التونسيون يتوجهون إلى مكاتب الاقتراع لاختيار رئيسهم

الرئيس القادم لديه صلاحيات محدودة وسيواجه صعوبات مع الحكومة والبرلمان الذي تغلب عليه كتل مشتتة أفرزتها الانتخابات التشريعية.

تونس - ينتخب التونسيون اليوم الأحد، رئيسا جديدا للبلاد ويختارون بين نبيل القروي رجل الإعلام الليبرالي الملاحق بتهمة غسل أموال وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الذي لا يتبنى أي توجه سياسي، إثر حملة انتخابية اشتدت فيها المنافسة في اليومين الماضيين.

ودعي أكثر من سبعة ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع التي تفتح أبوابها اعتبارا من الساعة الثامنة (السابعة بتوقيت غرينتش) على أن تغلق السادسة مساء باستثناء بعض المراكز في ولايات حدودية مع الجزائر.

وانطلقت عملية التصويت بالخارج منذ الجمعة، وتتواصل إلى غاية اليوم الأحد.

ولتأمين هذا الحدث الذّي يشد أنظار العالم، في داخل تونس خصصت وزارة الداخلية التونسية 70 ألف عنصر أمني، منهم حوالي 50 ألف عنصر مكلف بتأمين كافة المقرات والمواقع ذات الصلة بالانتخابات، وحماية المرشحين عبر مرافقتهم وتأمين تنقلاّتهم وأنشطتهم.

كما نشر الجيش أكثر من 53 ألف جندي على كامل تراب الجمهورية لتامين العملية الانتخابيّة.

ويراقب الانتخابات أكثر من 4 آلاف و500 ملاحظ ينتمون إلى عدد من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني المحلية، حصلوا على بطاقات الاعتماد من هيئة الانتخابات، إضافة إلى 300 ملاحظ أجنبي.

شهدت الدورة الرئاسية الأولى التي تنافس فيها 26 مرشحا ما وصف "بالزلزال الانتخابي" اثر "تصويت العقاب" الذي مارسه الناخبون ضد ممثلين عن الطبقة السياسية الحاكمة وتمكن سعيّد من نيل 18.4 في المئة من الأصوات وحل القروي ثانيا بـ 15.5 في المئة ومرا إلى الدورة الثانية.

عللّ مراقبون هزيمة مرشحين من رؤساء حكومات ووزراء وحتى من رئيس دولة سابق بردة فعل التونسيين تجاه السلطات الحاكمة التي لم تتمكن من إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم والذي أفرز احتقانا اجتماعيا تزايدت وتيرته في السنوات الأخيرة.

اتسمت الحملة الانتخابية بالتشويق في أيامها الأخيرة خصوصا بعد القرار القضائي بإطلاق سراح القروي (56 عاما) بعدما قضى 48 يوما في التوقيف بسبب تهم تلاحقه بغسل أموال وتهرب ضريبي.

جمعت مناظرة تلفزيونية "تاريخية" وغير مسبوقة المرشحين ليل الجمعة، وظهر فيها سعيّد (61 عاما) متمكنا من السجال وأظهر معرفة دقيقة بالجوانب التي تهم صلاحياته إن تم انتخابه.

وفي المقابل، ظهر القروي مرتبكا في بعض الأحيان وشدد على مسائل مقاومة الفقر في المناطق الداخلية في بلاده بالإضافة إلى تطوير الاستثمار الرقمي في البلاد كأولوياته إن تم انتخابه.

الانتخابات الثالثة خلال شهر في تونس
الانتخابات الثالثة خلال شهر في تونس

ولقيت المناظرة التي بثت على نطاق واسع في المحطات التلفزيونية والإذاعية الخاصة والحكومية متابعة من قبل التونسيين داخل بيوتهم وفي المقاهي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم أن كثير من التونسيين عبروا على مواقع التواصل الاجتماعي عن عدم تلبية أي من المرشحين لسقف توقعاتهم بالنسبة للميزات التي يجب أن تتوفر في الرئيس القادم، إلا أن عدد كبير منهم قالوا إنهم يعتزمون التصويت بورقة بيضاء.

وتداول نشطاء الفضاء الافتراضي صورة جمعت المتنافسين وهما يتصافحان بعد المناظرة، وكتب أحدهم "هكذا هي تونس الاستثناء" بين دول الربيع العربي.

ولرئيس البلاد صلاحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان فيتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع أساسا.

يدعو قيس سعيّد إلى تدعيم السلطة اللامركزية وتوزيعها على الجهات ويرفع لواء "الشعب يريد" ويتبنى شعارات الثورة التونسية في 2011 "شغل حرية كرامة وطنية" ويشدد على "كره الوعود الزائفة" وأن "الشعب هو من يتصور الأفكار وهو من يطبقها" للخروج من الأزمات الاقتصادية.

إلا أن القروي يبدو براغماتيا أكثر ينطلق في وعود انتخابية على أساس إيجاد حل للطبقات الاجتماعية المهمشة سنده في ذلك سنوات قضاها في زيارات ميدانية للمناطق الداخلية يوزع مساعدات غذائية للمحتاجين والفقراء.

وأفرزت الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الفائت برلمانا بكتل مشتتة وتلوح في الأفق بوادر مشاورات طويلة من أجل تحالفات سياسية بينها لأن حزب النهضة الإسلامي الذي حل أولا بـ52 مقعدا لا يستطيع تشكيل حكومة تتطلب مصادقة بـ109 أصوات.

ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن "الرئيس القادم سيواجه صعوبات مع الحكومة والبرلمان".

ويتابع "إن تمكن سعيّد من الفوز ستصعب غليه عملية اقناع البرلمان بالإصلاحات الدستورية التي يدعو إليها" مضيفا "يجب أن يتفهم طبيعة المرحلة القادمة ويخلق توازنا مع من سيشكل الحكومة".

بينما للقروي "علاقات متوترة مع كتل برلمانية عديدة بما فيها النهضة".

ودعت"النهضة" قواعدها إلى التصويت لسعيّد بعد أن أعلن القروي رفضه كل تحالف وتوافق معها مستقبلا واتهمها بالوقوف وراء سجنه.

إثر وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في 25 تموز/يوليو الفائت نظمت في البلاد انتخابات رئاسية مبكرة في 15 أيلول/سبتمبر على إن يتم انتخاب الرئيس قبل 25 تشرين الأول/أكتوبر الحالي وفقا لما ينص عليه الدستور التونسي بمدة زمنية لا تتعدى التسعين يوما.

وواجهت الهيئة العليا للانتخابات تحدي تقديم الرئاسية على التشريعية عكس ما تم اقراره في الروزنامة الأولى.

تقام الدورة الانتخابية الثانية للرئاسية وهي الانتخابات الثالثة خلال شهر وتونس لا تزال تواجه تهديدات أمنية من قبل جماعات متشددة ومسلحة تنفذ هجمات استهدفت في السنوات الأخيرة سياحا وأمنيين وعسكريين وأثرت على قطاع السياحة الذي يمثل أحد ركائز اقتصاد البلاد.