التكتك والستوتة.. أيقونتا الثورة

الشباب المهمش يستخدمون عربات بسيطة للمناورة وانقاذ الجرحى، والتذكير بحال الفقر الذي وصل اليه العراق.

أفرزت ثورة الشباب العراقي التي بدأت صفحتها الأولى في الأول من تشرين الأول، وصفحتها الثانية في الخامس والعشرين من تشرين الثاني العديد من الظواهر الاجتماعية التي تكشف عن طبيعة تلك الثورة وإنحدارها الطبقي بوصفها تمثل ثورة القاع الشعبي العراقي الواسع ضد حكومة الفساد والمحاصصة السياسية ذات المنحى الطائفي. ومن بين تلك الظواهر هذا التلاحم الشعبي الواسع بين قطاعات عديدة من الشعب حيث ذابت فيه الفوارق الطبقية التي كرستها الحكومات السابقة بعد الاحتلال الاميركي، الأمر الذي جعلنا جميعا – خاصة النخب الثقافية – نعيد ترتيب أولوياتنا وأفكارنا بشأن هذا الطيف الواسع من الفقراء والمهمشين في المجتمع وفي مقدمتهم أولئك العاملين في ميدان النقل الداخلي بواسطة العربات الشعبية "التكتك" و"الستوتة" بوصفهما تعبيرا عن حالة العوز والفقر اللذين تعيشهما الأسر التي تعتمد في رزقها اليومي على مدخولاتها البسيطة من العمل بواسطة هاتين العربتين اللتين أثبت وجودهما في سوح الثورة الشعبية سواء في بغداد أو في المحافظات مدى وطنية من يعمل عليهما وتضحيتهم وإيثارهم النادر. فقد تخلى أولئك الشباب الصغار عن عملهم اليومي ورزق عوائلهم لصالح توفير النقل المجاني للمتظاهرين فضلا عن تحويل تلك العربات الى سيارات إسعاف تنقل الجرحى والشهداء الى مراكز التطبيب في تلك الساحات.

إن المشاهد التي نراها عيانيا أو عبر شاشات التلفاز أو بوساطة مواقع التواصل الإجتماعي تكشف عن الطبيعة اللوجستية التي قدمتهما هاتان العربتان لما لهما من خصائص ميكانيكية مختلفة كليا عن بقية السيارات أو العربات بدءا من صغر حجمهما، وسهولة قيادتهما، ومرورا بسرعتهما، وإنتهاء بقدرتهما على المناورة في الأماكن الضيقة خاصة في الأزقة، فضلا عن الروح المغامرة والشجاعة الفائقة التي يتحلى بها من يقودهما. وهذا ما جعل منهما أيقونتين مهمتين في نجاح الثورة التي أجبرت الحكومة الفاسدة على مراجعة العديد من القوانين التي كرست نهج المحاصصة والفساد في إدارة الدولة. كما أنهما لفتا الإنتباه الى هذه الفئة الإجتماعية المهمشة التي كانت محركا مهما من محركات الثورة الشعبية، فضلا عن أنها كشفت عن عمق الظلم الذي حاق بأعداد كبيرة من المجتمع العراقي عبر حالة الفقر التي إضطرت مثل هؤلاء الشباب الى إقتناء هذه العربات التي لا تنتشر إلا في البلدان الفقيرة مثل بنغلادش وفيتنام. إذ كان الأجدر بالحكومة توفير أحدث سيارات النقل لهؤلاء الشباب بسبب ما يمتلكه وطنهم من موارد مالية كبيرة.