التهريب والتواطؤ يستنزفان موارد لبنان المنهك

الجيش اللبناني يعلن مصادرة عشرات الصهاريج والسيارات والشاحنات المحملة بالمحروقات والطحين عند الحدود اللبنانية السورية الشمالية والشرقية وتم توقيف 25 شخصاً.

بيروت - أعلنت الحكومة اللبنانية الخميس أنّها قررت مصادرة كافة المواد التي يتم "إدخالها أو إخراجها" من البلاد "بصورة غير شرعية" وكذلك الآليات التي تقلها، عقب جدل سياسي وإعلامي حول تهريب مادة "المازوت" من الدولة التي تشهد أزمة اقتصادية حادة، إلى سوريا المجاورة.

وقالت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد إثر اجتماع لمجلس الوزراء إن الحكومة قررت أن "تصادر لمصلحة الجيش وقوى الأمن الداخلي جميع المواد التي يتم إدخالها أو إخراجها من لبنان بصورة غير شرعية وبأي وسيلة أو طريقة كانت كما تصادر أيضاً السيارات والآليات المستعملة لهذه الغاية".

والحدود اللبنانية السورية مغلقة منذ شهرين كجزء من تدابير الإغلاق لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، لكن عمليات تهريب المواد خاصة المحروقات والطحين (يدعم استيرادهما مصرف لبنان بإلعملة الصعبة) إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية لم تتوقف حتى خلال أزمة الوباء، وهو ما يشكل استنزافا خطيرا لاحتياطات البلد الذي يعيش أزمة اقتصادية تهدد بإفلاسه.

وأعلن الجيش اللبناني الخميس أنه ضبط بين السابع والـ14 من الشهر الحالي عند الحدود اللبنانية السورية الشمالية والشرقية "عشرة صهاريج و2 بيك آب و فان محملة بحوالى 215 ألف لتر من مادة المازوت"، كما ضبط "شاحنتين و أربع (سيارات) بيك آب محملة بحوالى 71 طناً من الطحين". وتم توقيف 25 شخصاً.

ويأتي ذلك غداة طلب وزيرة العدل ماري كلود نجم من النائب العام التمييزي "إجراء التعقبات (...) بناء على معلومات متداولة عن عمليات تهريب مادة المازوت بكميات كبيرة عبر الحدود اللبنانية"، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام.

وتداول لبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات توثق عمليات تهريب المحروقات من لبنان لسوريا حيث ظهرت طوابير شاحنات الوقود على الحدود بعد أن اوقفتها السلطات اللبنانية لكنها استئنفت لاحقا طريقها بعد تدخلات من حزب الله الذي يسيطر على المعابر حسب نشطاء.

وعقد المجلس الأعلى للدفاع أمس الأربعاء جلسة مخصصة لعرض الأوضاع الأمنية في البلاد والإجراءات الواجب اتخاذها لمكافحة عمليات التهريب وتم اتخاذ القرار بإقفال كل المعابر غير الشرعية وزيادة عدد المخافر الحدودية، ووضع خطة شاملة لاستحداث مراكز مراقبة عسكرية وأمنية وجمركية، وتحديد سير الشاحنات والصهاريج وتسيير دوريات لمراقبتها وتسطير محاضر ضبط بحق كل مشارك أو مسهل في عمليات التهريب.

كما تقرر رفع توصيات من المجلس الأعلى للدفاع إلى مجلس الوزراء لتشريع بعض الإجراءات، لاسيما التي تحتاج تعديل قوانين كما في موضوع الرسوم الجمركية ومصادرة آليات التهريب وغيرها.

وبعد إعلان القرارات بساعات قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كلمة تلفزيونية إن "مسألة وجود تهريب ومعابر غير شرعية على الحدود مع سوريا لا يمكن للبنان وحده معالجتها. والجيش اللبناني لا يمكنه وحده منع التهريب عبر الحدود"، معتبراً أن الحل في "التعاون الثنائي" بين البلدين.

وهو ما اعتبره مراقبون لبنانيون دفع واضح لحكومة حسان دياب للعمل والتنسيق مع الحكومة السورية فاللبنانيون يعرفون جيدا أن حدودهم مع سوريا تخضع لحزب الله وإيران أكثر من قوات بشار الأسد.

وتشكل العلاقة مع سوريا مسألة خلافية بين الأطراف السياسية اللبنانية وحزب الله نفسه متهم بتسهيل تلك عمليات التهريب غير الشرعي للمواد التي تستفيد منها ميليشياته التي تقاتل تحت راية إيران في سوريا دعما لقوات النظام في دمشق.

وطالبت أحزاب غير ممثلة في الحكومة على رأسها الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية التحقيق في قضية تهريب المازوت والطحين إلى سوريا. وتقدم الحزب التقدمي، بزعامة وليد جنبلاط، بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية.

وعادة ما توجه اتهامات في لبنان إلى حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر للاستفادة ماديا من التهريب عبر تسهيل عمل المافيات عبر الحدود.

ال
المهربون يستنزفون العملة الصعبة التي يستورد بها البنك المركزي الطحين

وهدد نقيب أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس الأسبوع الماضي بالقيام بإضراب وإقفال الطرق إن لم تحد الحكومة حلا لملايين اللترات من المازوت التي يتم تهريبها يومياً إلى سوريا.

وقال البراكس "لم نعد نجد كميات لشرائها من السوق المحلية"، وأضاف "سنتوجه الى الاضراب وإقفال الطرقات، مشيرا إلى أن "هناك عصابة تسرق ليلًا نهارًا والدولة لا تتمكن من ايقافها".

ولا يعد الجدال حول "التهريب" عبر الحدود بين الدولتين جديدا في لبنان الذي بات يواجه نقصاً في مادة المازوت خلال الفترة الماضية لكن أزمة وباء فيروس كورونا وانهيار الليرة اللبنانية أثار الجدل من جديد لتسليط الضوء على التهرب الجمركي عبر البضائع المهربة من سوريا إلى لبنان والتي تشمل أيضا الخضار والفواكه ومنتجات غذائية وقطنية وغيرها.

وتمثل البضائع المهربة التي تغرق السوق اللبنانية بمواد لم تخضع للتعرفة الجمركية تهديدا للمنتجات المصنعة محليا، وتساهم في كساد المنتجات الزراعية اللبنانية التي تصبح تكلفة زراعتها وتوزيعها في السوق أعلى من تلك المهربة من سوريا.

ورغم الارتفاع الهائل في الأسعار في لبنان جراء الأزمة الاقتصادية، لم تتغير أسعار المحروقات، وبينها المازوت، كونها لا تزال مدعومة من الدولة. ولذلك يستفيد المهربون من فرق السعر، ويبيعون بأسعار مرتفعة إلى مهربين في سوريا، التي تعاني منذ الصيف الماضي من أزمة وقود.

وتُحقق السلطات اللبنانية في قضية محروقات أخرى هي قضية استيراد فيول غير مطابق للمواصفات لصالح شركة كهرباء لبنان عبر شركة مملوكة من مجموعة سوناطراك الجزائرية. وقد ادّعت النيابة العامة الاستئنافية الأربعاء على 12 شخصاً بينهم موظفون حكوميون في القضية إلى جانب وزراء تداولوا على وزراة الطاقة من حزب التيار الوطني الحر حليف حزب الله والذي أسسه الرئيس ميشال عور ويترأسه صهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل.

وتحوّل الفساد المستشري في المؤسسات العامة تدريجياً إلى أحد مسبّبات الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ أشهر، وأحد أبرز الأسباب التي دفعت اللبنانيين للتظاهر بشكل غير مسبوق ضد الطبقة السياسية منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر.