التهديدات الإيرانية لأمن المنطقة والعالم تخيم على قمة العشرين

البلدان المشاركة في قمة مجموعة العشرين في اليابان والتي تمثل نحو 85 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، تسعى لبحث أمن المنطقة والعالم في ظل التوتر بين واشنطن وطهران.

أوساكا (اليابان) - تعقد في مدينة اوساكا اليابانية الجمعة والسبت قمة مجموعة العشرين، وسط توتر عالمي يرتبط خصوصا بنزاع بين واشنطن وطهران حول تهديدات الأخيرة بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ونزاع آخر بين واشنطن وبكين حول الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية.

وبين رؤساء الدول والحكومات الذين تمثل بلدانهم نحو 85 بالمئة من الناتج الإجمالي العالمي، ينصب الاهتمام كما في القمة السابقة على الرئيسين الصيني شي جيبينغ والأميركي دونالد ترامب.

وتلقي المواجهة الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران بخصوص الملف النووي بضلالها على القمة، حيث تدور أسخن الأزمات الدولية حاليا بعد إعلان طهران اعتزامها تجاوز الحد الأقصى لمخزون اليورانيوم المحدد بموجب الاتفاق النووي، وتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم اعتبارًا من الخميس.

وارتفع منسوب التوتر بين الطرفين منذ انسحاب ترامب الأحادي الجانب العام الماضي من الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقعت عليه دول كبرى عام 2015 وإعادته فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وتحرّك ترامب مذاك لخنق اقتصاد إيران وأدرج الحرس الثوري الإيراني على قائمة "المنظمات الإرهابية" وكاد أخيراً يأمر بتوجيه ضربة عسكرية ضد الجمهورية الإسلامية رداً على إسقاطها طائرة أميركية مسيّرة قبل أن يتراجع في اللحظة الأخيرة.

وأعلنت واشنطن الاثنين، عن عقوبات مالية بحق أعلى المسؤولين الإيرانيين وضمنهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وقال ترامب "سنواصل ممارسة الضغط على طهران".

وتبدي السعودية عضو مجموعة العشرين وخصم إيران الإقليمي ارتياحها لإستراتيجية، على عكس روسيا.

وستكون للرئيس الروسي فلادمير بوتين فرصة أيضا لإثارة هذا النزاع في لقائه المقرر مع ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أوساكا.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الصحفيين أمس الثلاثاء، إنه من المتوقع أن يلتقي بوتين والأمير محمد بن سلمان خلال قمة مجموعة العشرين.

وحاولت اليابان المضيفة لقمة العشرين، وساطة غير مثمرة بين إيران والولايات المتحدة خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء الياباني مؤخراً إلى طهران.

باريس تقود الوساطة الأوروبية بين واشنطن وطهران بعد فشل اليابان في ذلك
باريس تقود الوساطة الأوروبية لتخفيف التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران بعد فشل اليابان في ذلك

ويبقى الاهتمام موجها الآن نحو إذا كان بإمكان الأوروبيين الغارقين في مساومات حول المناصب الرئيسية في الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، التدخل لخفض التوتر في نزاع ما فتئ يتفاقم على خلفية هجمات على ناقلات نفط وإسقاط الطائرة الأميركية وإلغاء ضربات جوية أميركية.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصل اليوم الأربعاء إلى طوكيو، عن لقاء "جانبي" على هامش القمة مع نظيره الأميركي لبحث النزاع مع إيران.

وقال الإليزيه إن ماكرون ينوي إجراء "اتصالات أخرى بشأن الملف النووي الإيراني والأزمات الإقليمية" خلال القمة.

وتطرح باريس التي تترأس مجموعة الدول السبع نفسها كوسيط لحل الأزمة، حيث تحدّث ماكرون الثلاثاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني.

وخشية من اشتعال الوضع، دعت باريس وبرلين ولندن الموقعة على الاتفاق النووي الذي لا تزال تدافع عنه، إلى خفض التصعيد.

وقالت سيبيت ندياي المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية إن دبلوماسيين من بلادها أجروا اتصالات على مستوى عال في الأسابيع الماضية مع المسؤولين الأميركيين والإيرانيين، من أجل البحث عن سبل لتهدئة التوترات بين البلدين.

كما ستلعب الصين حليفة إيران في مواجهة واشنطن وهي أيضا أحد أهم مستوردي النفط الإيراني، دورا مهما في الملف باعتبارها مهددة بعقوبات اقتصادية أميركية هي الأخرى.

وفي وقت تراكم فيه واشنطن الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية وتهدد بزيادة الرسوم على مجمل هذه الصادرات، من المقرر أن يستأنف الرئيسان الصيني والأميركي في أوساكا الحوار بين البلدين.

وتنذر هذه المواجهة بين العملاقين الاقتصاديين التي عمقتها عقوبات أميركية ضد منتجين صينيين كبار على غرار شركة هواوي، بالتأثير سلبا على الاقتصاد العالمي.

تبقى معرفة ما إذا كانت بكين مستعدة للقيام ببادرة في المجال التكنولوجي من جهة وما إذا كان ترامب ينوي التخلي عن نهجه الحربي الاقتصادي في وقت ينطلق فيه في حملته للانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020.

تصعد بإعلان وقف التزامها بالقيود المفروضة على نسبة تخصيب اليورانيوم
تصعيد بإعلان وقف التزامها بالقيود المفروضة على نسبة تخصيب اليورانيوم

ويرى ماتيو غودمان المحلل في واشنطن أن هناك "ثلاث نتائج ممكنة" في قمة أوساكا.

أولها توقيع اتفاق وهو أمر غير مرجح لكن غير مستحيل من جانب ترامب الذي "يعشق الصفقات" والهالة التي تحيط بها.

النتيجة الثانية الممكنة هي فشل ذريع قد يصل حد إلغاء اللقاء بين الرئيسين.

والنتيجة الثالثة "الأكثر ترجيحا" هي التوصل إلى "هدنة" كما حدث في قمة بوينس أيرس السابقة والتي سريعا ما انهارت لاحقا.

من جهتها ترى أليس إيكمان مسؤولة الصين في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن "التوترات بلغت حدا سيترك معه حتى التوصل إلى (أي) اتفاق أثرا، وهذا ما يستحيل علينا أن نعرفه اليوم".

وأضافت "باستثناء مقاربة العين بالعين والسن بالسن، هناك رغبة من الجانب الصيني في اقتراح عرض (عولمة) بديل لا سيما تكنولوجي، وفي أن يصبح هذا العرض مرجعا".

وتتجاوز رغبة الصين في فرض حضورها بكثير الإطار الاقتصادي. فقد أكدت بكين مثلا أنها لن تسمح بأي مناقشة في قمة العشرين للتظاهرات الضخمة في هونغ كونغ.

وأدى الرئيس الصيني للتو زيارة ودية لكوريا الشمالية في وقت يبدو فيه الحوار بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ حول البرنامج النووي لبيون يانغ متعثرا، رغم الرسائل "الرائعة" و"الممتازة" التي يقول ترامب وكيم أنهما تبادلاها.

من جهتها قالت الرئاسة الفرنسية انه "لا ينبغي أن تتحول (قمة العشرين) إلى نادي للمواجهة الثنائية بين الصين والولايات المتحدة".