'مراود' تستحضر مكانة النخلة في الثقافة الإماراتية

المجلة في عددها الجديد تشتمل على موضوعات غنيّة وقراءات مهمة تحتفي في مجملها بالتراث العربي ورموزه ومكوناته وعناصره كافة.
د.عبدالعزيز المسلّم: النخلة رمز الحياة والعطاء في التراث الإماراتي والعربي
د. مني بونعامة: كتابات الرحالة الغربيين وثّقت عمق ارتباط الإماراتيين بالنخلة

صدر أخيرا في الإمارات العدد رقم 77 من مجلة "مراود" التي يصدرها معهد الشارقة للتراث، والمعنية بالتراث الإماراتي والعربي والإنساني. 

وتصدّر العدد ملفا بعنوان: "النخلة.. الشجرة المباركة"، وأفردت المجلة مقاربات عدة، ودراسات متنوعة، استعرضت جوانب قيّمة من عناصر الفنون الشعبية بما يشمله من معارف وفنون.

واشتمل العدد على موضوعات غنيّة وقراءات مهمة تحتفي في مجملها بالتراث العربي ورموزه ومكوناته وعناصره كافة، وهي وقفات مهمة لتسليط الضوء على جوانب خفية، وأخرى مطموسة أو منسية من تراثنا الشعبي العربي.

وفي افتتاحية العدد، أكد الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس التحرير، على المكانة الخاصة للنخلة باعتبارها "الشجرة المباركة" التي تحتل مكانة عميقة في وجدان الإماراتي منذ القدم.

وأشار إلى أن النخلة كانت محور الحياة قبل اكتشاف النفط، حيث استخدمت ثمارها غذاءً أساسيًا، وسعفها وجذوعها في مواد البناء، بينما تحول خوصها إلى أدوات يومية ضرورية كالحصر والمكانس.

وفي حديثه المؤثر، قال الدكتور المسلّم "النخلة مدار الحياة وصنو البقاء، حملها غذاء، وسعفها ضياء، وليفها رشاء، وجذعها غماء، وهي شاهدٌ حي على ارتباط أبناء الإمارات بالأرض". كما أشاد بالرؤية الثاقبة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أدرك قيمة هذه الشجرة المباركة وجعلها أساسًا لمشروعه الزراعي والبيئي، مما أثمر عن توسع كبير في المساحات الخضراء ووصول أعداد النخيل إلى أكثر من 42 مليون شجرة تنتج 73 نوعًا من التمور ذات الشهرة العالمية.

ولفت إلى أن دور النخلة لم يقتصر على الجانب الغذائي فحسب، بل امتد ليشمل الصناعات التقليدية، حيث استُخدم جريدها في بناء البيوت والخيام و"قارب الشاشة" لصيد الأسماك، وصُنعت من خوصها أدوات مثل "الفرافير" و"الصراريد".

وأكد الدكتور المسلّم على أن "لكل جزء من النخلة وظيفة، بدءًا من الجذوع التي استُخدمت أعمدةً وصولاً إلى الكرب المستخدم في الري"، مثمّننا الجهود العربية المشتركة لتسجيل النخلة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، بمشاركة 14 دولة عربية، من بينها الإمارات ومصر والسعودية والعراق وفلسطين، واصفًا هذا الإنجاز بأنه "يُبرز عمق الجذور الحضارية التي تربط العالم العربي بهذه الشجرة، التي كانت ولا تزال رمزاً للعطاء والبناء".

واختتم رئيس التحرير بالتأكيد على حرص معهد الشارقة للتراث على إحياء التراث الإماراتي من خلال توثيق هذه العناصر الهامة، مشيدًا بالدور المحوري للنخلة في تشكيل الهوية الثقافية، ومعربًا عن فخره بإسهامات المعهد في الحفاظ على هذا الإرث الإنساني المشترك.

وفي كلمته على الصفحة الأخيرة من المجلة، سلط الدكتور منّي بونعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث، الضوء على الصور والانطباعات الثرية التي تركها الرحالة والمستشرقون الغربيون عن إمارات الساحل العربي (دولة الإمارات العربية المتحدة حاليًا)، وعن حياة أهلها وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

وأوضح بونعامة أن مشاهدات هؤلاء الرحالة قد أثارت لديهم "حالة من الذهول والاندهاش"، مما دفعهم إلى وصف دقيق وشامل لأرض الإمارات وجغرافيتها وتضاريسها ومناخها ومواردها، بالإضافة إلى سكانها وأوضاعهم السياسية والاجتماعية والثقافية، وعاداتهم وأعرافهم وطرق معيشتهم.

وأشار إلى أن هذه المدونة الرحلية، بما تضمنته من مغامرات ومفاجآت ومخاطر ومخاوف، أضفت "نكهة خاصة على الكتابة وكسوتها بطابع من التشويق والدهشة".

وأكد أن الصور التي رسمها الرحالة للمحطات التي توقفوا بها، والتي تنقل القارئ إلى الأماكن وطبيعة المجتمع، تُعد "رصدًا بالغ الأهمية لاكتشاف المخبوء والمجهول والمنسي من العالم".

ولفت الدكتور منّي بونعامة إلى أن عددًا كبيرًا من الرحالة والإداريين والمبشرين الغربيين قد كتبوا عن نخيل الإمارات، من بينهم شخصيات بارزة مثل جيمس سلك بكنغهام وبركس ليوتينانت وصموئيل هنيل وصموئيل باريت مايلز وبول هاريسون وهيرمان بورشارت وبيرسي زكريا كوكس وعبدالله وليامسون وويلفرد مارتن ثيسيجر.

وأضاف أن كتاباتهم "وثقت جوانب مهمة ومختلفة تعكس مدى اهتمام السكان بالنخيل زراعة وتنمية ومحصولاً، ومنافعه في المأكل والحياة، وما يستخرج منه من أدوات تستخدم في البناء والحرف اليدوية، مما يساهم في التعرف على تراث النخلة الشجرة المباركة".

ونقل بونعامة عن جيمس سلك بكنغهام، الذي زار المنطقة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 1816، وصفه لأسلوب كسب العيش في الشارقة، حيث ذكر أن أهلها "يعملون صيفاً في صيد اللؤلؤ وفي الشتاء يفلحون أرضهم ويعتمدون على ما تنتجه من تمور وألبان ماشيتهم وأسماك سواحلهم".

وأشار إلى ملاحظة بكنغهام بأن أهل عجمان "يختلفون عن الشارقة في هذا المجال، حيث لا يعملون في مغاصات اللؤلؤ ويكتفون بما يدره نخيلهم من تمور وأبقارهم من ألبان إضافة إلى الأسماك. وأكد أن الحال مماثل في ساحل أم القيوين ورأس الخيمة، حيث تنمو أشجار النخيل وتنتج تموراً تسد حاجة المواطنين وتفي بعلف دوابهم.

الشجرة المباركة

وفي ملف العدد نقرأ: لفهد علي المعمري: "النخلة تراث وحياة"، ويكتب د. سالم زايد الطنيجي: "من سعفها بيت ومن رطبها قوت ..النخلة في حياة الأجداد"، ونقرأ للأستاذ الدكتور مصطفى جاد "النخلة.. قصة المعارف والإبداعات"، فيما جاءت مشاركة د. احمد بهي الدين بعنوان "اكرموا النخل"، وتكتب د.عائشة الغيص مقال بعنوان "بين الواقع والفن تجليات النخيل في الأمثال والأهازيج الشعبية الإماراتية"، وتسلط فاطمة سلطان المزروعي الضوء على "النخلة ورمزيتها في المجتمع الإماراتي.. بين الذاكرة الشعبية والحضور المعماري في جناح الإمارات في إكسبو اوساكا".

وكتبت مريم سلطان المزروعي عن "النخلة قلب التاريخ.. من الجذور إلى قائمة اليونسكو"، ونقرأ للدكتور فهد حسين "النخلة بين أحضان الثقافة والتراث، ويرصد طلال سعد الرميضي "النخلة في الأمثال الكويتية القديمة"، ونطالع لدكتور محمد أبوالعلا "النخلة أيقونة العطاء ورمز الخصوبة والنماء"، ويسلط دكتور اسعد عبدالرحمن عوض الله الضوء على "النخلة في السودان ليست مجرد شجرة مثمرة .. فهى كيان رمزي"، ويكتب دكتور عادل الكسادي عن "النخلة رمز تاريخي وتراثي في الإمارات".

ويسلط احمد حسين حميدان الضوء على "النخلة الشجرة الإماراتية الذهبية"، ويكتب دكتور مهدي الشموط "النخل بين الحقيقة والمجاز"، ويختتم ملف العدد محمد نجيب قدوره بمقال "في امتداح النخلة المباركة".

موسيقى الشعوب

وفي باب "موسيقا الشعوب" نقرا لعلي العبدان "تصنيف الآلات الموسيقية محاولة عربية"، وفي باب "فنون شعبيه" يكتب علي العشر عن "فن السردانة"، وفي باب "دراسة" نقرا لمحمد عبدالله نور الدين" راكان بن حثلين فارس العجمان وشاعر الفرسان"، وفي باب "قراءات أدبية" يكتب خالد عمر بن ققه عن "البغال" كتاب للجاحظ  مكمل لموسعته "الحيوان"، وفي باب "فنون تراثية" تكتب الدكتورة وضحى حمدان الغريبي عن "فن الانامور فوسيس تأويل جديد للواقع في التاريخ الفني"، وفي باب: "زاوية" يكتب دكتور خالد بن حمد مبارك القاسمي عن "الخليج العربي مهد الحضارات القديمة حضارة العبد نموذجا"، وفي باب "مقاربات" يناقش دكتور خليل السعداني "الفرضية المعاكسة للواقع او الشرط الوهمي"، وفي باب "ضوء" تكتب سارة إبراهيم عن "الأشجار ثروة الطبيعية التي لا تنضم"، وفي باب "متاحف" ترصد عبير يونس "متحف زايد الوطني.. إبداع في سرد ماضي الإمارات واستعراض اثارها التاريخية"، وفي باب "امثال شعبيه" يكتب دكتور شهاب غانم عن "الطعام في الامثال العدنية"، وفي باب "الموروث الشعبي" نقرا للاستاذ الدكتور خالد ابوالليل: "الموروث الشعبي والتكنولوجيا"، وفي باب "عبق الماضي" نقرا لرانيا يوسف "الارميتاج حين يتحول التاريخ إلى لوحة خالدة"، وفي باب "تراث الشعوب" تكتب رقيه جيلاني عن  "الكاجور طقوس ومعتقدات تقليديه لقبائل جبال النوبة في السودان"، وفي باب "قراءة" نطالع لرانيا العنزي كتاب "تاريخ البوتانيكا الإسلامية قراءة وصفية في سلسلة اعلام النباتات" للدكتور منّي بو نعامة وفي باب "واحة القراءة" نقرا لهشام أزكيض عن "الطفل المتروك لحاله في الحكاية الشعبية".

يُذكر أن "مراود" هي مجلة معنيّة بالتراث الإماراتي والعربي والعالمي، ويرأس تحريرها الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ومستشار التحرير ماجد بوشليبي، الخبير الثقافي بمعهد الشارقة للتراث، ومدير التحرير الدكتور منَي بونعامة، مدير إدارة المحتوي والنشر بمعهد الشارقة للتراث، ويتكون مجلس التحرير من: على العبدان، وعتيج القبيسي، وعائشة الشامسي، وسارة إبراهيم، وسكرتير التحرير أحمد الشناوي، كما تضم هيئة التحرير منير حمود وبسام الفحل للإخراج الفني والمراجعة اللغوية، وتصدر المجلة شهريا عن معهد الشارقة للتراث.