الجزائر تغرق في متاهة 'من يخلف بوتفليقة'

المشكلة تكمن في إصرار قيادة الجيش على أن تتم خلافة الرئيس المستقيل ضمن أحكام الدستور، بينما يطالب المحتجون بالخروج عن إطار الدستور وإنشاء مؤسسات انتقالية يمكنها إطلاق إصلاحات عميقة وتنظيم انتخابات حرة.

الشخصيات المرشحة دستوريا لخلافة بوتفليقة مرفوضة شعبية
البرلمان الجزائري يجتمع لبحث شغور منصب الرئاسة
الأضواء مسلطة على عبدالقادر بن صالح والطيب بلعيز
الجيش لا يريد أن يكون له أي دور سياسي في المرحلة الانتقالية
الحراك الشعبي يطالب بهيئة انتقالية لا يكون فيها رموز النظام

الجزائر - من المتوقع مبدئيا أن يكرس البرلمان الجزائري الثلاثاء ما ينص عليه الدستور أي أن تعود رئاسة الدولة لرئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، لكن الشارع الجزائري لا يرغب بهذا الأخير ومن المرجح أن يخلي المنصب لغيره.

فمن سيخلف الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة خلال المرحلة الانتقالية؟.

وبعد أكثر من شهر من الاحتجاجات العارمة وغير المسبوقة في كل أنحاء البلاد، اضطر بوتفليقة إلى الاستقالة في الثاني من أبريل/نيسان تحت ضغط الشارع وضغط الجيش الذي هدد بالتوقف عن الاعتراف بسلطته.

الجزائريون يواصلون حراكهم دعما لمرحلة انتقالية لا تشمل رموز النظام
الجزائريون يواصلون حراكهم دعما لمرحلة انتقالية لا تشمل رموز النظام

وحكم بوتفليقة (82 سنة) الجزائر لنحو 20 سنة بينها سبع سنوات وهو مريض بعد إصابته بجلطة في الدماغ في 2013، لكن رغبته بالترشح لولاية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان فجرت تظاهرات حاشدة، لكن يعتقد على نطاق واسع أن بوتفليقة ليس هو من اتخذ قرار الترشح لولاية رئاسية خامسة.

وبعد أسبوع من استقالته من المقرر أن يجتمع البرلمان بغرفتيه، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، صباح الثلاثاء لمعاينة "شغور" رئاسة الدولة.

وبحسب الدستور يتولى رئيس مجلس الأمة "مهام رئيس الدولة لمدّة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية".

لكن المتظاهرين الذين طالبوا منذ شهر ونصف شهر برحيل "النظام" كاملا من السلطة، يرفضون أن تتولى شخصيات مرتبطة ببوتفليقة وعلى رأسها بن صالح قيادة المرحلة الانتقالية.

وكانت تظاهرة يوم الجمعة السابع، الأولى بعد استقالة بوتفليقة، رفعت شعار رفض "الباءات الثلاث" وهم عبدالقادر بن صالح والطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري ونورالدين بدوي رئيس مجلس الوزراء.

وقررت حركة مجتمع السلم المعروفة اختصارا باسم 'حمس' التي دعمت بوتفليقة حتى انسحابها من التحالف الرئاسي في 2012، مقاطعة جلسة البرلمان معتبرة حضورها "تثبيتا تلقائيا للسيد عبدالقادر بن صالح كرئيس للدولة وهو موقف مخالف لمطالب الشعب المعبر عنه بوضوح في الحراك".

وأضاف الحزب الإسلامي الأكبر والمعارض الأبرز في البرلمان (34 نائبا من أصل 462) أن "جلسة البرلمان شكلية" بما أن "استقالة الرئيس نهائية بأحكام الدستور".

وكان حزب العمال (11 مقعدا) قد أعلن أيضا في ختام اجتماع مكتبه السياسي الانسحاب نهائيا من البرلمان الذي وصفه بأنه "غير شرعي"، مبررا قراره برفضه المشاركة في جلسة الثلاثاء التي تنظر في شغور الرئاسة والتي يفترض أن تزكي عبدالقادر بن صالح رئيسا انتقاليا لتسعين يوما.

وحذّر اليوم الاثنين من اي محاولات لانقاذ النظام. وقال في بيان نشره على صفحته الرسمية بفايسبوك "تؤكد أمانة المكتب السياسي مرة أخرى بأن كل محاولة لإنقاذ النظام القائم، المتعفن والمنتهي الصلاحية، إن كان ذلك بواسطة المناورات السياسية أو الحل الأمني والقمعي هو بدون جدوى ولا يمكنه قيادة بلادنا سوى لغد مجهول أو لطرق بدون مخرج". 

 

ويبدو أن رغبة الشارع الجزائري كان لها الصدى الايجابي لدى أصحاب القرار، فقد أشارت صحيفة المجاهد الحكومية التي تنقل عادة رسائل السلطة في الجزائر في عددها الصادر الأحد، إلى إمكانية استبعاد عبدالقادر بن صالح من رئاسة المرحلة الانتقالية عبر اختيار رئيس جديد لمجلس الأمة.

وجاء في الصحيفة "يجب العثور في أسرع وقت ممكن على حل لمسألة رئاسة مجلس الأمة، إذ أن الشخصية الحالية غير مقبولة من المواطنين" الذي يتظاهرون دون انقطاع منذ 22 فبراير/شباط.

وبالنسبة للصحيفة الناطقة بالفرنسية فإن "الأمر ليس مستحيلا، فيمكن إيجاد شخصية توافقية لها مواصفات رجل دولة لقيادة مرحلة انتقالية قصيرة، لأن المهم هو تجاوز الخلافات".

لكن المشكلة تكمن في إصرار رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الرجل القوي في الدولة، على أن تتم خلافة بوتفليقة في إطار أحكام الدستور، بينما يطالب المحتجون بالخروج عن إطار الدستور وإنشاء مؤسسات انتقالية يمكنها إطلاق إصلاحات عميقة وتنظيم انتخابات حرة.

وما اقترحته صحيفة المجاهد هو أن ينسحب بن صالح، فيعود منصب رئيس الدولة إلى خليفته على رأس مجلس الأمة، لكن رشيد غريم أستاذ العلوم السياسية في المعهد العالي للتسيير والتخطيط بالجزائر العاصمة، اعتبر أن "الشارع سيرفض بن صالح وأي شخص آخر من مجلس الأمة".

وفي حال شغور منصب رئيس مجلس الأمة، فإن الدستور ينص على أن يتولى الرئاسة، الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري المرفوض هو الآخر.

ويضيف غريم "وهنا يكمن المشكل الحقيقي، فالجيش يريد أن يتم كل شيء مع احترام الدستور، بينما يريد الشارع الخروج من إطار الدستور. وإذا لم تُليّن المؤسسة العسكرية موقفها سنصل إلى حالة قطيعة، وسيكون من الصعب التحكم بالشارع".

والاثنين، أكدت افتتاحية صحيفة المجاهد التي واكبت الأحداث الأسبوع الماضي فتحولت من متحدث باسم الرئاسة إلى الجيش، أن "نجاح العملية الانتقالية يتطلب انتقالا سلسا وتدريجيا دون مواجهات من النظام الحالي إلى نظام جديد لتجنب أي انزلاق ".

لكن الصحيفة تحدثت أيضا عن حل وسط بإنشاء "لجنة مستقلة" تكون مسؤولة عن العملية الانتخابية بشكل كامل.

وأشارت الصحيفة المملوكة من الدولة أن "الجيش الوطني الشعبي لا يريد أن يكون له أي دور سياسي" في المرحلة الانتقالية.