بضاعة إيرانية مغلفة بورق هدايا أميركي
لم تفشل الانتخابات النيابية التي أجريت في العراق عبر العشرين سنة الماضية على الرغم من أن بعضها قد تمت مقاطعته شعبيا بطريقة لافتة.
الانتخابات في العراق يجب أن تنجح. هناك إرادة دولية تفرض نجاحها، بغض النظر عن موقف العراقيين منها. وهم الأدرى بنتائجها المريرة.
كتب إبراهيم الزبيدي وهو شاعر وكاتب سياسي، خبرته في الشأن العراقي تؤهله لاستشراف ما الذي سيحدث مستقبلا مقالا في صحيفة العرب عن الانتخابات المقبلة كانت محصلته يائسة وأن توزعت بين ثلاثة احتمالات.
لكن هل هناك معنى لليأس من وضع وطن تحول إلى "سوبر ماركت" وهو الوصف الذي اعتمده الزبيدي؟ فيه كل شيء إلا المواطنة والحرية والكرامة والإرادة المستقلة وقبلها كلها العدالة الاجتماعية.
لا شيء يمكن أن يتغير في العراق في ظل توافق أميركي إيراني هو أساس التسوية السياسية فيه ما دام المطلوب أن تكون الطوائف كلها ممثلة في السلطات الثلاث وفق ترتيب صار بمثابة عرف وإن لم ينص عليه الدستور. كردي لرئاسة الجمهورية وشيعي لرئاسة الحكومة وسني لرئاسة مجلس النواب. قسمة لن يكون للإنتخابات أي تأثير عليها.
وإذا كانت دولة الحشد الشعبي فكرة قد تم تجاوزها نظرا للظروف التي تعيشها المنطقة أو أصبح المزاج السياسي الإيراني يضيق بها فإن الطبقة السياسية في العراق وهي الأشد حاجة إلى وجود قوة مسلحة تضمن لها الشعور بالأمان كانت قد عملت على دمج عدد لا يُستهان به من أفراد الميليشيات في قطاعي الجيش والأمن بحيث صارت وزارة الداخلية هي واجهة لفيلق بدر الذي تأسس في إيران وشارك في حرب الثمان سنوات إلى جانبها ضد العراق.
لذلك فإن الانتخابات لن تعبر عن المزاج العراقي فهي ليست مرآته. وحتى لو أفترضنا أن ذلك المزاج كان موجودا فإنه لن يجد بين قوائم المرشحين ما يمكن أن يعبر عن ميوله. لا لشيء إلا لأن القوى الحزبية التي تحكم العراق منذ أكثر من عشرين سنة هي نفسها التي تقترع على مرشحيها في المزاد الجديد. كل الخيارات تقود إلى تجديد البيعة. وعلى العراقيين أن يذوقوا السم مرة أخرى وأن يعدوا أنفسهم بقطع أصابعهم التي لوثها الحبر البنفسجي.
سيخسر العراقيون جولة أخرى من جولات وطنيتهم.
فالسلطة التشريعية التي ستنتج عنها السلطة التنفيذية لن تخرج عن حدود المنطقة التي يتطلب الوجود فيها التخلي عن أراض عراقية، ستكون بمثابة جرح في الذاكرة العراقية. ذلك ما يجب أن ينظر إليه العراقيون بقلق.
قال أحد الكتاب الكويتيين "لو كان خور عبدالله كويتيا لما اضطرت الكويت إلى دفع أموال لمسؤولين عراقيين". فهل ستكون مسألة التخلي عن خور عبدالله واحدة من أهم مفردات البرامج الانتخابية؟
سيكون الأمر مريحا للجميع لو عولجت المسألة من خلال استفتاء شعبي. ولكن ذلك ممكن لو أن الدولة العراقية تعترف بحق مواطنيها في تقرير مصير بلادهم. ذلك ما يجب أن يكون شرط الشعب على الأحزاب التي خولت نفسها حق تمثيله بعد أن وزعته على الطوائف.
لا شيء أسوأ ديمقراطيا من أن يذهب المرء إلى الانتخابات وهو يعرف أن نتائجها محسومة من قبل أن تبدأ ولا شيء جديد سوى بعض الوجوه التي سيتمتع أصحابها بما تدرره عليهم مساهماتهم في عمليات فساد جديدة من أموال تزيد الفقراء فقرا وتثقل عراق المستقبل بالمزيد من الديون وتضع ثرواته وسيادته على أراضيه في مهب الريح.
ما تحتاجه الأحزاب المهيمنة على السلطة ستحصل عليه. ولكن ماذا عن حاجة الشعب؟ ولأن الانتخابات إجراء طارئ على الحياة السياسية في العراق فلا أحد بفكر بما تنطوي عليه من دلالات، أقلها ما يشير إلى قيمة الصوت الانتخابي. تلك مسألة لو طرحت في العراق لقابلها الكثيرون بالسخرية بعد أن تمت سرقة الصناديق الانتخابية في إحدى الدورات وتم حرقها واستبدالها بصناديق أخرى علنا.
لا قيمة للصوت الانتخابي إذا كان ثمنه بطانية أو كيلو عدس أو دجاجة. وهو ما يعني أن الإنتخابات إذا أُجريت أو لم تجر فإن النتائج ستكون معروفة. دولة يحكمها الفاسدون الذين يملكون وحدهم الحق في السلطة بعد أن صارت عبارة عن بضاعة عروضة في سوبر ماركت اسمه العراق. وهي بضاعة إيرانية لا مانع أحيانا من تغليفها بورق هدايا أميركي صُنع في الصين.