الحب أسمى ما في الطبيعة البشرية عبر التاريخ

كتاب المفكر المصري سلامة موسى "الحب في التاريخ" يؤكد أن العاطفة مصدر السعادة وجوهر الإنسان يتفاضل فيها البشر عن الكائنات الأخرى.
الحب العاطفي الذي ينشأ من أول نظرة شرور زائل
حب العاطفة هو الحب الأعشى القصير
الناس ليسوا سواء في القدرة على الحب، وليسوا سواء في القدرة على السعادة

القاهرة - من أحمد مروان
الحب هو السعادة، أو هو أقرب شيء إلى السعادة، وفيه تتبلور أخلاقنا، وتبدو في جوهرها الأصيل، وهو؛ أي الحب، يربينا ويستنبط منا أسمى ما في أخلاقنا؛ ولذلك حين نروي قصة عن الحب إنما نروي أيضًا أحسن ما في الطبيعة البشرية من خلال تحملنا جميعًا على الإعجاب وعلى الإحساس بالسعادة.. إنها رؤية الكاتب والمفكر سلامة موسى في كتابه "الحب في التاريخ" والذي صدر في طبعة جديدة عن (وكالة الصحافة العربية – ناشرون)، حيث يؤكد المفكر "أن للإنسان غريزة جنسية إذا تنبهت احتدت فاستحالت إلى عاطفة، فشهوة، فاندفاع قوي لا يكاد الإنسان يدري ما هو فاعل فيه. ولكنَّ للإنسان أيضًا عقلًا إذا تنبه لم يحتد، ولكنه يتأمل في أناة وتبصر، فيستحيل إلى وجدان يدري الإنسان ما هو فاعل فيه".
وكلنا سواء في الغريزة، بل نحن والحيوان سواء فيها، ولكننا نتفاضل في الحب الوجداني الذي ينشأ عن التعقل والتبصر، فندري ما نحن بسبيله من التقرب للجنس الآخر، ونقدر الصفات ونزن الفضائل.
ويرى أن الحب الغريزي هو حب العاطفة، حب الشهوة والنظرة الأولى، وهو بعيد عن الحب الوجداني، الذي يزن ويقدر ويعرف القيم البشرية العالية.
حب العاطفة هو الحب الأعشى القصير.
وحب الوجدان هو الحب الفهيم البصير."

الحب في التاريخ
الأمومة جزء خطير من الحب النسوي

وهناك نوعان من السعادة، كما أن هناك نوعين من الحب؛ فإن سعادة الغرائز هي سرور زائل، كما نجد في لذة الأكل أو الشرب، وهو سرور عاطفي، ما هو أن نشبع حتى ينطفئ، ولكن السعادة القيمة هي ثمرة الوجدان والتعقل، وكذلك الشأن في الحب العاطفي الذي ينشأ من أول نظرة؛ إذ هو شرور زائل، ولكن الحب الوجداني الذي تعتمد فيه على التعقل والتبصر ووزن القيم البشرية، هو أكثر من السرور، هو سعادة مقيمة.
خطأ شائع
وهناك خطأ شائع هو أن الحب بين محبين إنما يرجع إلى الغريزة الجنسية لا أكثر. وهذا التباس يحتاج إلى بعض التحليل؛ فإن الاشتهاء يرافق الحب، ولكنه ليس أصله، بل يحدث أحيانًا أننا عندما نحب امرأة حبًّا عظيمًا فإننا نرفعها إلى مرتبة من الطهارة، ونسمو بجمالها إلى معاني من القداسة، بحيث تتقهقر الغريزة أمام هذه الاعتبارات.
وفي رأي المؤلف أن الحب ينتمي إلى أصل آخر هو ذلك التعلق الذي نما في طفولتنا وربطنا بالأم، وهذا هو الذي يجعل في الحب حنانًا ورقة ورحمة. ونحن حين نحب امرأة إنما في الواقع نحب صورة الأم في وجهها وقامتها وصوتها؛ لأننا قد نشأنا على أن نُكْبِرَ من شأن الصفات التي تتحلى بها أمهاتنا… الحب العظيم ليس هو حب النظرة الأولى، حب العاطفة، وإنما هو حب التبصر، حب الوجدان والتعقل. ويجب أن نقول أيضًا: إن الحب ليس هو الشهوة، وما في الحب بين رجل وامرأة من عظمة ومجد وجلال، إنما يرجع في صميمه إلى الصفات السامية التي نعزوها إلى أمهاتنا، وإلى أخلاق اجتماعية قد علَّمنا إياها المجتمع، وإلى عادات عائلية مارسناها في طفولتنا.
الناس ليسوا سواء في القدرة على الحب، وليسوا سواء في القدرة على السعادة؛ لأن كليهما – الحب والسعادة – يتوقفان على مقدار ما عندنا من وجدان؛ أي تعقل، وعلى مقدار ما أحببنا أمهاتنا، وعلى مقدار ما كان عند أمهاتنا من صفات سامية.
وهناك فرق في الحب بين الرجل والمرأة؛ فإن حب الرجل يكاد يقتصر على المرأة؛ أي على زوجته، وحبه للأطفال ضعيف مشتت مبعثر؛ إذ هو مشغول بالكسب مختلط بالمجتمع أكثر من المرأة. لكن حب المرأة يختلط بأبنائها؛ ولذلك فإن الأمومة جزء خطير من الحب النسوي.
 لماذا يتشابه المحبان؟
كثيرًا ما يحدث أننا نلتقي بزوجين، فنظنهما للتشابه العظيم بينهما أنهما شقيقان، فما هي علة ذلك؟

الحب الغريزي هو حب العاطفة، حب الشهوة والنظرة الأولى، وهو بعيد عن الحب الوجداني، الذي يزن ويقدر ويعرف القيم البشرية العالية

علة ذلك أن الشاب عندما يبلغ سن المراهقة ثم الشباب، إنما يتخيل صورة معينة من الجمال تلازمه مدى حياته، مهما تأثر ببعض الظروف الاجتماعية أو الفنية، وهذه الصورة هي صورة أمه وقت الرضاع، وفي أثناء السنوات الثلاث أو الأربع التالية؛ وذلك لأنه في هذه السنين لا يجد في عالمه شخصًا أكثر عطفًا عليه، والتفاتًا إلى حاجاته، وحبًّا له من أمه، فوجه أمه إذن هو أجمل الوجوه، وصوتها هو أرخم الأصوات، وقامتها هي القامة المثلى للنساء الجميلات. وتبقى هذه الصورة كامنة في ذهنه، بل في نفسه إلى أن يبلغ المراهقة فالشباب، فإذا جاء ميعاد الزواج صارت جميع الوجوه قبيحة أو سمجة أو غير جميلة، ماعدا تلك الوجوه التي أشبهت وجه أمه، فهو يستلطف هذا الوجه، ثم يعشقه، ويختار تلك الفتاة التي تشبه أمه، أو على الأقل تقاربها في الوجه واللون والقامة والصوت والبدانة أو النحافة.
وهناك مقولة تقول "الرجل يشبه زوجته" ربما يكون السبب هو أنه قد انغرست فيه قيم الجمال منذ طفولته، وكأن الأنموذج الذي رسم عليه، وأخذ عنه هذه القيم، هو أمه. ولما كان هو يشبه أمه بحكم الوراثة إلى حد بعيد، ثم لأنه عندما يتزوج يختار فتاة تشبه أمه، فإننا نجد الاثنين بعد الزواج متشابهين كأنهما شقيقان.
ولكنَّ هناك أزواجًا يختلف فيها الزوج عن زوجته، فهو طويل وهي قصيرة، وهو أسمر وهي بيضاء، وهو سمين وهي نحيفة، فما هو تعليل هذا الاختلاف؟
يجيب المؤلف على هذا السؤال: إن هذا الاختلاف بين الزوجين قليل الحدوث جدًّا، وهو حين يوجد يكون مرجعه إلى أن الزوج لم يختر زوجته لجمالها، ولكن لأغراض أخرى، كأن تكون ثرية، أو من عائلة معينة لها مكانة اجتماعية أو نحو ذلك؛ أو ربما تكون أمه قد ماتت قبل أن ترضعه، أو قبل أن تتم معه سنتين أو ثلاث سنوات، فهنا ترتبك مقاييسه وتختلط قيمه.
وهناك رأي شائع، وهو أننا نختار من الجنس الآخر من تناقضنا، كأنها بهذه المناقضة نكمل النقص الذي عندنا، ولكن نظرة عابرة شاملة للأزواج توضح لنا خطأ هذا الرأي؛ ففي تسعين في المائة من الحالات نحن نختار تلك الفتاة التي تشابهنا. وكذلك الشأن في الفتاة عندما تختار الشاب، فإنه يجب أن يشبه أباها وأمها معًا؛ وذلك لأن هذا الأب هو البطل الذي نشأت على رؤيته في البيت، وهو السيد المطاع، وقد قيل "كل فتاة بأبيها معجبة"، وليس هذا المثل عبثًا.
هل يجب أن نهتم بالحب، ونؤلف عنه المؤلفات، نروي فيها تفاصيله وأساليبه بين محبين؟ الحياة أكبر من الحب، والإنسان يستطيع أن يرصد حياته لعمل عظيم يستغرق كل عقله وقلبه وكل مجهوده؛ كأن يتوخى تحقيق مذهب، أو اختراع آلة، أو نحو ذلك، وهذا النشاط جدير بأن تؤلَّف عنه الكتب وتُروى عن تفاصيله القصص. (وكالة الصحافة العربية)