التصفيق له اصول وقواعد!

صفقوا للاعب. صفقوا لمطرب. ولكن لا تصفقوا لسياسي.

لا اعلم ولا احد يعلم بالضبط متى وكيف انتشرت عادة التصفيق لدى الشعوب. ولكن هناك اشارات اليه في الملاحم القديمة من جلجامش الى المهابهارتا مرورا بالاوديسة والالياذة وكذلك نراه في محاورات افلاطون وسقراط. وتوجد انواع عديدة للتصفيق، منها التصفيق بهدف الترحيب او اظهارالمحبة والاستحسان والاعجاب.

اذا اعتبرنا التصفيق للحكام والقادة عادة ذميمة فانها ذميمة جدا لاسيما إذا كان هذا الحاكم متسلطا على رقاب الناس ولايعرف الرحمة، ووجه القبح في ذلك ليس لأنك إن كنت من هؤلاءالمصفقين ــ أجارك الله ــ تشارك مشاركة مباشرة في تجميل الوجه القبيح للقائد المستبد أو أنك تتستر على إخفاقاته السياسية والادارية فحسب، بل لأنك تقوم بذلك دون أي مقابل يعني "بلاش" لا تجني من ورائه غير وجع القلب وتعب الأكف والمشوار الفاضي! اللهم إلا بعض مباركات سيادته وكلماته التشجيعية التي لا تطعم خبزا ولا تسكن جوعا!

لست من أنصار المصفقين من هذا النوع، ولا أدعو اليه ولا أشجعه وأرى أن كل البلاوي "السودة" التي حطت على رؤوسنا جاءت نتيجة ممارسة هذه العادة السيئة لسنوات طويلة، لذلك كنت دائما أتحاشى التجمعات السياسية "الجبرية" (المسيرات) لكيلا تأخذني الحماسة الكاذبة وأضطر الى التصفيق لإنسان أعرف مسبقا إنه فارغ من أي محتوى وعالة على المجتمع لا يسوى شروى نقير.

في رأي أن ظاهرة التصفيق المجاني تمثل حالة من حالات التخلف الحضاري في المجتمع، ينبغي إستئصالها من جذورها. ولو كنت في موقع يخولني أن أفتي، لأفتيت بتحريم كل أشكال التصفيق المجاني. فاليوم ليس كالامس، كل شيء تغير، والظروف تبدلت والعيون تفتحت 180 درجة، أصبحنا في زمن الديمقراطيات والحريات العامة، في زمن "شيلني وأشيلك"، أصبح لكل شيء ثمن، فالهتاف له ثمن، والتصفيق له ثمن والصوت الانتخابي أيضا له ثمن.

لم يعد في زمن الأنتخابات وصناديق الإقتراع شيء لله في لله، كل شيء أصبح له مقابل وثمن كما هو السائد في دول العالم المتحضر. إذا كنت تريد أن تعتلي سدة الحكم وتفوز برئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو أن تدخل المجلس الوطني أو المحافظة أو أي محفل آخر مهم من خلال ترشيحي لك عبر صناديق الإقتراع والإنتخابات الحرة الشرعية وليس عبر الدبابات والانقلابات "البهلوانية"، عليك أن تدفع الثمن من جهدك وتعبك وعملك على توفير الراحة لي ولعائلتي، أريدك أن تضمن لي الأمن وألأمان وترفع من مستواي المعيشي وتؤمن لي حياة حرة كريمة من خلال إيجاد فرص العمل وإقامة المشاريع الخدمية، والأهتمام بالأستثمارات، على الأ تنسى كذلك أن تهتم بالجوانب الحضارية والجمالية لمدينتي لترتقي الى مستوى المدن المتقدمة في العالم، عندئذ فقط أؤيدك وأصفق لك وأهتف بأسمك وأرفعك الى مصاف الأولياء والصالحين. أما إذا كنت تريد أن تصل الى أهدافك عن طريق ترديد شعارات فارغة ووعود زائفة، وبناء قصور من الهواء! فسأعمل جهدي على الا تنتخب مرة ثانية،وتعتلي مكانا لست اهلا لذلك.

التجارب أخبرتنا الا نثق كثيرا بوعود السياسيين السخية قبل الانتخابات لانها عادة ما تكون دعائية وغير جادة، ولكن بعد الانتخابات يتحولون الا اناس مختلفين الا ما رحم ربي، لأن إستراتيجيتهم تتغير دائما ولا تستقر على حالة معينة وأطماعهم لاتقف عند حد، كلما تتوسع دائرة جشعهم تكثر وعودهم الزائفة، ويزداد كذبهم، وهكذا دواليك، رغم علمنا بهذه الحقيقة،فاننا ننتخبهم في كل مرة ونأخذ وعودهم على محمل الجد ونتشارك معهم في لعبة القط والفأر "الديمقراطية"، ونستقبلهم بالهتافات والتصفيق ونحملهم على الاكتاف ونحن "مزقططين" وفي منتهى السعادة. صحيح؛ رزق الهبل على المجانين!