه أردوغان بتهديده الأوروبيين بورقة اللاجئين.