'الحياة ساكسفون في فم الموت' قصائد عصية على التصنيف

مختارات شعرية للكاتب الأميركي بوب كوفمان الرافض للأسس الأدبية والشعرية السائدة والمتسيدة والحر بأكثر معاني الحرية جذرية.
كوفمان شاعر شارعٍ وشاعر عزلةٍ وشاعر جاز
حياة كوفمان كُتبت بالدخان على مرآة
كوفمان: طموحي أن أكون منسِيَّا

ميلانو (إيطاليا) - صدر عن منشورات المتوسط في إيطاليا، الكتاب الرَّابع من سلسلة "مختارات الشعر الأميركي"، التي أطلقتها المتوسط لأن تكون "بلكوناً أو تراساً"، يطلُّ على بانوراما واسعة، ترسمُ خارطةً لأهمِّ الاتجاهات والمدارس الشعرية التي ظهرت وعاشت في أميركا. الكتاب هو مختارات شعرية للممثِّلَ الحقيقي لرُوح ومشروع حركة "جيل البيت" الشعرية؛ بوب كوفمان، بعنوان: "الحياةُ ساكسفون في فمِ الموت"، اختيار وترجمة الشاعر والمترجم سامر أبو هوَّاش.
وكانت المتوسّط قد أصدرت من سلسلة "مختارات الشعر الأميركي" وبإشراف وترجمة سامر أبو هواش: "خريفٌ يقفُ خلف النَّافذة" لريتشارد رايت، "شمسٌ تدخلُ من النافذةِ، وتُوقِظُ رجلاً يسكبُ القهوةَ على رأسِهِ" لرَاسِلْ إدْسُن، و"النوم بعين واحدة مفتوحة" لمارك ستراند.
لا يمكن الحديث عن حركة "جيل البيت" الأميركيَّة، تلك الحركة التي كان لها أعمق الأثر على المشهد الأدبيِّ والفنِّيِّ والثَّقافيِّ الأميركيِّ، منذُ منتصفِ القرن العشرين، وإلى وقتنا هذا، دون التَّوقُّفِ عندَ أحدِ أبرز رُمُوزها، ومَنْ يُعَدُّ، بنَظَر الكثيرين، الممثِّلَ الحقيقي لرُوحها وجوهرها ومشروعها، ونعني به بوب كوفمان، ذلك الشَّاعر الذي وَصَفَهُ رمزٌ آخرُ من رُمُوز "البيت"، وهو الرِّوائيُّ والشَّاعر جاك كيرواك، بالقول إن حياته "كُتبَت بالدُّخان على مرآة"، وهو وَصْف يُعبِّر تمام التعبير عن حياة كوفمان التي هي سلسلة ممتدَّة من الارتحال الدَّاخليِّ والخارجيِّ معاً.
ويواصل سامر أبو هواش في مقدِّمة الكتاب: فعلى الرغم من تأثير كوفمان الجليِّ، في تأسيس الاتِّجاهات الجديدة في الأدب الأميركيِّ، خارجَ المؤسَّسات التَّقليديَّة القائمة، وعلى الضِّدِّ منها، بما في ذلك إطلاق تسمية "البيت" نفسها، استلهاماً منه ووَصْفاً للنموذج الذي مثَّله كوفمان، فقد ظلَّ هذا الأخير، طَوَالَ عُقُود من الزمن، قليلَ الحُضُور، إن لم يكن متجاهَلاً، في الإعلام، كما في الدراسات والمقالات النَّقْدِيَّة التي تتناول جيل "البيت" ورُمُوزه. ففي حين حقَّق شُعراء وكُتَّاب مثل جاك كيرواك وألن غينسبرغ ووليام بوروز وغريغوري كورسو ولورنس فرلنغيتي وغيرهم ممَّنْ باتت أسماؤهم لصيقة بجيل "البيت"، شهرة طبَّقت الآفاق، داخل أميركا وخارجها، بما في ذلك في العالم العربيِّ، بالنِّسبة إلى بعضهم، فقد ظلَّ كوفمان، خارج دائرة ضيِّقة جدَّاً، ممَّنْ يعترفون بأهمِّيَّته ودَوْره التَّأسيسيِّ، مجهولاً مُغيَّباً مَنسِيَّاً، وظلَّت قصائده أشبه بشَفْرَة سرِّيَّة، يتداولها شُعراء "البيت"، ويستلهمونها، بل ويُقلِّدونها أحياناً كثيرة، دون الإشارة المستحقَّة إلى صاحبها.
إلَّا أنَّهُ، ومع التَّنبُّه إلى حقيقة تجاهُل المؤسَّسةِ الأدبيَّة الأميركيَّة، البيضاءِ وغيرِ البيضاءِ على السواء، لإِرْث كوفمان، وهو ما قد يكون محور دراسات أخرى مستقبليَّة في أميركا، فإنَّهُ لا يجب، أيضاً، إنكارُ أن جزءاً مُهمَّاً من ذلك الانكفاء يعود إلى كوفمان نفسه، فهو صاحب العبارة الشَّهيرة "طموحي أن أكون مَنسِيَّاً".
هكذا يكون كوفمان الشَّاعر المتمرِّد، الحُرّ بأكثر معاني الحُرِّيَّة جَذْرِيَّة، والعَصيُّ على التَّصنيف الواضح، والرَّافض للأُسُس الأدبيَّة والشِّعْرِيَّة السَّائدة والمتسيِّدة، اختار الانزواء، بل العزلة، بمحض إرادته، مُغرِّداً خارج كلِّ سِرْب.
أخيراً جاء الكتابُ في 208 صفحات من القطع الوسط.
من الكتاب
صارخين أعلى من الألمِ، سَامَحْنا أنفسَنا؛
الخطيئةُ الأصليَّةُ بَدَتْ أسطوانةً مَشروخةً.
الرَّبُّ عَزَفَ البلوز، ليقتلَ الوقتَ، طَوَالَ الوقتِ.
أنهارٌ حُمرٌ حَمَلَتْنا إلى الحياةِ.
(الكثيرُ من الضَّحكِ، يُحجبُهُ الدَّمُ والإيمانُ؛
الحياةُ ساكسفون في فمِ الموتِ).
عن الشاعر
بوب غارنيل كوفمان، شاعرٌ أميركيٌّ ولدَ في مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا، في 18 من أبريل/نيسان 1925، لأب يهوديٍّ من أصول ألمانيَّة، وأُمٍّ سوداء كاثوليكية، تعود جُذُورها إلى المارتينيك. أصدر مجموعاتٍ شعريَّة عديدة جمعتها دار "سيتي لايتس" في إصدارها "الأعمال الشِّعْرِيَّة الكاملة لبوب كوفمان". توفّي بعد مُعاناة مع الفقر والتشرّد والاضطهاد السِّياسيِّ والسّجن، في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا 12 يناير/كانون الثاني 1986.
عن المترجم
سامر أبو هواش، شاعر وكاتب وصحفي ومترجم فلسطيني، ولدَ في لبنان عام 1972، يعدُّ من أهمِّ المترجمين العرب الذين نقلوا إلى العربية أعمالاً إبداعية هامّة من الأدب الأميركي، في مجالات الشعر والقصة والرواية. عملَ طويلًا في الصحافة الثقافية وترأس تحرير ملاحق ثقافية عديدة، لهُ مجموعة كبيرة من المؤلفات تجاوزت 40 عنواناً في كل من الرواية والشعر والتراجم، حصل على مجموعة من التكريمات وجوائز التقدير.