التطرف والإرهاب حالتان متلازمتان!

العنف خيار سياسي لدى الحركات والتيارات كافة لكنه جزء من خطاب حركات التطرف الديني وبنية من بُناها فالعنف قد يكون وسيلة لدى الآخرين ولكنه غاية بذاتها لدى جماعات التطرف ذات الخطاب الديني فالعدو يجب أن يكون موجوداً دائماً وإلا انتفى وجودها.

بقلم: فهد المضحكي

التطرف بقضاياه الشائكة وتداعياته الكارثية أدى إلى مشاكل كبيرة تواجه الباحثين، أولى هذه المشاكل تتعلق بتحديد المصطلح، فإذا كان التطرف لغوياً يعني إمساك الشيء من طرفه، او إتيان الشيء من طرفه، فإن تعريف التطرف اصطلاحاً يصبح أكثر تعقيداً.. ذلك أنه في العلوم الاجتماعية ليس ثمة فرق على تحديد نقطة الوسط او المنتصف، حتى يصبح الاتفاق على معنى التطرف ممكناً، فهي نقطة متغيرة في المكان.

 بمعنى أن ما هو متطرف في مجتمع، لا يبدو كذلك في مجتمع آخر، وهي ايضاً نقطة متغيرة في الزمان.. بمعنى ان ما يبدو متطرفاً اليوم، قد لا يصبح تطرفاً في المستقبل، ولكن من المسلم به لدى غالبية الباحثين، او بالأحرى جميعهم، إن التطرف، بصيغته ظاهرة اجتماعية مركبة، ينظر إليها على أنها (خروج عن النسق العام لمنظومة القيم وعلى كل المثل والمبادئ والأفكار الشائعة والرائجة والمتفق عليها بين الناس كافة).

وفي هذا الصدد يرى د. صباح عزام (المصدر جريدة النور السورية): أن منظومة القيم والمبادئ لم تعد محلية محضة، أي نابعة من موروث الأمة او الدولة او المجتمع فحسب، بل باتت لها مرجعيات أممية توافقت حولها وعليها البشرية بأكملها، وسطرتها في جملة من المواثيق والمعاهدات الدولية.. فعلى سبيل المثال:

  • يكفي أن ينسب إنسان ما إلى نفسه ومرجعيته الاعتقادية الحقيقة المطلقة والأخلاق الحميدة ويحجبهما عن الآخرين، حتى يصبح متطرفاً.
  • يكفي أن يعمل إنسان على الانتقاص من إنسانية (الآخر)، او يستكثر عليه حقوقه الأساسية، لأنه يختلف معه في الجنس او العقيدة او المذهب او الدين او القومية او اللسان، حتى يصبح متطرفاً.
  •  إن التطرف عادة يأتي متبوعاً بما يوضحه مثل (الغلو)، والغلو هو التجاوز الأبعد إلى حدي الافراط او التفريط وفي أحيان كثيرة يتبع التطرف او تترتب عليه انحرافات سلوكية وارتكاب جرائم مختلفة مثل القتل والخطف والاغتصاب، وهنا ينتقل المتطرف من فضاء الفكر والاعتقاد إلى الممارسة اللاخلاقية اللاقانونية واللاإنسانية، وهذا ما ينطبق على المنظمات الارهابية بكل تلاوينها.

لهذا يعتقد بأن التطرف والإرهاب حالتان متلازمتان، ويعنيان الانتقال من دائرة الاعتقاد إلى دائرة السلوك الإجرامي الذي أشار إليه سالفاً مع، العلم بأن التطرف عندما يبقى في دائرة الفكر والمعتقد يمكن أن تستخدم في معالجته وسائل فكرية وثقافية وتربوية، إذ أن الفكر لا يدحض إلا بالفكر، والمعركة مع التطرف هي ذاتها المعركة على عقول الناس وقلوبهم. وهنا تشتد الحاجة إلى تفعيل جبهات الثقافة والإعلام والفنون وفضاءات التواصل الاجتماعي لمواجهة ظاهرتي الارهاب والتطرف، أما عندما ينتقل التطرف من ميدان الفكر والاعتقاد إلى ميدان السلوك المنحرف وارتكاب الجرائم.

 فلا بديل عن المعالجة الأمنية، لفرض سيادة القانون وحفظ حقوق المواطنين وحمايتهم، وبالتالي تكريس سيادة الدولة وسلطتها، وهذه المعالجات الأمنية لا تعني أن تؤجل او تلغى المعالجات الفكرية والايديولوجية التي تبدأ بالبيت والمدرسة والجامعات والمعاهد وفضاءات الإعلام والثقافة والفنون ومنظومات الدولة بشكل عام، سواء منها المنظومات التشريعية او المؤسسية، إلى جانب ذلك فإن التطرف كظاهرة اجتماعية لا يمكن رده لسبب واحد أو أكثر مثل الفقر والبطالة وفقدان العدالة الاجتماعية، بل هو ظاهرة تتضافر في تشكيلها جملة عوامل ثقافية ودينية واجتماعية، وخاصة الفتاوى المضللة وتكفير الآخرين عبر التنكر لمعتقداتهم الدينية، ثم عوامل سياسية خارجية تغذي هذه الظاهرة لشق المجتمعات.

إن أخطر منابع التطرف والإرهاب تكمن في جوهر الفكر الديني المتشدد وفي العوامل السياسية الخارجية التي تغذي ذلك، وفي إطلاق فتاوى التكفير في مؤسسات التربية والتعليم، إذ تؤدي المناهج والطرق التربوية المتبعة في بعض الدول إلى تخريج أجيال شابة مشبعة بثقافة التعصب الديني والمذهبي وعدم الاعتراف بالآخر وتكفيره، خاصة عندما يترافق ذلك مع شيوع الخطابات المتشددة وانتشارها وكذلك الأفكار الغيبية القائمة على الخرافات والاساطير وثقافة كراهية الآخر وحتى محاولة إلغائه على مسرح الحياة!

باختصار.. إن الإرهاب الذي ضرب ويضرب المنطقة العربية والذي هو من تداعيات التطرف الذي رعته وشجعته جهات أجنبية ومولته دول عربية عديدة يحتاج إلى علاج متعدد الأوجه: أمنياً مع وقف موارد تمويله، وفكرياً وتربوياً بوسائل ثقافية وإعلامية واجتماعية تتصدى لكل محاولات التكفير والتحريض عبر التركيز على مبادئ التسامح والعيش المشترك والاعتراف بالآخر، وذلك من أجل تحصين الأجيال من سطوة هذا الإرهاب وطوفانه الذي يجتاح المنطقة ويهدد العالم أجمع!

عن الفكر المتطرف كتب تركي الحمد: إن ما يجعل الفكر المتطرف ذا أهمية خاصة وكذلك الحركات المنبثقة عنه، ليس في كونه معبراً عن حركة اجتماعية معينة ومن ثم ظروف معينة، إذ أن ذلك قاسم مشترك لدى كافة التيارات، ولكن أهميته وأهمية محاولة إدراكه هي أنه فكر وتيار وحركة تميل إلى ممارسة «العنف» سواء في مرحلة المعارضة أو في مرحلة السلطة (هذا إن وصلت إلى السلطة).

إن العنف في التاريخ كان طريقاً لبناء دول وجماعات، ولكن العنف بعد بناء الدولة أو الوصول إلى السلطة يتوقف او يقيد بضوابط ونظم معينة هدفها ضبط حركة المجتمع، أما في حالة الفكر المتطرف فإنه يستمر في ممارسة العنف حتى بعد الانتصار والوصول إلى السلطة، وذلك ناشئ من سماته وصفاته ذاتها (الحقيقة المطلقة، رفض الآخر، والشمولية) مما يدفعنا إلى القول إن «العنف» وممارسته جزء من بنية الفكر المتطرف والخطاب المتطرف سواء كان هو داخل السلطة أو كان خارجها!

المعنى أن العنف قد يكون أحد الخيارات السياسية لدى كافة الحركات والتيارات التي تتعامل مع السلطة في وقت من الأوقات، لكنه، أي العنف، جزء من خطاب حركات التطرف وبنيه من بُناه، العنف قد يكون وسيلة لدى الآخرين ولكنه غاية بذاتها لدى جماعات التطرف وخطابها المعبر، فالعدو يجب أن يكون موجوداً دائماً، وإن لم يكن موجوداً فلابد من ايجاده، ووجوده العدو (حقاً او هماً) يستلزم الصراع ومن ثم العنف، والفكر أو الخطاب المتطرف بهذا المعنى مرفوض كل الرفض.

كاتب بحريني