الحل في جعل العراق تحت الوصاية الأممّية

لا تتطابق مطالب الاصلاح والتغيير معا، خصوصا وهما محكومان بسلطة السيستاني السياسية/الدينية.

منذ أن أصيب العراق وشعبه بالسكتة الدماغية وأصبحا مشلولين إثر إحتلال البلد وهيمنة القوى المتحاصصة على مقاليده، والأمور تسير ببلدنا من سيء الى أسوأ. فتجربة الخمس عشرة سنة الماضية أثبتت ومن خلال الواقع المعاش أمرين، أولهما أنّ شعبنا بغياب قيادة حقيقية غير قادر على حسم معركته لصالحه وصالح أجياله القادمة، والثاني هو أنّ القوى المتنفذّة لا يهمّها مصلحة شعبنا ووطننا فتراهم ماضون بسياسة الخراب والفساد والتدمير الممنهج لهما خدمةً لمصالحهم الضيّقة ومصالح دول إقليميّة ودولية.

لو نظرنا الى واقعنا الذي نعيشه بحيادية ودون أحكام مسبقة، سواء كانت هذه الأحكام طائفية دينيّة أو قوميّة وهي التي تغرق فيهما قطاعات واسعة من أبناء شعبنا رغم معاناتها وللأسف الشديد. فإننا لا نملك الا أن نؤشر وبوضوح الى أنّ الإصلاح والتغيير مهمتّان لا تستطيع كواهل أشباه الساسة بالعراق من تحملّهما ولا التفكير بهما ناهيك عن تحقيقهما.

لم يكن مفهوم الإصلاح معروفا كمصطلح الّا بعد التظاهرات التي قام بها الواعون من أبناء شعبنا وهم قلّة مع غياب الأكثرية غير الواعية وشيوع ثقافة القطيع. وقد دخلت قوى أخرى غير القوى الحاكمة، كالمرجعيات الدينية لإمتصاص نقمة هذه الجماهير الواعية، على خط التظاهرات لتطالب بإصلاح الأوضاع السياسيّة بالبلد! أمّا مصطلح التغيير وهو الطريق الوحيد لإنقاذ شعبنا ووطننا من الدمار، فلم يتم تداوله أو بالأحرى طرحه الّا كشعار ما لبث أن وُضِع على رفّ مهمل. أمّا طرح مطلبي الإصلاح والتغيير في وقت واحد فهو أمر مناف للمنطق السياسي الذي نعيشه، علاوة على عدم قبول الأغلبية العظمى من المتصدّين للشأن السياسي -ومنهم مرجعية السيستاني والذي أصبح مرجعا سياسيّا علاوة على مرجعيته الدينية- به مطلقا. لأنّ التغيير يعني قبر نظام المحاصصة الطائفية القومية والذي تعتاش عليه أحزاب السلطة وتستفاد منه المؤسسة الدينية، ويعني نهاية أحلام عرّابي السلطة في حكم العراق من خلالهم. كما ويعني (أي التغيير) إنهيار إمبراطوريات مالية وإقتصادية وحكم مؤسسات دينية وعوائل وعشائر وأحزاب وميليشيات، وهذه المؤسسات الدينية والعوائل والعشائر والأحزاب والميليشيات ستقاتل حتى الرمق الأخير للحفاظ على مصالحها.

العراق يحتل دوما في عهد النظام الفاسد الحالي المراكز الأخيرة في أية نتائج بحث تقوم بها مؤسسات دولية وهيئات علمية مرموقة حول مستوى التعليم والصحّة والأمن والخدمات وغيرها مما لا يمكننا المرور عليها هنا لكثرتها، كما وأنه يحتل دوما المراكز الأولى وفق نفس المؤسسات التي ذكرناها أعلاه عندما يتعلق بفقدان الأمن والفساد والفوضى والنهب المنظم لثروات شعبنا. ولإصلاح أمر النظام السياسي الحاكم اليوم مثلما يطرح الساعون للإصلاح، فإننا بحاجة الى أدوات تصل بنا الى هذا الإصلاح، فما هي هذه الأدوات وهل نمتلكها؟ وأين هي الإرادة السياسية للمضي قدما في هذا الإصلاح إن إمتلكنا أدوات التغيير والإرادة واللتان لا نمتلكهما بالحقيقة.

الإصلاح لا يأتي بالتمني ولا بالنيّات ولا بالعمل السياسي تحت نفس الظروف التي أوجدت هذا الخراب الذي نعيشه على مختلف الصعد كالتي نعيشها اليوم، والإصلاح لا يأتي بالصلوات والأدعية، كما وأنّه لا يتحقق بالتظاهرات إن كانت بنفس مستوى اليوم من حيث زخمها الجماهيري، ولا يتحقق الإصلاح حتى بوجود قوى سياسية يهمها الإصلاح وتعمل لتحقيقه لكن دون إمكانيات تمتلكها. الإصلاح في بلد كالعراق تقوده أحزاب هي أقرب الى عصابات ومافيات من كونها أحزاب، ورجال دين هم أقرب الى الرذيلة منهم الى الفضيلة وهم يعتاشون على نظام طائفي قومي كما نظامنا السياسي بحاجة الى أدوات لا تمتلكها هذه القوى مجتمعة، وهي في غير وارد توفيرها وإستخدامها أصلا وإن توفرت عندها.

إننا ولنبدأ الخطوة الأولى بعملية الإصلاح بحاجة لقوانين صارمة لمحاربة الفساد كون الفساد هو رأس حربة كل الجرائم التي نعيشها اليوم، وهذه القوانين ولكي تتحقق فإننا بحاجة الى سلطة قضائية مستقلة ونزيهة، وهذه القوانين إن تمت صياغتها بما يخدم المجتمع والدولة من قبل السلطة القضائية فهي بحاجة الى جهاز تشريعي يعمل على منح الشرعية لهذه القوانين، وإن منحت السلطة التشريعية الشرعية للقوانين هذه فإننا بحاجة الى سلطة تنفيذية لتنفيذها وبقوّة القانون. ومن خلال تجربة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم، فأنّ كلّ المؤشرات تدل وتشير الى فساد الأجهزة الثلاثة، ليضاف إليها فساد السلطة الرابعة التي أشترتها الأحزاب بالمال في تأثيرها على العقل الجمعي للمواطن.

لنعود هنا الى التغيير وهو بالحقيقة الشعار الذي علينا رفعه والعمل على تحقيقه بدل الإصلاح الذي لن يأتي مطلقا، لعدم حدوث أي تغيير في العوامل التي كانت ولا زالت سببا في عدم تحقيقه، ولنرى إن كانت له أدوات قادرة على تنفيذه؟ التغيير هو كما الإصلاح لا يأتي هو الآخر بالتمنيات ولا بالنيّات ولا بالصلوات والأدعية أيضا، فالتغيير له أدواته، والأدوات هنا منها ما هو وطني داخلي ومنها ما هو خارجي لا يهمّه التغيير بقدر ما يهمه مصالحه وإمتيازاته وتحقيقهما.

أنّ قوى التغيير الداخليّة، هي أحزاب قادرة على إستغلال التناقضات التي تعيشها أحزاب السلطة وفشلها خلال ما يقارب العقد والنصف من حكمها على بناء نظام مؤسسات، وبالتالي بناء دولة مواطنة حقيقية توفّر للمواطن سبل العيش بكرامة. وتعتبر النقابات ومنظمات المجتمع المدني وجماهير شعبنا الواعيّة التي تشعر بثقل الظلم الذي حلّ بالوطن هي الأخرى من أدوات التغيير المنشود. فهل لدينا اليوم أحزاب سياسيّة قادرة على أن تلعب دورها في قيادة خيار التغيير الذي نحن بأمس الحاجة اليه اليوم؟ وهل لدينا نقابات ومنظمات مجتمع مدني تستطيع تنسيق مواقفها مع الأحزاب التي يهمها التغيير للتواجد بكثافة وليس بالعشرات في التظاهرات المطلبية والتي إن كان لها زخم واسع فأنها ستؤدي حتما للتغيير؟ وهل لدينا جماهير واسعة تملك الحد الأدنى من الوعي الذي يدفعها لتغيير الأوضاع خدمة لمصالحها ومصالح أجيالها القادمة؟

لأننا لا نملك أدوات الإصلاح ولا أدوات التغيير، ولأنّ شعبنا بغالبيته العظمى يعيش فترة السبات الديني المتخم بالجهل والتخلف وغياب الوعي، والمشحون بالنظرة القوميّة والطائفيّة. ولأن السلطة التي نهبت وأساءت إستخدام مئات مليارات الدولارات خلال الخمسة عشر عاما الماضية، تمتلك كل مقومات إستمرارها ونهبها للمال العام وثروات شعبنا لخمسة عشر عاما قادمة وأكثر في ظل الظروف التي نعيشها اليوم. فإننا لا نملك الاّ أن نطالب بوضع بلدنا تحت الوصاية الأممّية، على الرغم من أن الوصاية الأممّية وبموجب الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة تعني الوصاية على الأقاليم. كون بلدنا اليوم لا يعيش حتّى كإقليم ناهيك عن كونه دولة مستقلة، فلا حاكميه تهمهم مصلحة "وطنهم" ولا دول الجوار وغيرها تتركنا وشأننا لننتخب النظام السياسي الذي نطمح به دون تأثيراتهم وتدخلاتهم المستمرة بشؤوننا الداخليّة، ولا شعبنا يصحو من نومه وهنا تكمن الكارثة الحقيقية.

هل يمكننا تحقيق هذا الحلم لإنقاذ ما تبقى من بلدنا؟ الأمر لا يعني القوى المهيمنة على السلطة ومن يوجهها ويمنحها التأييد ويباركها. الأمر يهمنا نحن أبناء هذا الوطن المدمّر والمنكوب، أبناء هذا الشعب الذي يعيش في عوز وجوع وبطالة وجهل وتخلف وموت يومي. لتكن شعارات تظاهرات شعبنا القادمة وعلى قلّة المشاركين فيها، هي المطالبة بوضع العراق تحت الوصاية الأممّية بدلا عن الإصلاح والتغيير اللذين لن يأتيا. لنشّكل لجانا تلتقي بالموفدين الأممّين لبلدنا مطالبين إياهم بالسعي لوضع العراق تحت الوصاية الأممية، فخطر إنهيار البلد ودماره في ظل سلطة العمائم والأحزاب الطائفية القومية كبير، والحلول لإنقاذ شعبنا ووطننا من الكوارث التي يعيشها اليوم كالإصلاح والتغيير دون توفر أدوات نجاحهما هي كإعطاء حبّة أسبرين لمريض مصاب بالسرطان.

الوِصَايَةُ بالعربية تعني: الولايةُ على القاصر.

الوِصَايَةُ هي أيضا: نظام قانونيّ لحماية القُصَّر، وهم مَنْ لم يبلغوا سِنّ الرُّشْد.

ولا أظنّ أنّ شعبنا ومع ثقل الكلمة، قد بلغ سنّ الرشد. فهو لازال قاصرا لا يعرف مصلحته ومصلحة وطنه، ومؤمنا إيمانا غريبا بالموت مفضّلا إياه على الحياة.