الخروج من الكيس الأسود

مشهد التظاهر في ساحة التحرير قد استعاد العراق المخطوف وأظهر وجهه الحقيقي متمثلا بالمرأة، كانت العراقية حاضرة في ميادين التظاهر، والأروع من كل ذلك العراقية العشيقة وهي تتوسد كتف حبيبها بعد يوم احتجاج شاق.
مشهد التظاهر في ساحة التحرير المتوج بالفخامة والأناقة والفخر استعاد العراق المخطوف وأظهر وجهه الحقيقي متمثلا بالمرأة

لم تكن الصورة المعتمة عن المرأة العراقية في المشهد برمته بعد عام 2003 سوى تجسيد لفكرة الكيس الأسود الذي يجب أن تعود إليه في ما يشبه دولة اختطفت من قبل ميليشيات ترفع شعارات طائفية موغلة في التاريخ الديني الملتبس.

ولم يكن للمرأة مكان في العراق المخطوف، وكان نموذج البرلمانية حنان الفتلاوي يمثل الصورة التي يراد لها أن تكون للمرأة العراقية، حتى حوصرت النساء اللواتي يقدن سياراتهن في طرقات بغداد! بينما تحولت حكاية شابة رائعة وهي تقود دراجتها الهوائية في بغداد إلى قصة ملفتة لوكالات الأنباء العالمية، وكأن بغداد تحولت إلى تورا بورا!

كان أحد كبار المسؤولين في الحكومة العراقية قد نشر صورة شقيقته مع زملائها في جامعة بغداد في سبعينات القرن الماضي متفاخرا بأنها الوحيدة المحجبة آنذاك في الجامعة!! ذلك التفاخر لم يكن مزحة في بلد كان سائرا مع الحشود صوب الخرافة الدينية.

لذلك لم يكن كافيا التذكير بالصورة الباهرة للمرأة العراقية في العقود الماضية، فبحث عراقيون عما تبقى في أرشيفهم الورقي من صور زمن آفل، قاوموا شيوع فكرة وضع المرأة العراقية في الكيس الأسود بنشر صور للعراقيات في ستينات وسبعينات القرن الماضي، صور لعروض أزياء وملكات جمال العراق، صور لوفود عراقية نسائية تطوف العالم، صور وصور لمغنيات وفنانات ومهندسات… غير أن نموذج حنان الفتلاوي وعالية نصيف هو الذي كان مفروضا من قبل خاطفي البلاد، بينما قوبلت محاولات نساء عراقيات تغيير الصورة الرثة بالمصادرة والحصار والتضييق.

كان معيبا إلى حد إدانة البلاد برمتها ألا يظهر أي من كبار قادة الأحزاب الحاكمة مع زوجاتهم في مناسبات رسمية أو حكومية، فيما هم يتبجحون بالعراق الديمقراطي الجديد.

لكن مشهد التظاهر في ساحة التحرير المتوج بالفخامة والأناقة والفخر قد استعاد العراق المخطوف وأظهر وجهه الحقيقي متمثلا بالمرأة، كانت العراقية الزوجة والصديقة والأخت والحبيبة حاضرة في ميادين التظاهر، والأروع من كل ذلك العراقية العشيقة وهي تتوسد كتف حبيبها بعد يوم احتجاج شاق، لقد استعادت العراقية جمالها المخطوف وخرجت من كيس الميليشيات الأسود، كانت التظاهرات الحاشدة فرصتها الذهبية لتعلن عن حبها، وحتى عندما حاول البعض ثني النساء عن الاشتراك في التظاهر لأي سبب كان في ذهنه، وجد أن الصور السائدة عن المرأة العراقية لم تعد صالحة للعرض، فهي ليست سوى دعاية دينية زائفة في العراق المخطوف.

واجهت إحدى الفتيات الرائعات مصادرة شاب لحقها في التظاهر، قائلا: اذهبي أنت للبيت نحن نكفي (عوضا) عنك! بردّ مذهل منها وهي ترفض تهميشها، وقالت “إذا كنت تريدني أن أكون ولدا من أجل هذا الوطن فسأكون ولن أتخلى عن دوري” فيما على التصفيق في ساحة التظاهر لتلك المرأة العراقية الشجاعة، عودوا إلى مشاهدة هذا الفيديو لتأمل وجه العراق الحقيقي في الزمن المزيف.