التوتر يخيم على سنجار بعد سنوات من دحر داعش

سنجار تعاني من الجمود السياسي والتجاري في ظل صراع على السلطة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان التي تحظى بالحكم الذاتي.

شح الماء وكثرة انقطاع الكهرباء والمباني المدمرة يؤرق سكان سنجار
سنجار تعاني شحا في المياه وانقطاعات متكررة للكهرباء
سنجار من الصخب والحركة التجارية إلى مدينة أشباح وفصائل متناحرة
سكان سنجار لا يرون أي تقدم نحو إعادة الإعمار
قوى متنافسة تتنازع على النفوذ في سنجار رغم السلام

سنجار (العراق) - تخيم على مدينة سنجار في شمال العراق حالة من الغضب والقلق بعد سنوات من دحر تنظيم الدولة الإسلامية، حيث يشكو السكان من شح المياه وكثرة انقطاع الكهرباء بينما ترقد المدينة التي كانت يوما ما تعج بالحركة، على تلال من الركام والدمار.

إنه الفجر في سنجار ولا يشق الهدوء سوى وقع خطى حراس يقومون بدوريات عند مرقد تعلوه قبة ذهبية فوق تلة تشرف على بيوت انهارت أسقفها.

وبعد ما يربو على ثلاث سنوات من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة الواقعة في شمال العراق، لم يتبق في السوق التي كانت تعج بالحركة يوما ما إلا واجهات متاجر تحمل ندوب القنابل. والعشرات من شوارع المدينة مغلقة ببراميل معدنية في مؤشر على وجود قنابل وذخيرة لم تنفجر ولم يتم نزعها بعد.

والماء شحيح والتيار الكهربائي متقطع في سنجار التي قتل مقاتلو التنظيم المتشدد الآلاف من أبناء الأقلية اليزيدية فيها، فيما يبعد أقرب مستشفى أعيد فتحه مسافة 45 دقيقة بالسيارة. وهناك مدرستان فقط في المدينة.

والدمار المادي هائل في سنجار، لكن ثمة تحديات أخرى تواجهها، فالمدينة فريسة لصراع على السلطة بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق التي تحظى بالحكم الذاتي لذا تعاني جمودا سياسيا.

وقال إبراهيم محمود عزو (55 عاما) وهو صاحب نحو عشر متاجر تهدمت كلها في المدينة "سنجار مهدومة وأي تطور ماكو (لا يوجد)".

وأضاف "سنجار تحتاج حكومة شرعية حتى يستقر الوضع لأنه لا يوجد بها قائمقام أو مجلس بلدي. كل سنة يخسر الناس مليارات الدينارات. أملاكهم وأعمالهم ومعيشتهم، ما ندري أين ندير وجهنا"، متسائلا "إلى متى ننتظر؟"

واجتاح تنظيم الدولة الإسلامية سنجار في العام 2014 قبل تحرير المدينة في العام التالي، لكن إعادة الإعمار لم تشمل سوى القليل ولم ترجع سوى نسبة ضئيلة من السكان إلى المدينة.

وقبل اجتياح المتشددين لسنجار في أغسطس آب 2014، كان عدد السكان فيها حوالي مئة ألف نسمة. وكان من بين هؤلاء يزيديون وشيعة وسنة ومسيحيون ومن الأعراق العرب والأكراد والتركمان وغيرهم.

واليوم لم يرجع إلى المدينة إلا ثلث السكان وجميعهم يزيديون. ويقول المجلس النرويجي للاجئين إن أفراد الجاليات الأخرى لم يرجعوا بسبب غياب المصالحة.

ويقول اليزيديون الذين قُتل ثلاثة آلاف منهم في مذبحة وصفتها الأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية، إن سكان قرى سنّية عربية وبلدات مجاورة ساعدوا المتشددين.

وفي الوقت نفسه يحجم الناس عن العودة بسبب توترات يثيرها وجود فصائل مسلحة متنافسة.

وتقع سنجار في بقعة حساسة تمتد على حدود إقليم كردستان العراق مع سوريا وإيران وتركيا. وقال عزو "البي.كيه.كيه (حزب العمال الكردستاني) موجود، الشرطة موجودة، الحشد الشعبي موجود، الجيش موجود"، في إشارة إلى أسماء وحدات متعددة في القوات الحكومية العراقية وفصائل مسلحة موجودة في المدينة وحولها، مضيفا "يعني ما نتفهم الوضع".

وظلت حكومة إقليم كردستان العراق تسيطر على المنطقة دون اعتراض يذكر من بغداد منذ سقوط صدام حسين عام 2003 وحتى عام 2017 عندما أخرجت الحكومة المركزية حكومة الإقليم وقوات البشمركة التابعة لها وحلفاءها ردا على مسعى الإقليم للاستقلال وجلبت بغداد قواتها. وتشمل هذه القوات وحدات الحشد الشعبي وكذلك الجيش الوطني والشرطة.

ومن موقعها فوق تلة تحرس وحدات الحشد الشعبي مرقد السيدة زينب الصغرى ذو القبة الذهبية الذي يمكن رؤيته من أماكن عديدة في سنجار. ودمر تنظيم الدولة الإسلامية المرقد وكذلك فعل في كل المعالم الدينية بالمدينة، إلا أن المرقد أعيد بناؤه بالكامل في تناقض صارخ مع الدمار المحيط به.

ورغم الصعاب، يحتشد المزارعون والقرويون في سنجار يوميا لإجراء مزاد على الأغنام. وأشعل خوديدا قاسم، وهو تاجر للغنم، سيجارة بينما كان يراقب القرويين وهم يتجادلون بشأن السعر.

وقال قاسم (40 عاما) "ترون هنا الكثير من الغنم لكن لا أحد يملك المال للشراء".

ويقول نايف يزدي (26 عاما) الذي أعاد فتح متجره قبل ستة أشهر، إنه لا يتوقع تحسن الأحوال قريبا. وفقد يزدي شقيقا واثنين من أعمامه في القتال عام 2014 وقال "الأمر كله سياسي".

وقال دندار زيباري رئيس لجنة الرد على التقارير الدولية في حكومة إقليم كردستان العراق "السلطة الشرعية ما موجودة. القوى الأمنية الفاعلة الرسمية ما موجودة".

وأضاف "حكومة الإقليم لم تتجاهل" المشكلة في سنجار. وحث زيباري بغداد على تقاسم المسؤولية عن هذه المنطقة مع البشمركة وضمان خروج الفصائل المسلحة بما في ذلك وحدات الحشد الشعبي.

وقال مسؤولون في الحكومة المركزية في أحاديث خاصة إنهم يعزون بطء وتيرة إعادة الإعمار إلى المشاكل الأمنية في المنطقة والبيروقراطية في الموافقة على ميزانية لهذا الغرض مخصصة لمحافظة نينوى.

وخارج المدينة، تبدو الفصائل المسلحة متشبثة بمواقعها. وفي مقبرة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي أسس فصيلا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية عامي 2014 و2015 وظل الفصيل قائما بعد دحر النظيم، قال أحد المقاتلين إن المهمة لم تكتمل بعد.

وأضاف المقاتل الذي وقف بجانب قبور تحمل أسماء قتلى سقطوا في سنجار وسوريا وتركيا وإيران "الدولة الإسلامية لم ترحل بالتأكيد وسنظل في الجبل لتقديم المساعدة وسنذهب إلى أي مكان طالما اقتضت الحاجة".

وعلى مقربة من المكان، قال قاسم شيشو وهو قائد يزيدي، إنه لا يزال مستعدا للقتال. وألقى شيشو ورجاله السلاح عندما فقدت حكومة إقليم كردستان العراق السيطرة لصالح بغداد، لكنهم يشعرون بالغضب مما يصفونها بتهديدات من فصائل مسلحة أحجم عن ذكرها بالاسم.

وقال شيشو "ناس غرباء جايين على المنطقة وناس يريدون يجيبون الدواعش من جديد، لكن بغير اسم (بمسمى آخر). إنشاء لله ما يقدرون. ييجون يفشلون مثل الدواعش".