الجري وراء أوهام السياسة!

هل يقبل الاسلام ان يستغفل الناس؟

عندما تريد ان تدخل فيلاً في قمقم صغير فلن تستطيع مهما حاولت لان حجم الفيل اكبر بكثير من حجم القارورة، ولان التفكير بهذا الشكل السقيم اصلا ضرب من العبث وجنون ويتناقض مع طبيعة الاشياء. وهذا بالضبط ما حاول الاسلامويون فعله اوائل القرن العشرين، عندما رأوا انهيار الدولة العثمانية (1924) وتقسيم الدول الاسلامية واحتلالها على يد المستعمرين الغربيين، فاندفعوا الى انشاء الحركات والتنظيمات الاسلامية السياسية كوسيلة معاصرة لمواجهتهم سلميا بعد ان يئسوا من مواجهتم عن طريق القوة وفقا لمفاهيمهم وآلياتهم "الناعمة" فطفقوا يساهمون في العمليات الديمقراطية جنبا الى جنب مع العلمانيين السياسيين ويدخلون معهم في اللعبة السياسية "القذرة" وبمختلف اتجاهاتهم ومشاربهم ويشاركون معهم في الحكومات لتحقيق هدف واحد ــ بحد زعمهم ــ هو "احياء الامة الاسلامية واصلاح المجتمعات المسلمة واستعادة امجادها السابقة"، ولكن دون ان يحققوا انجازا سياسيا مهما يمكنهم من استلام السلطة التي ظلوا يحلمون بها ولا يطالونها لغاية اليوم. ورغم دوافع الاسلاميين الطيبة ونيتهم الصادقة في تطوير الاسلام وتحديثه، فانهم لم يفلحوا في ذلك ولم يستطيعوا ان يجاروا العلمانين في عملهم السياسي وينتزعوا منهم السلطة بالطرق السلمية، وظلوا يراوحون مكانهم على الهامش دون ان يحققوا شيئا ملموسا، يعني انهم ضيعوا المشيتين! لا طوروا الاسلام ولا وفقوا في السياسة. الى ان جاء اليوم الذي تنفسوا فيه الصعداء وحققوا انتصارا نسبيا على القوى العلمانية وحققوا قفزة نوعية ولكن لفترة محدودة جدا عندما انتخب الشعب المصري محمد مرسي رئيسا للبلاد سرعان ما انتزعت منهم السلطة "الحلم" واعادوهم الى المربع الاول!

المشكلة ليست في عجز الاسلاميين في ادارة البلاد واقامة السلطة الناجحة، ولكن المشكلة تكمن في عدم وضوح الرؤية وازدواجية الولاء السياسي، وعدم القدرة على جمع الاسلام والسياسة في بوتقة واحدة، فبرنامج الاتجاهين مختلف في الكثير من جوانبها الاساسية، بسبب هذه الرؤية الضبابية انفصلت العديد من الحركات عن تنظيم الام واتجهت الى تشكيل تنظيم آخرمستقل اكثر وضوحا مع النفس ومع الاخرين!

فعندما تحشر الاسلام بسعته الشمولية الكونية ووضوحه المنقطع النظير وتلقائيته السلسة وبساطته في ضيق السياسة ودهاليزيها الملتوية حشرا، فانك تقف امام عملية معقدة وصعبة جدا لا يمكن ان تخرج منها سالما فكريا وسياسيا ابدا.

من المستحيل ان توفق بين قول ميكافيلي "لا بأس بالأخلاق ما دامت تخدمك، ولكن لا يجب التوقف عندها كثيرا إذا عارضت المصالح". وقول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق". او قول الرئيس الفرنسي شارل ديغول عن السياسة انها؛ فن استغفال الناس! فهل يقبل الاسلام ان يستغفل الناس؟