الحرب على المهاجرين ستزداد ضراوة
"ستغرق أوروبا بالمهاجرين". ذلك قول خبيث وعدواني المراد منه الضرب على الاسلاموفوبيا أو طريقة النظر الهلعة إلى تكاثر أعداد المسلمين الأوروبيين كما لو أن أوروبا العلمانية لا تزال مسيحية. في المقابل فإن أحدا في أوروبا لم يسخر من الفكرة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تنص على إفراغ غزة من أهلها. أما أين يذهب أهل غزة فقد تبرع ترامب بمصر والاردن من غير أن يتريث قليلا أمام حقيقة أنه يخترق سيادة دولتين مستقلتين ترتبطان بالولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية.
ترامب يُهجر الفلسطينيين من بلادهم وفي الوقت نفسه فإنه يعيد المهاجرين المكسيكيين إلى بلادهم. الهجرة التي تُخيفه لا تُخيف الآخرين. ذلك افتراض شخصي يتعامل من خلاله الأوروبيون مع حقائق على الأرض كانت هي السبب في إتساع ظاهرة الهجرة غير الشرعية. في كل مكان من دول اللجوء يرى المرء أعدادا هائلة من الصوماليين. مجتمعات تعيش في عزلة تقاليدها. ترى هل كان الصوماليون يفكرون في مغادرة بلادهم قبل أن تحل كارثة التدخل الأميركي الأوروبي؟
الخوف على أوروبا من المهاجرين ينطوي على عنصرية مضاعفة. فهو يعني أن من حق أوروبا أن تسلب البشر أسباب العيش في بلادهم وفي الوقت نفسه تحرمهم من التمتع بالقوانين التي تحمي حقوق الإنسان. "موتوا هناك" ذلك شعار صارت الأحزاب اليمينية ترفعه علنا. ولأنها تعرف أن الطرف الثاني لا يملك منصات اعلامية للرد فإنها تزداد شراسة في تحريض جمهور جاهل لا يعرف شيئا عن الهجرة بأبعادها السياسية.
يعتقد الكثيرون أن المهاجرين انما هربوا من بلادهم بسبب استبداد الانظمة السياسية الي تحكم هناك. إنهم ضحايا ما يجري في بلادهم. تلك نظرية سطحية يتبناها المحايدون من غير التفكير في أن تلك الأنظمة ما كان لها أن تمارس استبدادها لولا الدعم الذي حصلت عليه من قوى كبرى. كانت تجربة شعوب القارة الأميركية الجنوبية قد سبقت تجربة شعوب الشرق الأوسط.
التقيت في السويد بالكثير من مهاجري تشيلي والارجنتين وبيرو وارغواي وكلهم هاربون من الأنظمة العسكرية التي دعمتها أجهزة المخابرات الأميركية. أما حين انسحبت تلك الأجهزة مضطرة وسقطت الأنظمة العسكرية فإن العدد الأكبر من أولئك المهاجرين عاد إلى بلاده طوعا وهو سعيد باستعادة حياته الحقيقية. ذلك يؤكد أن المهاجرين ليسوا سعداء في اقتلاعهم. لقد عاد البوسنيون إلى بلادهم بعد أن تأكدوا أن بلادهم عادت إلى سيرتها الأولى، وطنا آمنا ومستقرا.
هناك قناعة لدى بسطاء الأوروبيين ممَن يقضون جل أوقات راحتهم أمام التلفزيون مفادها إن أوروبا تفتح أبواب الجنة لمَن لا يستحقها. بُنيت تلك القناعة المضللة على الجهل أو التجهيل. ففي حقيقتها كانت أوروبا التنوير سببا في تدمير أسباب الحياة في أماكن متفرقة في العالم حين نهبت ثروات الشعوب وألقت بها في جحيم الفقر والإذلال والعوز والفاقة، بل أنها قتلت وشردت وعبثت بحقوق الإنسان. لا تزال هناك دول ثرية في أسيا وأفريقيا تعيش شعوبها في هاوية الفقر بسبب استيلاء أوروبا على ثرواتها.
الجزء الأكبر من العنف الذي تعاني منه مناطق متفرقة في العالم يكمن سببه في الحكومات التي نصبتها أوروبا حارسة على الثروات التي قررت أنها من نصيب العرق الأبيض. بعد ذلك يرفع رجل مجنون بكسب المال بأي طريقة مثل ترامب صوته عاليا ضد المهاجرين الذين يعرف أنهم ضحايا سياسات عنصرية استمرت لقرون ولم تنته حتى اللحظة. في كل مكان وطأته قدما الإنسان الأوروبي المتحضر وجدت نبتة الشر لها أرضا خصبة. لا يزال شعار "فرق تسد" صالحا للإستعمال. نجت شعوب من تلك الحيلة المميتة فيما لا تزال شعوب تعاني من حبالها المشدودة على الأعناق.
بغض النظر عن رفضهم الاندماج بالمجتمعات الأوروبية وهو أمر طبيعي ومتوقع، فإن المهاجرين هم ضحايا لسياسات أوروبا العنصرية التي وهبت الرجل الأبيض حق التصرف بثروات الآخرين. المهاجرون يعرفون ذلك. يعرفون أن ذهبهم ونفطهم وماسهم هو مصدر ذلك الغنى الذي ترفل به أوروبا. ذلك ما يجعلهم يسخرون من نظرية "دافعي الضرائب". تلك النظرية التي تهدف هي الأخرى إلى تحريض المجتمعات المضيفة على المهاجرين.
وكما يبدو فإن الأمور ستزداد صعوبة. ذلك لأن الحكومات اليمينية تركت كل شيء، حتى الاقتصاد لم يعد ضمن أولياتها وصارت الحرب على المهاجرين برنامجها الوحيد.