الثقل التركي في ليبيا يفشل وساطة الجزائر لوقف النار

الجزائر تنشط للقيام بوساطة بين الطرفين المتناحرين في الجارة ليبيا لإنهاء نزاع مدمر معقد يهدد الأمن الإقليمي، لكن من دون دعم دولي قد تكون تحركاتها غير مجدية.
تركيا تدعم إخوان ليبيا وعينها على إخوان الجزائر
تركيا تحولت من مجرد الدعم إلى طرف في الصراع الليبي
مفتاح وقف إطلاق النار في ليبيا بيد تركيا لا بيد 'الوفاق'

الجزائر - تقدم الجزائر نفسها وسيطا محايدا لحل الأزمة الليبية لكن ثمة شكوك كثيرة تحوم حول قدرتها على إحراز تقدم باتجاه وقف إطلاق النار خاصة مع تحول تركيا إلى طرف في النزاع بثقل عسكري غير مسبوق للهيمنة على ليبيا وعلى وجه الدقة على الهلال النفطي والموانئ والمواقع الساحلية الإستراتيجية.

وكانت الجزائر أميل لموقف حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج بمنطق ما تراها دعما للشرعية، لكن ذلك كان قبل أن تلقي تركيا بثقلها العسكري دعما لميليشيات الوفاق.

والموقف الجزائري لايزال إلى حدّ الآن ملتبسا، إلا أن المؤكد أن الدولة الجارة التي خبرت لعقد من الزمن معنى الحرب الأهلية (العشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي) وأدركت خطر الجماعات الإسلامية على أمن البلاد، تخشى بالفعل من التفاتة تركية لدعم إخوان الجزائر وهم قوة كامنة تنتظر إسنادا خارجيا للتحرك في الساحة الجزائرية المضطربة.

وعلى ضوء تلك المخاوف باتت الجزائر أكثر حذرا في التعاطي مع الأزمة الليبية، مشددة على رفضها القاطع للتدخل التركي في الشأن الليبي.

ويرى محللون أن الجزائر تنشط للقيام بوساطة بين الطرفين المتناحرين في الجارة ليبيا لإنهاء نزاع مدمر معقد يهدد الأمن الإقليمي، لكن من دون دعم دولي قد تكون تحركاتها غير مجدية.

الجزائر تقول إن وساطتها تحظى بقبول معسكري حفتر والسراج
الجزائر تقول إن وساطتها تحظى بقبول معسكري حفتر والسراج

وعلى خلفية تدخلات أجنبية متزايدة، يمزق ليبيا منذ 2015 نزاع بين سلطتين هما حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا بقيادة السراج وتتمركز في طرابلس وسلطة أخرى بقيادة رجل الشرق القوي المشير خليفة حفتر.

وتؤكد السلطات الجزائرية باستمرار أنها تقف على مسافة واحدة من الطرفين وترفض "كل تدخل أجنبي".

وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عدة مرات إن بلاده مستعدة للعب دور الوسيط وأن "كل الأطراف الليبية موافقة على المشاركة في أي مبادرة جزائرية"، بينما أكد وزير الخارجية صبري بوقدوم في مجلس الأمن الدولي أن الوساطة الجزائرية "مطلوبة ومقبولة من كل الليبيين".

ولخص بوقدوم المبادرة بثلاث نقاط: وقف فوري لإطلاق النار وخفض التصعيد في كل المجالات بما في ذلك في ما يتعلق بقطاع الطاقة وتوزيع الثروات وأخيرا المساعدة على جلب أطراف النزاع الليبيين إلى مفاوضات.

واستقبل الرئيس تبون في يونيو/حزيران طرفي النزاع في ليبيا ممثلين بالسراج ورئيس البرلمان المتمركز في الشرق عقيلة صالح.

وقال الباحث في معهد كلينغنديل في لاهاي إن "الدبلوماسية الجزائرية تمتلك مصداقية حقيقية بصفتها بلد كبير محايد حيال ليبيا، ليس في نظر حكومة الوفاق الوطني فقط بل وفي نظر معسكر حفتر".

لكنه أضاف أن "هذا لا يعني أن الجزائر يمكنها تغيير مجرى الأحداث"، موضحا أن الدبلوماسية الجزائرية بمفردها "لا تمتلك وزنا كافيا لكبح منطق الحرب في ليبيا ولو قليلا".

ورأى أنه "إذا شاركت قوة دبلوماسية أخرى مثل الولايات المتحدة أو روسيا بشكل وثيق في مبادرة دبلوماسية للجزائر فقد يكون لذلك تأثير ملموس".

حرص الجزائر على علاقات قوية مع تركيا يضعف وساطتها في ليبيا
حرص الجزائر على علاقات قوية مع تركيا يضعف وساطتها في ليبيا

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بنفسه الأربعاء "تدخلا أجنبيا بلغ مستويات غير مسبوقة" في هذا البلد الذي تسوده حالة فوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

وكانت زيارتا السراج وصالح للجزائر جاءتا بعد أيام على سيطرة القوات الموالية لحكومة الوفاق وبدعم من أنقرة، على الغرب الليبي وانسحاب قوات المشير خليفة حفتر من مشارف طرابلس وغيرها من المدن بعد تدخل عسكري تركي رجح كفة ميليشيات الوفاق.

وفشلت جميع المحاولات لوقف إطلاق النار في ليبيا حتى الآن وكان آخرها في يناير/كانون الثاني خلال مؤتمر دولي عقد في برلين، بينما رفضت حكومة الوفاق الوطني بإيعاز تركي مبادرة مصرية معلنة من جانب واحد في بداية يونيو/حزيران.

وصرح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر رضوان بوهيدل بأنه يخشى من أن تتدخل أطراف دولية لإفشال الوساطة الجزائرية. وذكر خصوصا باعتراض واشنطن على تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق رمطان لعمامرة مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفا للبناني غسان سلامة في أبريل/نيسان الماضي.

أما أستاذ العلوم السياسية في المدرسة العليا للصحافة في الجزائر شريف دريس، فقد شدد على أن "المقاربة الجزائرية تحتاج إلى إطار أممي وهندسة للحل بتعيين مبعوث أممي وعقد مفاوضات في دولة جارة"، بسبب تعقيد النزع الليبي.

وأضاف أن "الملف الليبي أصبح لديه تعقيدات بسبب تعدد الفاعلين في الأزمة ومهمة الجزائر صعبة".

وكان الرئيس تبون تحدث في مقابلة مع قناة فرانس-24 مؤخرا عن "رؤى متطابقة" للجزائر وفرنسا وروما القوة المستعمرة السابقة لليبيا.

وقال حرشاوي إن فرنسا وعدت الجزائر "بنوع من الشراكة الدبلوماسية الوثيقة حول ليبيا"، مشيرا إلى أن الرفض الأميركي لتعيين العمامرة موفدا خاصا "قلص الآمال الجزائرية".

وتابع أن التحفظات على خطوة الجزائر قد تكون ناجمة عن "نيتها" الإبقاء على "العلاقات المميزة نسبيا مع أنقرة" وهذا الأمر قد يضعف من الوساطة الجزائرية على اعتبار أن تركيا ليست طرفا يمكن الوثوق به من جهة وعلى اعتبار أنها أيضا الطرف المحرك للصراع ضمن أجندة تخدم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة.

وتعارض فرنسا بشدة التدخل العسكري التركي في ليبيا، بينما تتهم أنقرة باريس بأنها دعمت سرا المشير خليفة حفتر في الحملة العسكرية لتحرير طرابلس من الإرهاب.