الحل السياسي للحرب وفخ اليمنيين القادم!

لا بد من توفير مناخات الحل مسبقا، وإلا سنجد أننا أمام مضاعفة لشروط استمرار نزيف الدم اليمني بتوليفة طائفية مناطقية وبما يتوافق مع مطامع القوى الخارجية في اليمن.
"الشرعية" أوكلت مهمة إدارة الحرب للقوى الإقليمية والدولية واكتفت برمزية الاعتراف بها
الحوثيون اكتسبوا نوعا من شرعية الاعتراف بمجرد قبول الجلوس معهم على طاولة التفاوض

يجد اليمنيون أنفسهم اليوم، بعد أكثر من ست سنوات من انقلاب المليشيات الحوثية، وتدخل التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية، أمام مشهد يمني أقل ما يمكن وصفه بأنه بالغ التعقيد والصعوبة، خارطة نفوذ عسكرية تتوزع بين أطراف الصراع؛ للمحافظة على وجودها في أي تقاسم سلطوي قادم، بات وضع الشرعية اليمنية اليوم التي جاء التحالف العربي لدعمها وعودتها طرفا من عدة أطراف متصارعة.
تدار الحرب في اليمن بالتقسيط المريح، رغم أن دول التحالف العربي تملك من الإمكانيات، ما يجعلها تحسم الحرب لصالح الشرعية في مدة وجيزة جدا، لا تتعدى بضعة أشهر، فبعد أن تمت السيطرة على الأجواء اليمنية، كان بالإمكان مد الجيش الوطني بالأسلحة الثقيلة، التي تتطلبها المعركة البرية، وإسناده بكافة أنواع الدعم اللوجستي المالي والاستخباراتي، فهذا كفيل بإسقاط الانقلاب، وتحرير العاصمة صنعاء، ومن ثم الدخول في حل سياسي آمن، يشارك فيه الحوثيون، كمكون سياسي لا مليشيات مسلحة منقلبة، تحصد مكاسب سياسية؛ جراء انقلابها على مؤسسات الدولة.
في المقابل الشرعية اليمنية ممثلة بمؤسسة الرئاسة والحكومة والأحزاب السياسية اليمنية الداعمة لها، متخمة بالفشل، تفتقر لوحدة الهدف والمشروع الجامع للملمة الصف الوطني المناهض لانقلاب المليشيات الحوثية، هي الآن في موضع عجز، عن استعادة الدولة والحفاظ على سيادة اليمن وسلامة أراضيه، أريد لها أو أرادته هي لنفسها، لقد أوكلت الشرعية اليمنية مهمة إدارة الحرب وإنهائها، بل حل المشكلة اليمنية برمتها للقوى الإقليمية والدولية، واكتفت برمزية اعترافها بها، كسلطة شرعية، واقتصر دورها على الترحيب بتحركات الإقليم والمجتمع الدولي، وإصدار البيانات المرحبة بها، ولا ننسى التذكير بإشادتها بتضحيات اليمنيين، في مقاومة الإنقلاب والمشروع الإيراني في اليمن!
منح الإقليم والمجتمع الدولي السلطة الشرعية في اليمن لقب السلطة الشرعية والممثلة للشعب اليمني، وهو ما أثلج صدور شرعيتنا المبجلة، وجعلها تستريح لهذا المنجز العظيم، بينما لم تدرك أن المليشيات الحوثية الانقلابية، اكتسبت أيضا نوعا من شرعية الاعتراف، بمجرد قبول الشرعية الجلوس معها، في جنيف وفي الكويت، وقبل ذلك دخولها مؤتمر الحوار الوطني دون نزع أسلحتها وتكوينها حزبا سياسيا، ثم لا ننسى لقاءات مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن غريفيث، والمبعوث الأمريكي لليمن ليندركينغ، وغيرهما من المسؤولين الدبلوماسيين لكثير من الدول، مع ممثلي المليشيات الحوثية، ألا يعد ذلك اعترافا بها كطرف من أطراف الصراع لا طرفا انقلابيا، يجب أن يعود عن انقلابه، ثم يتم الجلوس معه للتفاوض لوضع حل ينهي الحرب التي أشعلها.
تحركات كبيرة لدول الإقليم والمجتمع الدولي؛ للترويج لحل سياسي ينهي الحرب في اليمن، لا يقف وراءها زعم وضع حد للمأساة الإنسانية في اليمن، كل ما في الأمر أن المشهد اليمني أصبح ناضجا، بما يناسب رؤية وأهداف الإقليم والمجتمع الدولي للحرب في اليمن، البعيدة كل البعد عن مصالح اليمنيين في عودة السلام والاستقرار الحقيقيين والدائمين، بعد كل هذه الفترة من تمزيق النسيج اليمني، وتدمير البنى التحية وتعميق الانقسامات الداخلية، وتشكيل منظومة من الصراعات المناطقية والطائفية والجهوية، وجعل اليمن ساحة مفتوحة؛ للتدخلات الخارجية، كل ذلك كان يجري تحت سمع وبصر الإقليم والمجتمع الدولي، الذي أدار ظهره لليمن، ولم يعر عندما كان يحدث كل ذلك الوضع الإنساني أي اهتمام.
الحديث عن المرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن لا سيما القرار رقم 2216، كمرجعيات لأي حل قادم، أضحى محض هراء، في ظل الوضع الراهن، إذ أن المليشيات الحوثية الانقلابية سترفض الاحتكام لها؛ لأنها ترى أن الاستتاد لها كمرجعية للتفاوض، يفقدها كثيرا من المكاسب، ناهيك عن احتمالية رفض المجلس الانتقالي الجنوبي لها، والذي لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله، ومن ثم سيبحث المجتمع الدولي عن توليفة جديدة، تجمع كل الأطراف، من خلال قرار أممي جديد، يصدر من مجلس الأمن الدولي، تصيغه وترعاه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالتشاور مع السعودية والإمارات، سيكن هو المرجعية الجديدة، قد يشير في جمل إنشائية للمرجعيات الثلاث، والحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال اليمن، لكن بقية بنوده، فيها تفريغ لمضمون تلكم المرجعيات، وصياغة حل يتماشى مع الأهداف والمصالح الجيواستراتيجية للدول الكبرى.
الحل السياسي القادم للحرب سيخلي مسؤولية التحالف العربي من الملف اليمني، وسينقل المسؤولية للأطراف اليمنية، لكنه في نفس الوقت سيفتح الباب للتدخلات غير المباشرة في المشهد اليمني، لكثير من دول الإقليم والدول الكبرى، عبر تمويل الأطراف اليمنية في أي صراعات قادمة، يراد لها أن تنشب ضمن صراع الأجندة الإقليمية والدولية في اليمن، التي باتت ساحة لتصفية صراعات وحسابات، لا شأن لليمنيين بها غير أنهم أدواتها.
 إن أي حل سياسي لإنهاء الحرب في اليمن، لكي ينجح، لا بد من توفير مناخاته -وهذا ما ليس متاح حتى اللحظة الراهنة- المتمثلة بعودة السلطات الشرعية للداخل اليمني، وبسط سيطرتها على كامل أرجاء البلاد، ونزع سلاح المليشيات، بغير ذلك نجد أننا أمام مضاعفة لشروط استمرار نزيف الدم اليمني، وتجديد إنتاجه دوريا، بتوليفة طائفية مناطقية، بما يتوافق مع مطامع القوى الخارجية في اليمن، التي تقع على طرفي نقيض من مصالح الشعب اليمني.