الجزائر خرجت من عباءة بوتفليقة ولم تخرج من عباءة النظام

تعيين عبدالقادر بن صالح رئيسا انتقاليا كان المخرج الدستوري الوحيد تقريبا للأزمة، لكنه مرفوض شعبيا وسياسيا على اعتبار أن الرئيس الجديد من إفرازات النظام ورموزه

بن صالح رجل النظام الوفي يواجه رفضا شعبيا
الحل الدستوري أخرج الجزائر من أزمة وادخلها في أخرى أكثر تعقيدا
الحراك الشعبي يؤسس لقطيعة نهائيا مع النظام

الجزائر - دخلت الجزائر اليوم الثلاثاء مرحلة جديدة من الشدّ والجذب بين السلطة والحراك الشعبي بعد أن عيّن البرلمان رئيسه عبدالقادر بن صالح رئيسا لفترة انتقالية مدتها تسعون يوميا خلفا للرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.

تعيين بن صالح رئيسا انتقاليا كان المخرج الدستوري الوحيد تقريبا للأزمة، لكنه مرفوض شعبيا وسياسيا على اعتبار أن الرئيس الجديد من إفرازات النظام ورموزه فهو الذي تربع على عرش المؤسسة التشريعية طيلة 17 عاما بما أنتجته من قوانين وإجراءات مددت حكم بوتفليقة لأربعة ولايات رئاسية وبعضها كان سببا في إثقال كاهل الشارع الجزائري اجتماعيا خاصة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المستقيل.

وهو أيضا رجل النظام المخلص الذي سخّر 40 عاما تقريبا من مسيرته في خدمة المنظومة السياسية التي قامت على بناء دولة الحزب الواحد الذي استمدّ "شرعية" التفرد بالحكم من إرث التحرير والكفاح المسلح ضد الاستعمار.

خرجت الجزائر من عباءة بوتفليقة لكنها لم تخرج من عباءة النظام الذي يتهمه المحتجون بالفساد والمحسوبية ويحملونه المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية في دولة نفطية وغازية كان يمكن أن يكون وضعها ووضع شعبها أفضل بكثير مما هو عليه حال البلاد اليوم.

عبدالقادر بن صالح رئيسا انتقاليا للجزائر
هل يصمد بن صالح في مواجهة دعوات الرحيل؟

وكمعظم الدول التي شهدت انتفاضات على حكامها، لا تشكل الجزائر استثناء عابرا من حيث استشراء الفساد وتغلغله في مفاصل الدولة وهو ما جعل الحراك الشعبي يتمسك برحيل جميع رموز النظام أملا في التأسيس لمرحلة جديدة تقوم على محاسبة الفاسدين ونبذ المحسوبية وترسيخ الشفافية.

وتعيين بن صالح وهو بالمنطق السياسي رجل دولة بامتياز، أخرج الجزائر من أزمة وأدخلها في أزمة أخرى يصعب معها التكهن بمآلات الوضع في قادم الأيام، فإما أن يسلم الحراك الشعبي والأحزاب السياسية التي ترفض تمديد وتمدد النظام القديم بالمخرج الدستوري كأمر واقع وبمنطق 'أخف الضررين' أو مواصلة الاحتجاجات للقطع نهائيا أو انتقائيا مع النظام القائم.

ويجادل البعض بأنه لا بديل عن المخرج الدستوري بمحامله ومضامينه الحالية وبرموزه السياسية حتى لو كانت مرفوضة شعبيا تجنبا للمجازفة بأمن واستقرار البلاد، فيما يجادل شق واسع من الجزائريين بأن البلاد التي أنجبت جيل الثورة الذي حكم منذ الاستقلال حتى استقالة بوتفليقة، أنجبت أيضا كفاءات قادرة على البناء على ما سبق والنهوض بالبلاد أمنيا واقتصاديا واجتماعيا.

والمخرج الدستوري للأزمة الذي اقترحته قيادة الجيش الجزائري ودفعت بشدّة نحوه لتجنب 'انزلاق البلاد إلى الفوضى' قد يكون الخيار الأسلم في المرحلة الراهنة لكنّه أيضا يحصن النظام المرفوض شعبيا ويمنحه فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب بيته الداخلي الذي كثرت فيه الشروخ تحت ضغط الشارع.

وهو الخيار الأسلم للنظام لكنه يدفع في المقابل نحو صدام جديد بين السلطة والشارع على اعتبار تمسك المحتجين برحيل رموز النظام ومضي السلطة في ترسيخ أقدامها في الحكم عبر الرموز القديمة.

وكان لافتا أن الموالين للرئيس السابق والذين دفعوه للترشح لولاية رئاسية رابعة ثم خامسة أو زكّوا ترشحه، أول من بادر بالقفز من سفينة النظام مع اشتداد الاحتجاجات الشعبية وتمددها جغرافيا لتشمل كافة المحافظات الجزائرية.

الأزمة الجزائرية
الجزائر تنفتح على أزمة اكثر تعقيدا

 

ويتحرك القافزون من سفينة النظام لتأمين أنفسهم سياسيا بحثا عن دور في المستقبل في عملية التفاف وتكتيك سياسي للعودة مجددا لفلك السلطة التي دعموها لعقود.

المشهد الجزائري ينفتح بتجلياته الراهنة على أكثر من سيناريو يتصدرها دخول الحراك الشعبي في معركة لي أذرع مع أذرع النظام التي أتاح لها المخرج الدستوري عدم الخروج من الحكم.

ويجد عبدالقادر بن صالح وهو من مواليد 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1941 بقرية في تلمسان القريبة من الحدود المغربية، نفسه وسط أجواء مشحونة سياسيا وشعبيا يصعب معها قيادة المرحلة الانتقالية لاعتبارات منها أنه هو ذاته مرفوض من الجزائريين.

والبديل الدستوري المحتمل في حال تخلى بن صالح تحت ضغط الشارع عن دور الرئيس الانتقالي هو الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري، لكنه أيضا من رموز النظام ورجاله المخلصين ويواجه رفضا شعبيا.

وفي مجمل الأحوال تبدو الجزائر مقبلة على أزمة أكثر تعقيدا، فاستقالة بوتفليقة شكلت في لحظتها انتصارا للمحتجين لكنها وضعت البلاد أيضا في نفق مظلم لا مخرج واضحا له على الأقل في الفترة الراهنة.