التفاف النهضة على تعهداتها يفجر الاحتجاجات في الكامور

قوات الأمن التونسية تواجه المحتجين بالغاز المسيل للدموع بعد إغلاقهم المنافذ المؤدية للمحافظة وإشعال العجلات المطاطية.
تراجع شعبية النهضة في أهم معاقلها الانتخابية
الحركة الاسلامية تحاول تصدير أزمتها إلى حكومة الفخفاخ

تونس - تصاعدت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتنمية والتشغيل في منطقة الكامور (جنوب تونس)  الأحد، حيث عمد المحتجون الى غلق الطرق المؤدية للمحافظة واشعال العجلات المطاطية، فيما استعملت قوات الأمن التونسي الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
ويطالب المحتجون بتنفيذ اتفاق الموقع في 2017 بين تنسيقية الكامور والحكومة التونسية، إلا أن السلطة تنصلت منذ ذلك الوقت من التزاماتها تجاه شباب الجهة التي تزخر بمخزون كبير من البترول والغاز، حيث تنتشر شركات الطاقة الوطنية والأجنبية في الصحراء القريبة من المحافظة.
ووفق أرقام رسمية، تساهم حقول المحافظة بـ40 بالمئة من إنتاج تونس من النفط وبـ20 بالمئة من إنتاج الغاز.
وينص اتفاق الكامور على رصد 80 مليون دينار (27 مليون دولار) للاستثمار، وامتصاص البطالة، وانتداب 1500 عاطل عن العمل في الشركات البترولية و500 شخص في شركة البيئة والغراسات والبستنة.
ووقعت حركة النهضة الاسلامية الحاكمة آنذاك حين كانت أغلبية في حكومة يوسف الشاهد، اتفاق الكامور مع المحتجين ووعدت سكان المحافظة بالالتزام بنص الاتفاق، إلا أنها أخلت بوعودها بعد ذلك.
ومع اقتراب الحملة الانتخابية التشريعية والرئاسية في 2019، عادت النهضة إلى تدوير الاتفاق وجدّدت وعودها السابقة، في سياق حشد أصوات انتخابية في منطقة  يتباهى زعيم الحركة راشد الغنوشي بأنها خزان انتخابي مضمون  لحزبه.
وتشير الاحصائيات الانتخابية الرسمية إلى أن أغلب سكان الجهة (تطاوين) صوتوا خلال الانتخابات الماضية لحركة النهضة وحليفها الاسلامي "ائتلاف الكرامة" بعد أن وعدتهم بتحسين ظروفهم الاجتماعية وبررت التفافها على وعودها السابقة بأنه ناجم عن خلافات سياسية صلب الائتلاف الحكومي وليس تقصيرا من جانبها.
وبعد فوزها بالانتخابات التشريعية في 2019 وحلولها في المرتبة الأولى، استقبل الغنوشي، الذي يترأس البرلمان حاليا، بمقر البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي وفدا عن تنسيقية الاعتصام  حيث انتهى اللقاء دون نتائج باستثناء تجديد الوعود التي أطلقت في 2017.   
وقال الناطق الرسمي باسم التنسيقية طارق الحداد أنذاك، في كلمة نشرها على صفحة التنسيقية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن " وفدا عن التنسيقية كان ينتظر من رئيس البرلمان أن يقوم بالتنسيق مع السلطة التنفيذية لتنفيذ بنود اتفاق الكامور المبرم منذ 2017 مع الحكومة، لكن قوبل بـ"الهرسلة (التنضييق) والاستقواء".
وأضاف الحداد "كان حريا برئيس البرلمان أن يقوم بالتنسيق مع الحكومة لتتولى تنفيذ ما وقعته مع معتصمي الكامور في تطاوين".
وأمام موجة الغضب المتصاعدة في الكامور وعجز الحركة الاسلامية عن تلبية وعودها كلما ارتفعت وتيرة الاحتقان في الجهة، حملت الحركة مسؤولية التخلف عن تنفيذ وعودها إلى الحكومة السابقة، التي تمثل طرفا أغلبيا فيها، وأعربت في بيان لها عن مساندتها للمعتصمين.
وتأتي مساندة النهضة للمعتصمين في الكامور، حسب مراقبين، في إطار المناورات التي دأبت الحركة على اتباعها كلما ضاق هامش المناورة حولها، فهي تنسب إلى نفسها كل "الانجازات" أو "الاشكاليات المطلبية التي تمت حلحلتها"، في حين تصدر الأزمات إلى السلطة التنفيذية برمتها كونها جزءا من ائتلاف حكومي يتقاسم الفشل مع أحزاب أخرى.
وتشير هذه الأطراف إلى أن الحركة، التي تتقن فنون التموقع والركوب على الأحداث منذ 2011، تضع بذلك قدما في الحكم وأخرى في المعارضة، فهي تمثل أغلبية في الحكومة لكنها لا تتحمل بمفردها المسؤولية عما يجري.
ويقول هؤلاء إن الحركة الاسلامية تحاول تصدير أزمة الاحتجاج على وعودها إلى حكومة الياس الفخفاخ الحالية، وتحميلها نتائج ما سيترتب عن ذلك من تصعيد قد يتسع مداه ليصل الى محافظات أخرى في الجنوب تعاني نفس المشاكل الاجتماعية.
وفي وقت تشهد فيه المحافظات الداخلية وحتى المحافظات التونسية الساحلية موجة من التململ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي عمقتها تداعيات وباء كورنا، تنكب حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي على تسميم المناخ السياسي، ما يربك حكومة الفخفاخ التي تواجه تحديات جمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وتتالت مواقف الحركة المناوئة للفخفاخ وكان أخرها تهديدها بالانسحاب من الحكومة ما لم يستجب الفخفاخ لمطالبها بتوسيع الائتلاف الحكومي بهدف ادخال "حليفها غير المعلن" حزب قلب تونس صلبه، ما يسمح لها بتمرير أجنداتها التي تقف كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي أمام تحقيقها.
واقترحت حركة النهضة على التونسيين منذ 2011 برامج انتخابية اقتصادية واجتماعية فضفاضة توحي بالازدهار الاجتماعي، لكن بعد 10 سنوات تقريبا لم يتحقق شيء من هذه الوعود.
وتواصل الحكومات المتعاقبة، التي كانت فيها حركة النهضة أغلبية، اتباع الخيارات الاقتصادية التي اعتمدها النظام السابق وأدت في النهاية إلى سقوطه.
ويؤسس التفاف حركة النهضة على وعودها الاقتصادية والاجتماعية إلى انحسار شعبيتها وتآكل منسوب الثقة فيها، في أحد أبرز معاقلها الانتخابية (الجنوب التونسي)، كما في بقية المحافظات التونسية التي سئمت بدورها الوعود الانتخابية وباتت تبحث عن بديل سياسي قادر على تلبية طموحاتها.  
وفي أخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة المغرب التونسية بالشراكة مع مؤسسة سيغما كونساي لسبر الأراء حول الشخصيات السياسية الأدنى ثقة لدى التونسيين، حل الغنوشي في المرتبة الأولى.