الترويكا المعنية بالسودان لن تدعم رئيسا للوزراء يُعينه البرهان

شوارع الخرطوم ومدن أخرى تتحول إلى ساحات كرّ وفرّ بين قوات الأمن وآلاف من المحتجين المطالبين بسقوط مجلس السيادة بقيادة عبدالفتاح البرهان.
آلاف السودانيين يتظاهرون من جديد ضد الحكم العسكري
البرهان يجري مباحثات مع القائم بأعمال السفير الأميركي في السودان
استقالة حمدوك تعيد خلط الأوراق في السودان

واشنطن/الخرطوم - بدأت الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على قيادة الجيش في السودان للتراجع عن قرارات أبعدت الشركاء المدنيين من قيادة المرحلة الانتقالية وذلك بعد أن وصف الموقف الأميركي من الانقلاب العسكري الذي نفذه رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وما تلاها من قرارات وتدابير أمنية وعسكرية، بأنه موقف لا يرقى إلى مستوى الخطر الذي يهدد الديمقراطية الناشئة في السودان.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس اليوم الثلاثاء إنه يجب أن يكون هناك انتقال يقوده مدنيون في السودان وسط احتجاجات في البلاد في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول.

وذكر شهود عيان أن قوات الأمن أطلقت اليوم الغاز المسيل للدموع لتفريق حشود ضخمة تجمعت احتجاجا على الحكم العسكري ومقتل محتجين في الآونة الأخيرة في أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم والمدن المجاورة.

وتأتي تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية بعد مباحثات أجراها القائم بأعمال السفارة الأميركية في السودان براين شوكان مع البرهان. وقال الأخير لضيفه إن "أبواب الحوار ستظل مفتوحة مع جميع القوى السياسية وشباب الثورة".

وأضاف بحسب البيان أن ذلك "من أجل التوافق على استكمال هياكل الفترة الانتقالية، والسير في طريق التحول الديمقراطي وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة".

والتقى البرهان أيضا ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرثيس للبحث في "الأوضاع الراهنة بالبلاد" واتفقا على ضرورة "الإسراع بتعيين رئيس وزراء جديد"، وفق بيان لمجلس السيادة.

ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الجيش السوداني الثلاثاء إلى عدم تعيين رئيس وزراء من جانب واحد.

وقالت الترويكا المعنية بالسودان وتضم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي إنها "لن تدعم رئيسا للوزراء أو حكومة تعيّن من دون مشاركة مجموعة واسعة من أصحاب الشأن المدني"، وفق ما جاء في بيان مشترك.

وجاء في البيان أن أي "تحرك أحادي الجانب لتعيين رئيس وزراء جديد وحكومة من شأنه أن يقوض مصداقية تلك المؤسسات ويهدد بإغراق البلاد في نزاع".

أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط الثلاثاء أنه "يحترم" قرار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بالاستقالة، داعيا إلى "العمل على وجه السرعة" من أجل "الحفاظ على المكتسبات الهامة التي تحققت خلال العامين الماضيين".

وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه "لعدم التوصل إلى تفاهم سياسي يتيح التقدم إلى الأمام رغم خطورة الوضع في السودان"، بحسب الناطق باسمه ستيفان دوجاريك.

ويمر السودان بمرحلة انتقالية هشة باتّجاه حكم مدني كامل منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019 بعد موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات التي قادها الشباب.

ومنذ الانقلاب تقوم السلطات السودانية في كثير من الأحيان بقطع خدمة الإنترنت وتعطيل الاتصالات لمحاولة منع التجمعات.

ويثير مرسوم أصدره البرهان الشهر الماضي مخاوف من مزيد من العنف، إذ يمنح قوات الأمن كل الصلاحيات بموجب بنود "قانون الطوارئ" الموروث من عهد البشير، مثل "دخول أي مبنى وتفتيشه وتفتيش الأشخاص الموجودين فيه" و"القيام بعمليات مراقبة ومصادرة".

وتجمع اليوم الثلاثاء آلاف السودانيين في شوارع العاصمة الخرطوم وضاحيتها أم درمان فضلا عن بورتسودان (شرق) ونيالا في جنوب دارفور رغم الانتشار الكثيف لقوات الأمن.

وبعد يومين من استقالة رئيس الوزراء المدني (عبدالله حمدوك)، الذي كان البرهان قد أزاحه ضمن القرارات التي اتخذها للهيمنة على السلطة وإبعاد شركائه المدنيين منها في 25 أكتوبر/تشرين الأول ثم عاد إلى منصبه بعد أسابيع تحت الضغوط الدولية، هتف المتظاهرون في الخرطوم "لا لحكم العسكر" ودعوا إلى إسقاط المجلس السيادي الذي يترأسه البرهان.

وسار المحتجون باتجاه القصر الرئاسي في الخرطوم ومقر قيادة الجيش في وسط العاصمة. وقال شهود عيان إنه تم إغلاق الشوارع المؤدية إلى وسط العاصمة من قبل شرطة مكافحة الشغب والقوات شبه العسكرية وأفراد الجيش مع إطلاق الغاز المسيل للدموع على الحشود.

وأفاد شهود عيان بأن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في حي بحري شمال العاصمة وهم يحاولون الوصول إلى الجسر الذي يربط الحي بالخرطوم.

ولم تقتصر الاحتجاجات على العاصمة بل امتدت خارجها، ففي مدينة بورتسودان أكبر مدن شرق البلاد، على البحر الأحمر، أطلقت قوات الأمن الغازات المسيلة للدموع كذلك على المحتجين.

وفي مدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة والتي تبعد 186 كيلومترا جنوب الخرطوم، قال الشاهد عيان عماد محمد "خرج نحو 5 آلاف متظاهر وهم يحملون أعلام السودان"، مضيفا أن المتظاهرين كانوا "يقرعون الطبول ويهتفون: مدنية خيار الشعب، ولا لحكم العسكر".

ويكثف الناشطون السودانيون الذين يطالبون بحكم مدني ديمقراطي دعواتهم للاحتجاج بعد تصاعد العنف من قبل الأمن تجاه المتظاهرين ما أسفر حتى الآن عن مقتل 57 متظاهرا وسقوط مئات الجرحى، كما تعرضت 13 امرأة على الأقل لحوادث اغتصاب.

ورغم تعهد البرهان بإجراء انتخابات عامة في منتصف 2023 استمرت الاحتجاجات على الانقلاب وعلى الاتفاق الذي وافق بموجبه حمدوك على العودة إلى منصبه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني وهو ما اعتبره المتظاهرون "خيانة".