التفاتة عراقية متأخرة لتطوير البنى التحتية

توقيع اتفاق مع مؤسسة التمويل الدولية لإعادة تأهيل مطار بغداد الدولي بعد وضع حجر الأساس لمشروع الربط السككي بين إيران والعراق.

بغداد - أبرمت السلطات العراقية اتفاقا مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي، لإعادة تأهيل مطار بغداد الدولي بهدف تطوير منشآته المتهالكة، التي يشتكي منها العراقيون منذ سنوات طويلة.
وصرح رئيس الحكومة  العراقية محمد شياع السوداني الأحد بأنّ الحكومة أولت ملف تطوير  مطار بغداد الدولي أهمية لما يمثله من واجهة حضارية تمثل العراق وشعبه.
ومطار بغداد الدولي حاله كحال غالبية مكونات البنية التحتية في العراق، فمجمل القطاعات الحيوية متهالكة بحكم الحصار في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين والحروب اللاحقة من غزو بغداد إلى الحرب على داعش إلى الصراعات السياسية والمحاصصات الحزبية واستشراء الفساد وصولا أيضا إلى الهيمنة الإيرانية على مفاصل الدولة العراقية ما يعطل جهود الإعمار والإصلاح. يضاف إليها الأزمة المالية بسبب السياسة الاقتصادية للحكومة المعتمدة على الاقتصاد الريعي وحيد الجانب.  
وشهد المطار العديد من حوادث الحرائق خلال الأشهر الماضية، والتي طالت بعض صالات المسافرين، ودفع حريقان نهاية عام 2022 السلطات إلى إقالة ثلاثة من كبار مسؤولي المطار. وفي يناير 2022، أصيبت طائرتان مدنيتان كانتا خاليتين في أحد مواقف المطار، بأضرار مادية.
وقال السوداني، خلال مراسم توقيع الاتفاقية مع مؤسسة التمويل الدولية إن هذا الاهتمام “يندرج في إطار رؤية متكاملة تشمل جميع المطارات وترتكز أيضاً على تنويع وسائط النقل والترابط مع دول المنطقة والعالم”.
ويعد مطار بغداد الدولي أكبر مطارات العراق والوحيد في العاصمة، ويقع على بعد 16 كيلومترا إلى الغرب من مركزها، وكانت شركات بريطانية وفرنسية قد شرعت في بنائه بين عامي 1979 و1982.
 ورغم الأهمية الكبيرة للمطار لم يشهد أي مشاريع مهمة لإعادة تأهيل مرافقه التي بنيت قبل أربعين عاماً. وتوقف عن العمل خلال تسعينات القرن الماضي، جراء الحصار الذي فرض على العراق.
واعتمد العراقيون خلال تلك الفترة على الطريق البري وصولاً للأردن التي كانت المحطة الرئيسية للسفر جوا لباقي دول العالم.
ويتألف المطار من ثلاث محطات، تكتظ بسرعة في حال تدفق المسافرين خصوصا خلال المراسم الدينية الشيعية.
وأفاد السوداني “أن هذه الاتفاقية هي واحدة من سلسلة اتفاقيات ستُعقد مع القطاع الخاص، الذي سيأخذ دور الشريك في تطوير البنى التحتية لمختلف القطاعات الحيوية في العراق ضمن رؤية اقتصادية تمتد إلى عام 2030، تعزز من البنى التحتية التي يحتاجها النماء المستدام للاقتصاد العراقي” .
ويتضمن الاتفاق “تقديم المؤسسة الدولية محفظة استثمار متكاملة تشمل الكيفية التي يتم فيها توسيع المطار الدولية وتمويله وتشغيله وصيانته”.
ويهدف إلى “رفع كفاءة (المطار) ومرافقه وعوامل السلامة فيه، والارتقاء بخدماته، لتتوافق مع المعايير الدولية للمطارات في العالم، وذلك عبر إحدى الشركات العالمية المتخصصة”.
وفي أبريل الماضي، خصصت الحكومة العراقية مبلغ 500 ألف دولار لهيئة الطيران المدني لإبرام عقد مع مؤسسة التمويل الدولية، وهي مؤسسة التنمية الرئيسية التي تركز على القطاع الخاص في البلدان النامية.
ووفق للاتفاقية ستقدم المؤسسة الدولية، كذلك “استشارات لمسار تنمية دور القطاع الخاص، وتعزيز دخوله في ساحة الخدمات العامة بالشراكة مع القطاع العام”.
ولفت بيان لرئاسة الحكومة العراقية إلى التجربة الطويلة للمؤسسة الدولية في “مجال تأهيل المطارات، حيث أشرفت سابقاً على تطوير وتوسعة أهم المطارات في السعودية وتركيا، فضلاً عن مطار الملكة علياء الدولي”.
وجاءت ردود فعل العراقيين على هذا المشروع متباينة، فمنهم من عبر عن عدم ثقتهم بالحكومات المتعاقبة، ومنهم من سخر من قيمة المشروع، فعلق ناشط:

واعتبر البعض أن سوء الأوضاع في مطار بغداد بلغت حدا أنه لا يحتاج فقط إلى ترميم، بل إعادة بناء من الجذور، وقال أحدهم:

ويرى متابعون أن الإجراءات الأمنية المشددة في مطار بغداد، لا تزال تشكل تحديا للسلطات العراقية، حيث لا تزال قوات تابعة للتحالف الدولي تتواجد في بعض منشآت المطار الذي يتعرض لهجمات بين حين وآخر.
ويتألف المطار من طابقين، ويضم صالة رئاسية منفصلة لاستقبال الرؤساء وكبار الشخصيات، وثلاث صالات للأسواق والمطاعم والمكاتب، فضلا عن مدرجين للطائرات وبرج للمراقبة ومرآب للسيارات من عدة طوابق، إضافة إلى بناية لخدمات صيانة الطائرات ومستودع لوقودها ومركز صحي أولي ومبنى لسيارات الإطفاء.
ولأن العراق لا يزال يبحث عن الكثير من المطلوبين والمتورطين بجرائم الفساد والجنايات والإرهاب فإن قاعدة البيانات في المطار مفعلة بشكل مستمر، وهذا قد يعقد بعض الإجراءات الأمنية الخاصة بدخول وتدقيق المسافرين.
يذكر أنه بعد انقطاع دام أكثر من 20 عاماً، هبطت أول طائرة عُمانية في العراق الخميس في مطار بغداد الدولي.ّ
وأعلنت وزارة النقل العراقية عن عودة هبوط وإقلاع طائرات عُمانية حيث "ستكون هناك رحلات عُمانية كل ثلاثة أيام".
وكانت الرحلات الجوية بين البلدين قد استؤنفت من جانب واحد منذ عامين وكانت الخطوط الجوية العراقية وحدها تسيّر رحلاتها من بغداد إلى عُمان والعكس.

مشاريع واعدة
مشاريع واعدة

ودشن العراق حزمة مشاريع واعدة لتطوير البنية التحتية النفطية ويخطط للاستثمار في الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء حيث يواجه أزمة مزمنة في الكهرباء.
وقال مجلس الوزراء العراقي، أنه ناقش الأربعاء، إمكانية "استثمار الطاقة الكهرونووية في توليد الطاقة الكهربائية على المستوى الوطني، والشروع بإنشاء مفاعل نووي محدود للأغراض السلمية وإنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة".

ويأتي الإعلان عن إعادة تأهيل مطار بغداد، بعد يوم واحد وضع السوداني لحجر الأساس لمشروع الربط السككي، في منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة، لنقل المسافرين وزائري العتبات المقدسة، بين إيران والعراق، وهو أيضا في إطار تعزيز البنى التحتية لاقتصاد العراق وزيادة نموه، وصرح السوداني أنّ المشروع قد خضع لسنوات من النقاش وتم الاتفاق على إكماله بين العراق وإيران عام 2021.
وأبرمت الشركة العامة للسكك الحديد العراقية مع نظيرتها الإيرانية، في شهر مايو الماضي، مذكرة تفاهم حول الإجراءات التنفيذية للربط السككي بين البلدين.

وتتمثل المرحلة الأولى من المشروع تتمثل بمد خط للسكك الحديدية بين مدينتي خرمشهر والبصرة بطول 36 كم بمدة إنشاء تبلغ 18 شهرا، أما المرحلة الثانية فتتمثل بمد خط للسكك الحديدية إلى منطقتي البو كمال ودير الزور في سوريا، ومن ثم إلى ميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط.

والكلفة الأولية للمرحلة الأولى 148 مليون دولار، وستصل الكلفة الكلية بعد إكمال المرحلة الثانية إلى 10 مليارات دولار ، مبينا أنه تم الاتفاق على أن تقوم كل دولة بتحمل كلفة إنشاء هذا الخط.

وأكدت مصادر عراقية مطلعة أكدت أن هذا المشروع يصب في مصلحة إيران بالدرجة الأولى، فالهدف الرئيسي من الخط هو أن تستغل إيران موانئها على الخليج لتكون هي الممر المؤدي إلى “طريق التنمية” الذي يزمع العراق بناءه إلى الموانئ التركية على البحر المتوسط.

وأضافت المصادر أنه بينما ما يزال ميناء الفاو الكبير قيد الإنشاء، فإن موانئ إيران جاهزة للعمل. وهو ما يعني أن “طريق التنمية” سيكون من الناحية العملية طريقا لتنمية إيران بينما يكتفي العراق بأن يكون ممرا فقط.

ونقلت مصادر حكومية أن الغاية من المشروع نقل نحو 3 ملايين من المسافرين بين العراق وإيران ونقل البضائع إذ أن هناك ممرين لطرق الحرير، أحدهما بحري والآخر بري، والبحري يمتد من شمال الصين إلى أوروبا وأفريقيا عبر البحر الأحمر، والطريق الآخر يمتد من الصين إلى موانئ إيران الجنوبية التي تتمتع بموقع جيوستراتيجي مهم، ومنها تشحن البضائع، أما الطريق البري فيمتد من جنوب الصين إلى كازاخستان ثم آسيا الوسطى ثم غرب إيران، ومن غرب إيران تتفرع ثلاثة طرق أحدهم يذهب إلى إسطنبول ثم إلى أوروبا والآخر إلى أذربيجان.
ويقول مراقبون أن المشاريع التي أعلنت عنها الحكومة تبدو واعدة وبناءة من شأنها أن تفتح آفاق المستقبل للمواطن المحبط، لكنها في الحقيقة تواجه عقبة أساسية فالعراق يحتاج لبيئة آمنة واستقرار سياسي وهو ما يفقده في الوقت الراهن بوجود محاصصة طائفية لا هم لأطيافها سوى اقتناص المكاسب السياسية والمالية.