التغلغل الاسرائيلي في افريقي، لماذا؟
السبت 2002/01/12

ابوظبي - يستدل من دراسة أجريت في الإمارات العربية المتحدة حول التواجد الإسرائيلي في القارة الأفريقية أن الدول العبرية كانت تتوخى العديد من الاهداف نظير تغلغلها في اكثر قارات العالم فقرا.
وترى الدراسة التي أصدرها مركز زايد للتنسيق والمتابعة أن التواجد الإسرائيلي الذي بدأ منذ منتصف القرن الماضي كان يهدف بالأساس إلى تطويق الخاصرة العربية التي تمثل لها أفريقيا عمقا أمنيا استراتيجيا.
وعلى هذا الأساس تحركت اسرائيل من أجل ايجاد موطئ قدم لها في عدد من البلدان الأفريقية وسعت إلى تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأوفدت في سبيل ذلك الآلاف من الخبراء العسكريين، وتلقت شركاتها عقودا بملايين الدولارات للعمل في أفريقيا، وشهد مؤشر التبادل التجاري بين إسرائيل ودول القارة تصاعدا مضطردا حتى بات يشكل مصدرا مهما لاقتصاد الدولة العبرية.
وتتناول الدراسة انعكاس التغلغل الاسرائيلي في أفريقيا على الامن القومي العربي فتبين أن منطقتي النفوذ الاسرائيلي في القرن الافريقي والبحر الاحمر تمثلان الجدار الجنوبي للامن القومي العربي وحزام الامن الغربي والعمق الاستراتيجي لمنطقة الخليج باعتبارهما الاتجاه الرئيسي لعبور التجارة البترولية وحلقة الاتصال بين النظم الاقليمية فضلا عما يضمانه من دول عربية حيث يمثلان البعد الاستراتيجي لكل من مصر والسودان نظرا لتحكمهما في مصدر النيل وتأثيرهما على حركة الملاحة في قناة السويس.
وتبرز الدراسة سعي اسرائيل الحصول على تسهيلات بحرية بالمداخل الجنوبية للبحر الاحمر من خلال التواجد بأريتريا وجزيرة دهلك الى اقامة نقاط ارتكاز للاستطلاع ومتابعة الانشطة العربية واستغلال المنطقة عند الضرورة كوسيلة للضغط وتشتيت الجهود عند إدارة صراع مسلح بين اسرائيل والعرب فضلا عن إمكانية استخدام المنطقة كنقاط انطلاق لتوجيه ضربات وقائية سواء تجاه مصر أو لاحد الاهداف العربية ويمثل الدعم اللوجستي الذي يتلقاه الجيش الشعبي السوداني بقيادة جون قرنق هدفا اسرائيليا لزعزعة الاستقرار في هذا البلد العربي.
وتتمثل قيمة هذه الدراسة في تتبعها الدقيق والموثق لابعاد السياسة الاسرائيلية وسعيها المستمر لتطويق الوطن العربي من مختلف جهاته خاصة الاستراتيجية بغية التحكم في أمن كل الدول العربية والاضرار بعلاقاتها مع الدول الافريقية فضلا عما تحققه الدولة العبرية من مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية من خلال سياسته في أفريقيا.
وأبرزت الدراسة الكيفية التي استغلتها اسرائيل لمد جذورها في القارة الافريقية حيث اعتمدت على الوضع الاقتصادي المتردي لكثير من الدول واستخدمت مختلف أنواع الدعاية وشركات تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية فضلا عن تعاونها الحثيث مع الدول الاستعمارية والذي بدأ منذ مشروع أوغندا واقامة مستعمرة يهودية في القارة السمراء منذ بدايات هذا القرن.
وبما أن الهاجس الامني يعتبر ركيزة من ركائز قيام دولة اسرائيل، فكان طبيعيا أن يعتبر الامن القومي ومفهوم أداره الصراع الدولي والاقليمي هما جناحا التحرك الاسرائيلي الافريقي وهي تسعى الى التنسيق الدائم بينهما حيث يمثل هذا الامر الاهتمام الاكبر للقادة الاسرائيليين ويرتبط بحالة التنمية.
وفي إطار الوقوف عند دوافع التوجه الاسرائيلي الى أفريقيا نجد أن نسبة كبيرة من الواقع السكاني لاسرائيل جاءت من أقطار أفريقية خلال الفترة الممتدة من عام 1948 حتى عام 1967 وقد تراوحت نسبة الوجود الافريقي في الكيان الصهيوني من 7 بالمائة الى 15 بالمائة ثم اضيف الى التركيبة السكانية يهود الفلاشا
وتوضح الدراسة أن عملية تهجير يهود أثيوبيا وما ارتبط بها من أحداث أظهرت أن النشاط الصهيوني في أفريقيا يعتمد الانتقائية في عمليات التهجير.
وعلى سبيل المثال فإن كثيرا من الإسرائيليين يشكك في حقيقة كون الفلاشا يهودا وبالتالي عدم انطباق حق العودة علىهم وما يمكن أن يسببه ذلك في انتفاء نظرية الاختصاص اليهودي.
والسبب الذي دفع بإسرائيل لجلب هؤلاء هو اقتصادي بحت، فلقد ارتأت أن هؤلاء الافارقة يمكن أن يحلوا كعمالة رخيصة محل الفلسطينيين وأيضا يمكن تجنيد العديد منهم في جيش الدفاع.
ومما يؤكد هذه النظرية أن اسرائيل لم تمارس نفس الدور مع الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا حيث اعتبرتها من الجاليات التمويلية كيهود الولايات المتحدة ومن جماعات الضغط التي استخدمت في فترة التفريق العنصري في جنوب أفريقيا من أجل مزيد من التعاون بين النظامين العنصريين في اسرائيل وجنوب أفريقيا.
وحول استغلال اسرائيل للظروف الدولية من أجل ارتباطها بأفريقيا أوضحت الدراسة كيف مهد الاستعمار الغربي للقارة الافريقية الظروف لاسرائيل حيث سمح لها بالتغلغل الى مستعمراته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتبشير بمشروعها الذي استهدف التمكن والسيطرة الكاملة على مقدرات تلك البلدان الافريقية بعد أن نالت استقلالها وذلك من خلال جملة من الاساليب والوسائل.
وقد سعت اسرائيل بواسطة طرق مختلفة لتأكيد الارتباط بأفريقيا سواء عن طريق الحكومة الاسرائيلية أو عن طريق الهيئات والادارات العاملة في مجال التعاون الافريقي أو عن طريق أصدقاء اسرائيل وخاصة من الدول الكبرى وتقديم الدعم اللازم لاستمرار التغلغل في أفريقيا عن طريق اشتراط هذه الدول الكبرى على الدول الافريقية شراء معدات واسلحة والتعاون مع اسرائيل بل وصل الامر الى أن أصدرت الخارجية الاميركية أمرا الى سفاراتها في الخارج في الثمانينيات من القرن العشرين بوضع كل امكاناتها لتسهيل عمل الممثلين الرسميين الاسرائيليين وغير الرسميين.
كما شكلت الخارجية الاميركية لجنة أميركية اسرائيلية مشتركة لتنسيق العمل في العالم الثالث وتسهيل أهداف السياسة الخارجية الاسرائيلية.
كما تناولت الدراسة أهداف السياسة الاسرائيلية الخارجية في أفريقيا فأبرزت أن خلفيتين حكمتاها وقد تمثلت الاولي في الخلفية المرتبطة بالامن القومي والتي عبر عنها أحد الكتاب الاسرائيليين عندما قال "أن اسرائيل لا تقوم بعمل خيري في أفريقيا وأن النشاط الاسرائيلي غير منزه تماما عن المصلحة العامة والصريحة لتحطيم الحصار العربي".
ولذلك استهدفت اسرائيل البعد الاستراتيجي المتمثل في تحقيق السيطرة الاقليمية بغرض الالتفاف على أشكال العزلة التي تفرضها الدول العربية حول اسرائيل وتأمين الملاحة في البحر الاحمر فضلا عن الارتباط بالجاليات اليهودية في أفريقيا وتسويق منتجاتها وضمان أكبر قدر من الدعم الدولي للتصويت في المنتديات العالمية.
أما الخلفية الثانية فهي الهيمنة إذ استغلت اسرائيل ارتباطها بالغرب وخاصة الولايات المتحدة وركزت على ابراز أهميتها بالنسبة للسياسة الغربية وتحركها على المستوي الاقليمي والافريقي في اطار دورها في النظام العالمي الجديد الذي يرسخ مبدأ الهيمنة الاسرائيلية باعتبارها وجها من وجوه الهيمنة الغربية والاميركية.
وقد توقفت الدراسة عند مظاهر التغلغل الاسرائيلي في أفريقيا فبدأت بمظاهر تغلغلها الاعلامي والدعائي مبرزة مراحل ذلك التغلغل الذي تدرج من ابراز اسرائيل لنفسها في المراحل الاولي بوصفها الدولة المسالمة التي لا تريد إلى من يتوسط بينها وبين العرب لتحقيق السلام وصولا الى ابراز الاعلام والدعاية لصورة الدولة الاسرائيلية النموذج التي لا غني للدول الافريقية عن الاستعانة بها خاصة بعد انتصارها في يونيو/حزيران 1967.
ولم يفت الدراسة أن تبرز في هذا السياق تركز التغلغل الاسرائيلي بعد اتفاقيات أوسلو ومشروع الشرق أوسطية الذي وصفته بأنه يكرس الهيمنة الاميركية من خلال توظيف اسرائيل في المنطقة علاوة على توظيفها أفريقي.
وضمن مظاهر التغلغل الاسرائيلي في أفريقيا تناولت سعي السلطات الصهيونية الى التحكم في الاقتصاد الافريقي وتوجيهه من خلال استخدام سياسة المعونات الفنية والتقنية فضلا عن المدربين والخبراء العسكريين علاوة على الخبراء في المجالات المختلفة حيث توجه الى أفريقيا خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات 1500 خبير اسرائيلي.
واستقبلت اسرائيل من أفريقيا 6200 متدرب كل ذلك علاوة على استثمارات الشركات الهندسية والصناعية الاسرائيلية والتي حصلت على عقود للعمل في أفريقيا بمئات الملايين من الدولارات وارتفعت الصادرات والواردات بين أفريقيا واسرائيل حيث كانت صادرات اسرائيل في عام 1970 لا تتجاوز 41 مليونا و 500 الف دولار ثم وصل عام 1980 الى190 مليونا 900 الف دولار ليصل في عام 1993 الى 264 مليونا و 400 الف دولار.
أما الواردات الاسرائيلية من أفريقيا فقد تدرج ارتفاعها خلال السنوات السابقة الذكر من 30مليونا و100 الف دولار الى 137 مليونا و 800 الف دولار لتصل الى 335 مليونا و 700 الف دولار وذلك في خط تصاعدي يبرز استغلال اسرائيل لموارد الدول الافريقية فضلا عن تغلغلها الاقتصادي هناك والذي لا تتضح صورته ألا بمقارنته بالواردات والصادرات بين الدول العربية وجاراتها الافريقية حيث لم تتجاوز سنة1993 نسبة1.1بالمئة بالنسبة للصادرات و2.3بالمئة بالنسبة للواردات الامر الذي يعكس تزايد الاهتمام المشترك بين الدول الافريقية واسرائيل مقابل تراجع الاهتمام بين الدول العربية والدول الافريقية
ويتبين أن نسبة كبيرة من الخبراء الاسرائيليين الى الدول الافريقية هم من العسكريين المتقاعدين وأن معظم مراكز التدريب المهني في اسرائيل والتي يفد اليها الافارقة مراكز لها وظائف أمنية وهو ما جعل اسرائيل تتغلغل في معظم أوساط المجتمع الافريقي، خاصة في أوساط النخب السياسية والعسكرية مما مكنها من النفوذ الاقتصادي في سرعة قياسية.
وفي تناولها للتغلغل الاسرائيلي العسكري بينت الدراسة ومن خلال الاتفاقيات والتعاون العسكري بين اسرائيل وبين الدول الافريقية مختلف النشاط العسكري الاسرائيلي في أفريقيا وكيف سعت الاولي الى اغراق القارة الافريقية بمختلف ترسانتها العسكرية كل ذلك اضافة الى شرح الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية في القارة الافريقية وأبعادها المختلفة.
وقد بنت اسرائيل استراتيجيتها للتحرك على الساحة الافريقية من خلال مجموعة من المبادئ والركائز الاساسية التي ترمي أولا الى تحسين الوجه الاسرائيلي في القارة الافريقية وجعله مقبولا من دولها واظهار أهمية اعتماد هذه الدول على اسرائيل في أعداد وتأهيل كوادرها العسكرية إضافة الى تقديم كافة التسهيلات التي تتيح بناء علاقات مع الانظمة الافريقية واظهار مدي قدرتها على خدمة أهداف الدول علميا وعسكريا.
وفي هذا المجال أيضا تبين الدراسة حجم الاتفاقيات العسكرية الاسرائيلية مع كل دولة أفريقية على حدة وتاريخها في استقصاء دقيق وموثق يدل على تطور العلاقات وتناميها بشكل كبير وفق نظام الاستراتيجية المذكورة سابقا.
ولمواجهة التحدي الامني الذي يفرضه التغلغل الاسرائيلي في أفريقيا تضع الدراسة تصورا لخطة عربية مستقبلية بغية تركيز وتقوية العلاقات العربية الافريقية ومواجهة النفوذ الاسرائيلي في هذه القارة التي تمثل جزءا من أمن الوطن العربي وبعدا استراتيجيا وتاريخيا كانت علاقاته مع الدول العربية حسنة على مر العصور.
وتؤكد الدراسة ختاما على أن الواقع يفرض على البلدان العربية تبني مشروعا قوميا للتحرك على المستوي الافريقي دون حساب الربح والخسارة الآنية وتأجيل ذلك الى الامد البعيد حتى تتم معرفة القيادات التي يمكن للعرب أن يتعاملوا معها، وحتى يتمكنوا من استعادة دورهم في منطقة لهم بها روابط كثيرة فضلا عن تشابه الواقعين العربي والافريقي.